جولات تفقدية لرئيس مياه الشرب والصرف بأسوان لمتابعة المحطات والروافع في ظل ارتفاع الحرارة    وكيل صحة الدقهلية خلال اجتماعه مع مديرى الإدارات: يؤكد التعامل بروح القانون أساس النجاح"    شكسبير في سجن الواحات    أمينة الفتوى بدار الإفتاء توضح علامات طهر المرأة وأحكام الإفرازات بعد الحيض    عبد اللطيف منيع يعود للقاهرة بعد معسكر مكثف بالصين استعدادًا لبطولة العالم المقبلة    لماذا تغيرت خطة أمريكا للحل فى غزة؟    قبل بدء الفصل التشريعى الثانى لمجلس الشيوخ، تعرف علي مميزات حصانة النواب    مصدر مقرب من محمد هاني ل في الجول يكشف كواليس مع حدث مع معروف وقت الطرد    غوارديولا يتحدث عن صفقاته الجديدة    الداخلية تكشف ملابسات فيديو يزعم وفاة محتجز فى أحد أقسام القليوبية    جامعة المنصورة تُشارك في مبادرة "كن مستعدًا" لتأهيل الطلاب والخريجين    محافظ الجيزة يتفقد حالة النظافة وإزالة الإشغالات بأحياء الطالبية والعمرانية والهرم والعجوزة    منشآت تنظّم لقاء بعنوان "أهم ملامح نظام الامتياز التجاري"    مستشفى قها التخصصي ينقذ طفلة من فقدان ملامح أنفها بعد جراحة دقيقة    «الصحة» تغلق 10 عيادات غير مرخصة ملحقة بفنادق في جنوب سيناء    تحقيقات واقعة "فتيات الواحات".. الضحية الثانية تروى لحظات الرعب قبل التصادم    خبير أمن وتكنولوجيا المعلومات: الذكاء الاصطناعي ضرورة لمستقبل الاقتصاد المصرى    7 أسباب تجعلك تشتهي المخللات فجأة.. خطر على صحتك    قرار جديد من التموين بشأن عدادات المياه: حظر التركيب إلا بشروط    المفتي السابق يحسم جدل شراء حلوى المولد النبوي والتهادي بها    يسري الفخراني بعد غرق تيمور تيمور: قُرى بمليارات كيف لا تفكر بوسائل إنقاذ أسرع    اعتذار خاص للوالد.. فتوح يطلب الغفران من جماهير الزمالك برسالة مؤثرة    الأمن يقترب أكثر من المواطنين.. تدشين قسم شرطة زهراء أكتوبر 2| صور    العراق: مهمة بعثة التحالف الدولي تنتهي في سبتمبر    رئيس جامعة الوادي الجديد يتابع سير التقديم بكليات الجامعة الأهلية.. صور    الرئيس السيسي يوجه بمواصلة دعم قدرات شبكات الاتصالات وتوسيع مناطق التغطية    محافظ الجيزة يطمئن على الحالة الصحية لشهاب عبد العزيز بطل واقعة فتاة المنيب    توجيهات حاسمة من السيسي لوزيري الداخلية والاتصالات    جبران يفتتح ندوة توعوية حول قانون العمل الجديد    فنون شعبية وطرب أصيل في ليالي صيف بلدنا برأس البر ودمياط الجديدة    مانشستر يونايتد يدرس التحرك لضم آدم وارتون    ريال مدريد يخطط لبيع رودريجو لتمويل صفقات كبرى من البريميرليج    مرصد الأزهر: تعليم المرأة فريضة شرعية.. والجماعات المتطرفة تحرمه بتأويلات باطلة    فيديو.. خالد الجندي: عدم الالتزام بقواعد المرور حرام شرعا    رئيس الأركان الإسرائيلي: نُقرّ اليوم خطة المرحلة التالية من الحرب    