عندما كنت طفلا كان لنا جيران طيبون, رجل فاضل وزوجة محترمة في ملبسها وتعاملها, وابناء ملتزمون يشهد لهم الجميع بحسن التربية والأخلاق الحميدة ويمدح الجميع هذه الأسرة الفاضلة, وذات يوم استيقظ سكان الشارع مفزوعين, فقد سقط لص في اثناء تسلقه شقة جيراننا صريعا والتف الجميع حول جثته والدماء تسيل منها كالسيل, ووقف جارنا وزوجته يشاهدان الموقف من شرفة شقتهما, وكانت جميع الشواهد تدل علي أن الصريع لص حاول تسلق البلكونة من أجل السرقة, وبعد أيام معدودات من تلك الواقعة إذا بجاري يحزم حقائبه ويصطحب بناته لجهة غير معلومة وهو ينظر إلي الأرض, ولا ينظر إلي أحد, وانتشر الخبر بسرعة الصوت بأن الرجل الذي سقط كان عشيق زوجة الرجل الفاضل وأنه فوجئ بقدوم الزوج مبكرا من عمله لشعوره ببعض الآلام, فاختبأ في البلكونة, وهداه تفكيره لتسلق السطح عبر المواسير ثم النزول إلي الشارع خصوصا ان جيراننا في الدور الأخير من العقار ولكن توازنه اختل وسقط صريعا. لا ادري لماذا ظلت تلك الحادثة عالقة في ذهني وتفكيري, فتغيب عني لفترة محدودة ثم يستحضرها ذهني من جديد, وبعد تخرجي في الجامعة كدت أنساها, وكنت في الوقت نفسه, أعيش حياة منحرفة, حيث كانت لي علاقات متعددة, وربما كان دلع والدي لي سببا في تطور علاقاتي النسائية المحرمة بذلك الشكل, فلقد اشتري لي سيارة فارهة وكان يمنحني مصروفا كبيرا يكفي لتسديد إيجار الشقة المفروشة التي استأجرتها دون علم أحد لأقضي بها بعض الوقت مع من اصطادهن من الفتيات المنحرفات, ومن أرتبط معهن بعلاقات عابرة, وظللت علي تلك الحال حتي فاحت رائحتي, وعلمت عائلتي بما أفعله وأزعجهم ذلك كثيرا. وبعد أن تجاوزت الخامسة والعشرين التحقت بإحدي الوظائف وقررت أن أغير حياتي وبدأت أعود إلي رشدي, وفاتحتني عائلتي في موضوع الزواج, ولانني فقدت الثقة في الفتيات لكثرة ماعاصرته منهن, فقد قررت ان أتزوج بطريقة الصالونات وليس عن طريق قصة حب كالقصص الوهمية التي كنت استغلها لإقامة علاقات غرامية, وأخبرت والدتي بأنني أرغب في الارتباط بفتاة من أسرة محافظة ترتدي ملابس محتشمة بمواصفات معينة ومن بيئة محافظة ومشهود لها بالأخلاق, طلبت ذلك والثقة لم تتمكن مني تجاه الجنس الآخر, واخبرتني أمي بعد فترة بأنها وجدت طلبي عند أحد معارفها, فابنتها من اسرة طيبة ومشهود لها بالاخلاق وهي ترتدي ملابس محتشمة جدا ولا تخرج من بيتها إلا برفقة والدتها وللضرورة فقط, فاستبشرت خيرا وتوجهت بصحبة والدتي لكي اتعرف علي الفتاة, ومنذ اللحظة الأولي التي شاهدتها فيها لمست وصف أمي للعائلة بالطيبة, والملابس المحتشمة التي توحي بالأدب والاخلاق حقيقة واقعة, ونظرات الخجل لاتفارق الفتاة التي كانت تنظر إلي الأرض أكثر مما تنظر لي, وعندما دققت النظر إليها أحسست بانني شاهدتها من قبل في مكان ما, وعدت لأقول لنفسي يخلق من