يشكل الإطار الثقافي ومجموعة القيم السائدة بين العاملين بالإدارة المصرية عنصرا هاما في أسلوب العمل اليومي عند التعامل بين متخذ القرار وبين المرؤوس من ناحية وبين مقدم الخدمة والمواطن من ناحية أخري. بل ان العديد من الإنجازات التي تمكنت بعض الدول من تحقيقها ترجع بالدرجة الأولي إلي نوع القيم الإيجابية التي تسود بها. واحترام قيمة الوقت مثلا يعد عنصرا هاما في تقدم الدول الغربية, في حين يمثل احترام علاقات الأسرة عنصرا هاما لتقدم دول شرق آسيا, في حين أن القيم المتعلقة بتوجيه النقد والتعبير عن الرأي في دول الشرق العربي تعتبر أن الخلاف في الرأي( يفسد) للود قضية, بل أن كثيرا منا يخلط بين الاختلاف في الرأي والأختلاف مع الشخص نتيجة عدم القدرة علي تحمل التباين والاختلاف مع الآخر. كما أن لدينا الاستعداد المبدئي لفقد وإنهاء علاقة كاملة علي إثر خلاف لحظي مؤقت, وتلك إحدي خصائص العلاقات بين بعض الدول التي تدار علاقات العمل فيها( عاطفيا), وهناك أيضا من القيم الثقافية السلبية التي تجهض محاولات تطوير الإدارة مثل الخوف من التعبير عن الحقيقة كما هي خشية إغضاب الرئيس المسئول, فمن الأفضل أن يسود العمل جو من السلام الكاذب أو الهدوء الوهمي علي أن تسوده صيحات الخلاف الموضوعي والاختلاف الطبيعي. ومن ناحية أخري, فإن الطاقة التي يبذلها المرؤوس لإرضاء رئيسه تتجاوز كل التقديرات والحدود حيث عادة ما يلجأ المرؤوس الي آليات التقارب وصنع شبكة من المصالح العنكبوتية المشتركة بينه وبين رئيسه كأن يصبح له بمثابة كاتم أسراره وحامل الوثائق والأرقام السرية أو الشريك في تجارة أو مصلحة أو التعاون علي الشر والرشوة أو التعاون علي البر والتقوي. إن الجهد الذي يبذله الرئيس في إقناع مرؤوسيه بضرورة العمل الجاد وأهمية الألتزام بمواعيد وبقواعد العمل وحتمية التعاون مع زملائه يشعره في معظم الأوقات أن هناك من المرؤوسين من يرفضون بالتعلم أو التطور بل يقضون يوم عملهم وعيونهم علي وقت الإنصراف ويقضون حياتهم العملية وقلوبهم متعلقة بلحظة الخروج علي المعاش. إن الإدارة المصرية المتطورة تحتاج إلي مجموعة من القيم السلوكية الإيجابية لشغل المناصب الإدارية وكذلك القائمون بالعمل من صغار المنفذين بنفس قدر احتياجها إلي التكنولوجيا, والنظم الإدارية العلمية تحتاج إلي قيم: احترام الوقت واحترام الاختلاف وحرية التعبير وثقافة الأنضباط وعدالة التقييم وسرعة الأستجابة ولا مركزية القرار والثقة المتبادلة فضلا عن قيم التقدير والأعتراف بالآخر والتعلم الجماعي وروح الفريق. تلك هي القيم الإيجابية المعاصرة التي يجدر التمسك بها والعمل علي نشرها وتدعيمها كبديل لما سبق الإشارة إليه من قيم ثقافية سلبية تمنع كل محاولات التطوير من أن تؤتي أكلها ولو بعد حين. إن السبب الرئيسي لعدم قدرة الدول النامية( من بينها مصر) علي الانتقال إلي مصاف الدول المتقدمة لا يرجع إلي غياب الموارد والإمكانيات البشرية أو المالية ولكن يرجع في الأساس إلي افتقارها الي الموارد والإمكانيات الثقافية المساعدة علي النمو والتقدم كالتي سبق الإشارة اليها. فالتمسك مثلا بقيمة المركزية والتسلط في اتخاذ القرار يقتل الدافع علي الابتكار ويمنع روح الفريق من الازدهار وينمي الإحساس بالتواكل ويبطيء من آلية الإنجاز ويقيد كافة محاولات التغيير والإبداع. إن التنمية الإدارية الشاملة في مصر تبدأ برعاية الجوانب الثقافية ليس بهدف إحداث تغيير جذري فيها ولكن بهدف تحويلها باتجاه متطلبات التطورات والتنمية بالمستقبل. وهو ما يستلزم أهمية إعادة النظر في إطار القيم الحاكمة للإدارة المصرية. إن المداخل العلمية الحديثة للإدارة تعتمد بالدرجة الأولي علي مفاهيم وبمباديء وقيم ثقافية متعددة الي جانب قيامها علي أسس علمية محددة. إن الإطار الثقافي الحالي للإدارة المصرية لا يمكنها من أن تحتل مكانة رفيعة بين الدول رغم وفرة المفكرين والعلماء بها وذلك بسبب عدم ملاءمة القيم السائدة بها لمتطلبات إنجاح النظم الإدارية العالمية المتميزة والتي تقوم علي الانتقال الحر السريع للفكر والخبرة والتجربة التكنولوجية أفقيا ورأسيا بما يسمح بالتحول السريع والعملي من الحاضر إلي المستقبل, فضلا عن تبني قيم التخلي عن القديم والتنازل عن غير المفيد وعدم حماية الأعشاب الضارة والتخلص من الأفكار الراكدة وعدم التسرع في الإعلان عن المشاريع الكبري إلا بعد دراسة كاملة ومتأنية لكل جوانب التنفيذ والتقييم وعدم الاهتمام بالجوانب الشكلية علي حساب دقة حسابات التكلفة والعائد وعدم البدء بالمهم علي حساب الأهم والاهتمام بتصفية الحسابات وغياب المساءلة القانونية عن الخطأ وغياب ثقافة الاعتراف بالخطأ أو التخلي عن الحاضر تطلعا للمستقبل.