رئيس وزراء إسبانيا يقطع عطلته الصيفية لزيارة المناطق الأكثر تضررا من حرائق الغابات    أمر ملكي بإعفاء رئيس مؤسسة الصناعات العسكرية ومساعد وزير الدفاع السعودي    صحة الوادى الجديد: انتظام العمل فى المرحلة الثالثة من مبادرة "100 يوم صحة"    أحمد سعد يغني مع شقيقة عمرو «أخويا» في حفله بمهرجان مراسي «ليالي مراسي»    فيضان مفاجئ في شمال الصين يخلف 8 قتلى و4 مفقودين    مدير عام الطب البيطري سوهاج يناشد المواطنين سرعة تحصين حيواناتهم ضد العترة الجديدة    حقيقة انتقال هاكان للدوري السعودي    أزمة الراتب.. سر توقف صفقة انتقال سانشو لصفوف روما    الأنبا ثيئودوسيوس يترأس القداس الإلهي بكنيسة العذراء مريم بفيصل    شئون البيئة بالشرقية: التفتيش على 63 منشآة غذائية وصناعية وتحرير محاضر للمخالفين    إنفانتينو عن واقعة ليفربول وبورنموث: لا مكان للعنصرية في كرة القدم    الخارجية الروسية تتوقع فوز خالد العناني مرشح مصر في سباق اليونيسكو    في 3 خطوات بس.. للاستمتاع بحلوى تشيز كيك الفراولة على البارد بطريقة بسيطة    موعد آخر موجة حارة في صيف 2025.. الأرصاد تكشف حقيقة بداية الخريف    تعرف علي شروط الالتحاق بالعمل فى المستشفيات الشرطية خلال 24 شهرا    حزب الجبهة الوطنية: تلقينا أكثر من 170 طلب ترشح لانتخابات مجلس النواب    مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي يعلن تفاصيل مسابقة "أبو الحسن سلام" للبحث العلمي    المفتي يوضح حكم النية عند الاغتسال من الجنابة    إصلاح الإعلام    فتنة إسرائيلية    حظك اليوم وتوقعات الأبراج    خطأ أمريكي هدد سلامة ترامب وبوتين خلال لقائهما.. ماذا حدث؟    عيار 21 الآن بعد الانخفاض الجديد.. سعر الذهب اليوم الأحد 17 أغسطس محليًا وعالميًا (تفاصيل)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أزمة القمح وعجز التنمية الزراعية‏3‏ 3‏
نشر في الأهرام اليومي يوم 28 - 08 - 2010

لا يمكن أن تناقش القضايا القومية المصيرية بمنطق الفهلوة والنصب والادعاء الكاذب ويستحيل أن يتم تحليل المشكلات الكبري اعتمادا علي منظومة مضروبة من المؤشرات الاحصائية. لا علاقة لها بالواقع ولا ارتباط لها بالحقائق الفعلية وعندما تقع القضايا الرئيسية فريسة لفخاخ عدم الوضوح وعدم اليقين تغيب القدرة علي الاصلاح وتضيع بوصلة الطريق الصحيح وتكون النتيجة الحتمية أن يندفع الوطن إلي شاطيء الضياع والندامة حيث لا ينفع الندم وتقدم أزمة القمح أو بالأصح كارثة القمح نموذجا متكاملا لغياب التشخيص الصحيح وبالتالي ضياع الحلول اللازمة والواجبة ويرجع ذلك إلي التناقضات المريرة والحادة في المؤشرات الاحصائية الزراعية وفقدانها للمصداقية العلمية والواقعية وهو ما يؤكد أن المشكلة الزراعية أعمق كثيرا مما يقال وأنها أكثر تعقيدا من كل التحليلات التي تحاول رصد أوضاعها ومشاكلها واقتراح الحلول اللازمة والمطلوبة ومع غياب الشفافية بصورة شبه كاملة فإن المشكلة الزراعية تقبع في ظلام دامس وحالك يجب أولا وقبل كل شيء أن تخرج منه حتي يعرف الكل حجم الكارثة ويدرك الجميع تكلفة الاصلاح والعلاج الصعبة والمريرة‏.‏