الشبه أربعين, وبعد تركيز شديد, تذكرت أنها واحدة من اللاتي قضيت معهن لحظات محرمة قبل أن ترتدي الملابس المحتشمة وتلزم المنزل لانتهاء دراستها. نعم هي التي كانت تدرس في الجامعة وكنت اصطحبها معي في الشقة المفروشة وتركنا أفراد العائلتين للتعارف ففاجأتها باسمها وبكل شئ بيننا, فتذكرتني, وقالت لي إن عائلتها لاتعلم شيئا عن تصرفاتها السابقة, وأنها كانت تأتي معي لأنها احبتني في حينها وانها ابتعدت عني عندما وجدتني غير جاد في الزواج منها. ولا أدري لماذا ماتت ثقتي منذ تلك اللحظة في جميع الفتيات, ولماذا تفرض قصة جاري نفسها علي أحلامي في النوم واليقظة؟ قل لي كيف يطمئن بالي لأي فتاة, بعد هذه التجارب المرة, وكيف اتأكد من أن ماضي من سوف أرتبط بها شريف, وغير ملوث, وكيف استعيد ثقتي الضائعة بعد قصة جاري وقصتي مع الكثيرات ومنهن من ساقني الحظ للارتباط بها, وهي التي كانت ذات يوم من فتيات المتعة المحرمة؟ * ما تعيشه الآن من قلق واضطراب هو النتيجة الطبيعية لكل تصرفاتك الطائشة خلال فترة المراهقة والدراسة الجامعية, والتي أسهمت فيها أسرتك بتدليلك الزائد عن الحد, وتوفير كل ما طلبته منها من سيارة وشقة وخلافه دون أن تكون هناك متابعة دقيقة لما تفعله.. وسيظل الخوف من الماضي مسيطرا علي تفكيرك إلي ما لا نهاية, وسوف تستعيد صور الفتيات معك وهن يستجبن لرغباتك كلما تقدمت لإحداهن طالبا يدها, حتي لو كانت فتاة طيبة من بيئة صالحة. وبالطبع فإن هناك أسرا محترمة تربي بناتها علي الفضيلة, ولا يعرفن الطريق الذي انجرفت إليه, لكن الشك يدفع الإنسان دائما إلي ارتكاب حماقات وينزلق به إلي ما لا تحمد عقباه.. والمرأة الصالحة تعرفها منذ البداية, فهي تبدو دائما واضحة للعيان ربما من أول نظرة, ومن العبث أن تراقب امرأة سيئة لأن من تريد ان تفعل شيئا سوف تفعله, وإنما هناك قواعد عامة تحكم اختيار الزوجة, وكلنا يعرف الحديث الشريف لرسول الله صلي الله عليه وسلم تنكح المرأة لأربع, لمالها وجمالها وحسبها ودينها, فاظفر بذات الدين تربت يداك. وذات الدين يا سيدي هي التي لاتعرف الخطيئة, ولا تمشي في مسالك السوء, وما فترة الخطبة إلا لكي تتعرف عليها وتدرس جوانب شخصيتها.. فالحقيقة أنني لا أري للنساء حدا أوسط, فهن إما أن يكن ملائكة الفضيلة والعفاف, وإما أن يكن شياطين الرذيلة والعبث علي حد تعبير كارتر. ومهما ارتدت المرأة الخاطئة من مظاهر التدين فإنها تبدو ظاهرة لكل من يحيطون بها. ولعلك استوعبت الدرس وأيقنت أن الطريق الذي سرت فيه كان خطأ منذ البداية.. وعليك أن تترك الماضي بكل ما فيه بعد أن تستوعب دروسه, وأن تنظر إلي المستقبل, وأن تحاسب من سوف ترتبط بها منذ اللحظة التي تتعرف عليها فيها.. فكل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون. هداك الله وأبعدك عن طريق الرذيلة وهو وحده المستعان.