رغم ماشاب الدورة البرلمانية الخامسة والأخيرة في الفصل التشريعي التاسع من وقائع وصدامات بين الأغلبية والمعارضة والمستقلين ومحاولات لتعطيل أداء المجلس بافتعال مواقف غريبة ومثيرة جعلت الدكتور فتحي سرور يهدد أكثر من مرة برفع الجلسة أو وقف أعمالها, ورغم الأحداث التي تعرض لها بعض النواب وأدت الي رفع الحصانة عنهم أو إحالتهم الي لجنة القيم, إلا ان المجلس التزم بالموضوعية والتحلي بالقدرة علي استقراء احتياجات المجتمع والوفاء بها وواصل سعيه لإنجاز المهام التشريعية والرقابية التي فرضتها طبيعة مقتضيات هذه المرحلة الهامة من مراحل العمل الوطني, وماعكسته من أعباء إضافية علي كاهل المؤسسة التشريعية, والتي وضعت علي المحك قدرة المجلس علي مواكبة الوتيرة المتسارعة بعملية الاصلاح والانتهاء من تهيئة البنية الدستورية والتشريعية الملائمة لها قبل انقضاء هذا الفصل التشريعي. وكان الأعضاء وبحق فرسانا شرفاء في حمل أمانة الكلمة ومعايشة نبض الجماهير ونجحوا في أن يرتفعوا بأدائهم الي مستوي التحديات الضخمة التي تفرضها تطورات ومستجدات الأوضاع من حولنا علي الصعيدين الخارجي والداخلي. فعلي الصعيد الخارجي تواكب هذا الدور من أدوار الانعقاد مع عدد من الأحداث والمستجدات الهامة والخطيرة علي الساحتين الدولية والاقليمية, وشهد كذلك استمرار العديد من الملفات الساخنة وبؤر التوتر في منطقتنا العربية ولعل أهم هذه الأحداث ماشهدته الساحة الفلسطينية من أحداث مؤسفة نتيجة استمرار عمليات التصعيد والعنف من الجانب الاسرائيلي ضد الفلسطينيين العزل والسياسة الاستفزازية والحصار الجائر علي غزة والاعتداء الاجرامي علي اسطول الحرية الذي اتجه نحو إغاثة المحاصرين, ومحاولة طمس الهوية العربية وتهويد التراث العربي بما يعرقل جهود السلام. وقد أكد المجلس من خلال تفاعله الإيجابي مع هذه القضية, ان مساندة مصر للقضية الفلسطينية من ثوابت السياسة الخارجية المصرية وهو أمر حتمي لا يقبل المزايدة, ومن ناحية أخري شهدت الأوضاع في السودان والعراق ولبنان تطورا ملحوظا في ظل نتائج الانتخابات الرئاسية والتشريعية في كل منها والتي تشير الي حالة من الاستقرار والتهدئة المشوبة بالحذر وهو ماحظي باهتمام المجلس وتجاوبه من خلال الحرص علي المشاركة الفاعلة في مؤتمرات الوفاق الوطني تحقيقا للأمن والاستقرار. وكذلك فرضت أزمة تعثر التفاوض مع دول حوض النيل نفسها بإلحاح علي آليات العمل البرلماني باعتبارها جزءا لا يتجزأ من أمن مصر القومي, وأكد المجلس قناعته بقدرة مصر علي إيجاد صيغة تفاوضية تحقق المصالح المشتركة لدول حوض النيل وتحفظ لمصر حصتها في مياه النيل. أما علي الصعيد الداخلي فقد جاء اضطلاع المجلس بمهامه لدستورية تهيئة البنية التشريعية الملائمة لعملية التطوير والاصلاح متسقا ومتكاملا مع الفلسفة التشريعية التي تواصلت علي مدي أدوار الانعقاد الأربعة الماضية بل ومتواكبا مع مايستجد من قضايا ومشكلات مجتمعية يقتضي التصدي لها لإيجاد حلول تشريعية حاسمة وهو ماتطلب بذل مزيد الجهد لانجاز الأجندة التشريعية الضخمة لهذا الدور. ومن ناحية أخري عكست ممارسة المجلس لصلاحياته الرقابية تفاعل بناء وتصديا حازما للمشكلات الحياتية والقضايا المجتمعية الملحة التي تمس القاعدة الجماهيرية العريضة. من خلال الأعمال الواعية بكافة الآليات الرقابية التي كفلها الدستور وتفعيله لمباديء المساءلة والرقابة للوقوف علي سلامة أداء المؤسسة التنفيذية تحقيقا لمصلحة الوطن بما يعد إضافة إيجابية لرصيد التعاون المثمر بين المجلس والحكومة. واستطاع المجلس بحق إرساء منظومة متكاملة من السوابق البرلمانية بلغ عدها480 سابقة شكلت موروثا تراكميا للثقافة البرلمانية الرصينة وقاعدة راسخة تنطلق منها كافة الممارسات السياسية التي تمثل إضافة ثرية للحياة النيابية المصرية. واذا استعرضنا بعض المؤثرات الكمية والكيفية للأداء البرلماني خلال هذا الدور فسنجد ان المجلس عقد160 جلسة في ارتفاع غير مسبوق علي امتداد الحياة النيابية استغرقت اكثر من359 ساحة, وارتفع عدد المتحدثين من الأعضاء خلال هذا الدور ارتفاعا ملحوظا مقارنة بالأدوار السابقة حيث بلغ عدد المتحدثين416 عضوا منهم308 من الحزب الوطني و9 أعضاء من حزب الوفد وعضو من التجمع وعضو من حزب الغد وعضو من الحزب الدستوري و96 عضوا من المستقلين, وبلغ عدد مداخلات الأعضاء11498 مداخلة وهو مايمثل مدي الحرص علي الوفاء بالمسئولية البرلمانية والإدلاء في مختلف القضايا والموضوعات. وعقدت اللجان النوعية والمشتركة1166 اجتماعا استغرق2002 ساعة وبلغ مجموع تقارير اللجان التي نظرها المجلس692 تقريرا بما يدل علي حجم الجهد الذي بذلته اللجان لمواكبة النشاط الضخم للمجلس والوفاء بمهامها الرقابية والتشريعية. وناقش المجلس35 مشروع قانون فضلا عن105 مشروعات قوانين مالية وحسابات ختامية للموازنات. و94 اقتراحا بمشروع قانون الأمر الذي يعكس مدي حرص الأعضاء علي الاضطلاع بمهامهم التشريعية. وأقر المجلس37 اتفاقية واستخدم بوعي جميع الآليات الرقابية حيث بلغ عدد طلبات الاحاطة التي نظرها1220 كما نظر المجلس1253 بيانا عاجلا, وبلغ عدد الاستجوابات التي نظرها المجلس39 استجوابا وبلغ عدد الاسئلة138 سؤالا وناقش11 طلبا للمناقشة العامة بما يكشف عن مدي الحرص علي استخدام الآلية الرقابية التي تعطي الفرصة لأكبر عدد من الأعضاء للتعبير عن آرائهم في مختلف القضايا والموضوعات التي تشغل الرأي العام ونظر المجلس400 اقتراح برغبة. ومن واقع الأرقام السابقة لم يكن من المستغرب ان تستأثر أعمال التشريع بالنصيب الأكبر من ساحات عمل المجلس حيث استحوذت علي نسبة37% بينما استغرقت أعمال الرقابة36% واستغرقت الصلاحيات السياسية والمالية فضلا عن صلاحيات المجلس في اقرار الاتفاقيات والمعاهدات نسبة22% فيما استأثرت شئون العضوية نسبة5%.