ولو أخذنا كارثة القمح نموذجا لأدركنا بسهولة ويسر طبيعة المشكلة المحورية في قطاع الزراعة وأن كل الصرخات التي أطلقت حول أزمة القمح مازالت أسيرة النفق المظلم للمؤشرات الاحصائية المتناقضة بصورة صارخة ومستفزة وكأن العالم لا يملك جهات متخصصة في أمور القمح وغيره من الحبوب يمكن الرجوع إليها لمعرفة الكمية التي تستوردها مصر وفقا للتعاقدات الفعلية مع دول العالم المختلفة المنتجة للقمح وما غادر موانيء هذه الدول متجها لمصر وما وصل إلي موانيها بالفعل من القمح وغيره من الحبوب اضافة إلي تشكيلة الواردات تفصيليا من السلع الزراعية والصناعية وغيرها من المستلزمات والمعدات وقطع الغيار وهي أمور تدعو للإنزعاج الشديد علي الحاضر والمستقبل لأن من يتصدرون للتحليل والشرح والإيضاح في كل وسائل الاعلام يفتقدون ألف باء المنطق العلمي السليم ولا يكلفون أنفسهم حتي مشقة الدخول عبر الإنترنت لمصادر المعلومات المتخصصة عالميا كمرجعية للمقارنة والتدقيق للمؤشرات الاحصائية حتي من باب الاطمئنان والثقة‏,‏ وكذلك من باب الأمانة في العرض والتحليل والإدراك الواعي لحقائق الأمور وطبيعة المشاكل‏.‏
وتتكشف الكثير من أبعاد الكوميديا السوداء لكارثية أزمة القمح من مجرد زيارة خاطفة وعابرة عبر الإنترنت لموقع مجلس الحبوب العالمي وكذلك لمجلس القمح الأمريكي الوثيق الصلة ببورصة شيكاغو العالمية للحبوب التي يفترض أنهما من المواقع المشهورة والمعروفة للمسئولين عن الزراعة والتجارة في مصر كما في غيرها من دول العالم وكذلك للخبراء والمختصين والأكاديميين المهتمين بالزراعة والراغبين في الكتابة بالشرح والتحليل حول مشاكلها وتمثل مؤشرات الموقعين الاحصائية مرجعية تملك الكثير من مقومات الثقة والاعتبار بمعايير العلم وبمنطقه وأساليبه لأنها تقدم عبر سلسلة زمنية متصلة التعاقدات الفعلية التي تم اتمامها عن طريق كل دولة من دول العالم لاستيراد القمح وغيره من تشكيلة الحبوب وكمية التعاقدات مع كل دولة منتجة بشكل تفصيلي دقيق وبالتالي هي السبيل الوحيد لتدقيق الموشرات الاحصائية الزراعية الوطنية الصادرة عن الدول وانكشاف ما بها من صواب وخطأ بحكم ارتكاريا الخوف من الحقيقة التي تصيب المسئولين في الدول النامية خاصة المسئولين بقطاع الزراعة وتدفعهم لإصدار مؤشرات احصائية بعيدة تماما عن الواقع ومخالفة للحقيقة بشكل كامل‏.‏
في مصر المحروسة تتجرأ المؤشرات الاحصائية الراعية الرسمية للتحدث عن اكتفاء ذاتي من القمح يصل إلي‏50%‏ من حجم الاستهلاك الكلي ويصل الأمر أحيانا للحديث عن اكتفاء ذاتي يبلغ‏55%‏ ومع محبي النكت السخيفة فإن الاكتفاء الذاتي يصل إلي‏60%‏ وكأن المؤشرات الاحصائية يصلح معها منطق المزايدة والمزادات وكأن المؤشرات الرسمية يصلح فيها عقلية المساومة وحتي يمكن الوصول إلي تحليل يقول بأن نسبة الاكتفاء الذاتي من القمح‏50%‏ مثلا فإن التحليل النهائي يجب أن يعتمد علي تزوير طرفي المعادلة وأولي الحلقات ترتبط بتعديل وتحريف كمية الانتاج المحلي من القمح التي تعتمد علي المساحة المنزرعة ومتوسط الانتاج للفدان الواحد وهو ما يدخل في صميم الامكانيات الرسمية أما الحلقة الثانية المرتبطة بتعديل وتحريف كمية الاستيراد من الخارج فهو ما يخرج عن المألوف والشائع بحكم أن كمية الاستيراد يتم الاعلان عنها عالميا ويتم رصدها وتجميعها وهي تفرض علي من يعرف أبجديات الاقتصاد والاحصاء والزراعة أن يدرك من اللحظة الأولي أن نسبة الاكتفاء الذاتي من القمح لا تتعدي‏35%‏ في أفضل التحليلات وأنها تصل إلي‏30%‏ فقط وفقا للتحليل العلمي المنضبط والصارم وهو ما يعني أن الانكشاف الغذائي من القمح يصل إلي‏70%‏ من جملة الاستهلاك وهو تقدير مروع يحمل معاني الكارثة بكل أبعادها وملامحها في ضوء متغيرات العالم العاصفة المتوقعة والمرتقبة في سوق الحاصلات الزراعية الاستراتيجية وليس القمح فقط‏.‏
ببساطة شديدة وفقا لاحصائيات مجلس الحبوب العالمي ومجلس القمح الأمريكي فإن مصر هي المستورد الأول عالميا للقمح تتربع علي القمة بغير مزاحمة وبدون منافس ووفقا للمؤشرات الأخيرة فإن مصر استوردت‏10‏ ملايين طن قمح في العام الأخير الذي يبدأ من أول يوليو‏2009‏ وينتهي في‏30‏ يونيو‏2010‏ وهو نفس معدل وارداتها من القمح في العام السابق ويعني ذلك ببساطة وحتي يمكن القول أن مصر تنتج‏50%‏ من احتياجاتها من القمح أن مصر لابد أن تكون قد أنتجت‏10‏ ملايين طن محليا كما يعني أيضا أن حجم الاستهلاك الكلي من القمح يصل إلي‏20‏ مليون طن في حين أن كل الأحاديث الرسمية تتحدث عن استهلاك اجمالي يتراوح بين‏13.6‏ و‏14‏ مليون طن‏.‏ وتعني الفجوة في المؤشرات الاحصائية أن هناك‏6‏ ملايين طن قمح ضائعة ومفقودة لا أحد يعرف مصيرها ولا أحد يعرف مكانها ولا أحد يعرف مصدرها خاصة أن المؤشرات الرسمية الزراعية تتحدث عن مساحة منزرعة من القمح تبلغ‏2.5‏ مليون فدان فقط لا غير وتتحدث عن متوسط لإنتاج الفدان يبلغ‏2.2‏ طن فقط لا غير مما يعني أن الانتاج الاجمالي الحقيقي لو صدقت وصحت تقديرات المساحة المنزرعة ومتوسط الانتاج يصل إلي‏5‏ ملايين طن من القمح وبحكم أن السماء لا تمطر قمحا فإن حقيقة الاكتفاء الذاتي وفقا للأرقام الرسمية للاستهلاك الاجمالي لا تتعدي‏42%‏ من الاحتياجات الاستهلاكية ولكن في ضوء ما تم تسليمه وتوريده للحكومة من محصول العام الأخير والبالغ‏2.1‏ مليون طن فقط لاغير وكان من المستهدف أن يتم توريد‏3.5‏ مليون طن فإن حقيقة كمية الانتاج المحلي ومتوسطات انتاج الفدان والمساحة المنزرعة لابد أن يثار حولها الكثير من التساؤلات المشروعة علميا ومنطقيا‏,‏ خاصة أن تصريحات المسئولين تحدثت عن زراعة مساحة من الأراضي تتراوح بين‏2.1‏ و‏2.5‏ مليون فدان بالقمح فقط لاغير في الموسم الأخير‏,‏ في حين دخل البعض في مزايدة من مزايدات الفهلوة الرخيصة ليتحدث عن زراعة‏2.7‏ مليون فدان وكأن القضايا المصيرية يجوز فيها أحاديث الهزل والفكاهة الساذجة‏.‏
والمثير اقتصاديا واحصائيا أن تقديرات مجلس الحبوب تتحدث عن كمية واردات تبلغ نحو‏20‏ مليون في العامين الأخيرين بمتوسط‏9.5‏ مليون طن سنويا وتتحدث عن كمية واردات تبلغ‏15‏ مليون طن في العامين السابقين كما تتحدث عن‏11‏ مليون طن في العامين السابقين عليهما أي في عامي‏(2005‏ 2006)‏ وعندما كانت مصر تستورد‏5.5‏ مليون طن سنويا كان حديث المسئولين ان الانتاج المحلي يغطي‏50%‏ من الاستهلاك وعندما قفز الاستيراد الي‏7.5‏ مليون طن سنويا تحدث المسئولين أيضا عن اكتفاء ذاتي بنسبة‏50%‏ وعندما تصاعدت الأرقام بشكل جنوني لتصل الواردات إلي‏10‏ ملايين طن سنويا استمر الاصرار أيضا علي أن الانكشاف الغذائي من القمح لايتعدي‏50%‏ وكأن لا أحد في مصر يجيد الحساب وكأن الجميع يجهل أبجديات الطرح والجمع والقسمة وهو مايدعو للأسف والانزعاج ليس فقط لأن المسئولين لايرغبون في كشف الحقيقة ولكن أيضا لأن الخبراء والمختصين يقعون صرعي أمام عتبات الحقيقة وكأن الجهل بالواقع قد تحول إلي صنم لايمكن الاقتراب منه ولايمكن مناقضته والحديث عن عوراته وسوءاته‏.‏
وبعيدا عن غابة التناقضات في المؤشرات الاحصائية ولو قبلنا بمنطقية الاحاديث الرسمية عن استهلاك اجمالي من القمح يبلغ‏14‏ مليون طن وقبلنا بالضرورة التقديرات العالمية عن واردات تبلغ‏10‏ ملايين طن لكانت كمية الانتاج المحلي الاجمالي لا تتعدي‏4‏ ملايين طن وكان الاكتفاء الذاتي لا يتعدي‏35%‏ فقط من الاستهلاك الاجمالي لان تحقيق اكتفاء ذاتي من القمح بنسبة‏50%‏ يتطلب انتاجا محليا يبلغ‏10‏ ملايين طن ويستوجب أن يتم رفع تقديرات الاستهلاك الاجمالي إلي‏20‏ مليون طن سنويا وهو ما يخرج عن كافة الحسابات الاقتصادية المتعارف عليها في مصر والعالم‏.‏
ويتحدث الكثيرون من أهل الزراعة المسئولين والخبراء بمنطقة العطارين والعلاج بالأعشاب الطبيعية وفقا لما ورد بتذكرة داود في القرون الوسطي ويرفضون الخروج عن قوالب صماء وتوابيت تحنيط مهما تغير الزمن وتبدلت الأوضاع وظروف الحياة المعيشية في الريف المصري ويحسبون من باب الراحة والاستسهال وحتي يمكنهم اصطناع المؤشرات الاحصائية وفقا لمصالحهم الدعائية وأهوائهم الشخصية أن ما يتم توريده للحكومة لايتعدي ثلث الانتاج وأن الفلاح يستبقي ثلثي المحمول ثلث لاحتياجات الأكل وثلث لاحتياجات تغذية الماشية وكأنهم لايدركون أن الفلاح يعتمد في غذائه علي العيش المدعوم وكأنهم لايعلمون أن الفلاح قد توقف عن تربية الماشية مع انتشار الأمراض الوبائية علي نطاق واسع وعجزه عن مواجهتها ورفض الأجهزة الحكومية مساعدته لعجزها عن مواجهة هذه الأمراض وتمكنهم هذه الحسبة البعيدة تماما عن الواقع من الصراخ بالصوت الحياني بما يدعون ويما يفبركون من أرقام واحصائيات بحكم ان سدنة معبد الزراعة المقدس لايمكن الاقتراب منهم ولايمكن التعليق علي أقوالهم المقدسة‏.‏
‏***‏
وبعيدا عن تقديرات الاكتفاء الذاتي وضرورة تصويبها حتي ندرك الحجم الحقيقي للمشكلة وطبيعة الانكشاف الغذائي من القمح السلعة الاستراتيجية بالغة الأهمية للحياة والوجود والاستقرار في مصر فإن هناك جانبا لايقل أهمية وخطورة وهو المرتبط بالحديث عن انتاجية الفدان وتصريحات الوزير أمين أباظة وزير الزراعة عن استنباط أنواع جديدة من القمح متوسط انتاجيتها‏22‏ أردبا للفدان وحديث بعض المسئولين عن قدرتها علي إنتاج‏25‏ أردبا وضرورة إدراك أن هذه الأحاديث قديمة ومتكررة ومستهلكة لأن هذه التقاوي هي التي يزرع منها القمح بالفعل منذ سنوات عديدة ولم تحقق هذه المتوسطات علي الاطلاق وفي العام السابق تم الحديث عن متوسط انتاجية يبلغ‏17‏ أردبا للفدان وخلال الموسم الزراعي الأخير تم الحديث عن‏12‏ إردبا كمتوسط في ظل الظروف المناخية غير الملائمة وفي ظل الآفات والأمراض التي أصابت المحصول وتتطلب أبحاثا عالية مكثفة وجادة بحكم أن متغيرات المناخ أصبحت ظاهرة عالمية مما يعني أن التوسع الرأسي عن طريق زيادة الانتاجية يوشك أن يدخل الي نفق مظلم مع عدم توافر الامكانات والجهود والتمويل اللازم للبحوث الزراعية ومخاطر الأمراض الجديدة في حال استيراد تقاو وبذور من الخارج وغيرها من المحددات العملية الكثيرة مما يحتم أن تصبح الثورة العلمية الزراعية في مقدمة الأولويات وعلي رأس قائمة الاصلاح ليس فقط للقمح ولكن لكافة المحاصيل الزراعية الاستراتيجية حتي يمكن للانتاجية العالية أن تغطي محدودية المساحة المحصولية ومحدودية المياه المتاحة للري‏.‏
وفي ظل المتغيرات العاصفة لاقتصادات الزراعة المصرية وما أدت إليه من ارتفاع كبير في أسعار الأسمدة والتقاوي وتكاليف العمالة الزراعية وتكاليف الري والحصاد والميكنة الزراعية فإن اقتصادات المحاصيل كاملة تعاني من أزمة خانقة نتج عنها أن تكاليف زراعة المحصول الواحد مثل القمح أو الأرز أو الذرة تكاد لاتغطيها عائدات بيع المحصول كاملا بخلاف تكلفة إيجار الأرض الزراعية ذاتها وهو مايمكن إدراكه بسهولة من مراجعة تأثيرات قرار منع زراعة الأرز في مساحات كبيرة من الأرض الزراعية وعدم توافر البديل الزراعي إلا في حدود محصول واحد هو الذرة مما دفع الفلاحين لتبوير الأرض مع الارتفاع الكبير في تكاليف زراعة الذرة وانخفاض أسعار بيعها وتدنيها مما يجعل قرار زراعة الأرض بالخسارة قرارا يصعب اتخاذه؟‏.‏


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.