انطلق الحوارالوطني اليمني يوم السبت2010/8/7 بين السلطة وحزبها الحاكم من جهة, وتكتل اللقاء المشترك وشركائه من قوي المعارضة من جهة ثانية. وثمة ثلاثة احتمالات سيتحدد في ضوئها مصير هذا الحوار, ومن ثم ستتحدد ملامح المرحلة المقبلة في تاريخ اليمن المعاصر. أسوأ احتمال يمكن أن يتحدد في ضوئه مصير الحوار هو أن تدور عجلة هذا الحوار بسرعة السلحفاة, ويتضاءل شعور المشاركين فيه بثمن الزمن, وخطورة ذهاب الوقت بلا إنجاز, والاحتمال الأكثر سوءا من ذلك هو أن تندفع عجلة هذا الحوار بسرعة أكثر من اللازم, فتصطدم بعقبات الطريق, وتتخبط في منحنياته الخطرة, ومن ثم سرعان ما تتوقف. في الاحتمال الأول, سيؤدي البطء الشديد إلي إفقاد الحوار مهمته الأولي وهي فتح باب الأمل, وكسر طوق اليأس الذي كاد يطبق علي جميع الأطراف, حكومة ومعارضة ومواطنين. واحتمالات وقوع مثل هذا السيناريو واردة, والمؤشرات عليه لا تخطئها العين, ومنها مثلا مبادرة كل طرف باتهام الآخر بأنه يتلكأ في البدء بالحوار, أو أنه يتعمد إضاعة الوقت. ومنها أيضا كثرة عدد أعضاء اللجنة التي تم تشكيلها من200 شخصية مناصفة بين حزب المؤتمر وحلفائه, وتكتل اللقاء المشترك وشركائه من المستقلين. هذا العدد الكبير هو أول عقبة في مسار الحوار, ولابد من تكوين لجنة من20 شخصية علي الأكثر كي تتولي وضع أجندة الحوار, وتحديد قضاياه, وتكوين لجان فرعية تتخصص كل منها في قضية بعينها, وتحديد سقف زمني معقول لإنجاز مهمات الحوار. وبالفعل تشكلت لجنة من ثلاثين عضوا مناصفة بين الجانبين, ولكن السقف الزمني بقي مفتوحا, وبقاءه هكذا سيكون عاملا مرجحا لوقوع احتمال الإطالة. مما يثير القلق علي مصير الحوار وفق هذا الاحتمال أيضا, أن يخفق المتحاورون مبكرا في كسر الحاجز النفسي في البدايات الأولي للحوار, وعندما يعجزون عن فتح أبواب الأمل للخروج من الوضع السيئ إلي وضع أفضل, فإنهم يكونون قد قطعوا أكثر من نصف الطريق إلي الفشل المحتوم, وسيؤكد البطء أيضا الهواجس التي أضحت متداولة علي نطاق واسع بين المواطنين, ليس فقط بشأن عجز النخب السياسية عن إيجاد مخرج آمن من الأزمات التي تئن منها البلاد منذ سنوات, وإنما أيضا بعدم اكتراث هذه النخب أصلا بمشكلات المواطن اليمني البسيط. هناك شعور ينمو. للأسف الشديد. بين عموم المواطنين بألا أحد يهتم بهم, وأن أحزاب اللقاء المشترك وقوي المعارضة ليست أقل سوءا, ولا أحسن حالا من حزب المؤتمر الشعبي الحاكم وحلفائه. في الاحتمال الأول أيضا, سيؤدي بطء الحوار إلي ضمور القواسم المشتركة والثوابت الوطنية كي تقوي عوامل الاختلاف, وتنمو بدلا من ذلك بذور الانقسام والشقاق. ومن حسن الحظ أن أطراف الحوار انطقوا جميعا من الإقرار بالثوابت التي تؤكد وحدة اليمن, واحترام الدستور, والمحافظة علي الهوية والوحدة الوطنية, في مواجهة التحديات التي تستهدف البلاد من الداخل والخارج علي السواء. ولكن كل هذه الثوابت ستكون معرضة للخطر كلما طال زمن الحوار, فإطالته تؤدي إلي زيادة فرص الدخول في التفاصيل, وتسهل الوصول إلي بيت الشيطان, الذي يسكن دوما هناك. الاحتمال الأكثر سوءا لمصير الحوار الوطني اليمني هو الاندفاع بسرعة فائقة, والاصطدام بحائط الفشل بنفس السرعة. ومؤشرات هذا السيناريو متوافرة أيضا, وإن كانت أقل حضورا من مؤشرات سيناريو البطء وتضييع الوقت, فقد فهم البعض اتهامات الرئيس علي عبدالله صالح لبعض قوي المعارضة عشية بدء الجلسة الأولي للحوار, بأنها تماطل في بدء الحوار وتخلط الأوراق, وتعمل لحساب أجندات خارجية, علي أنها نداء من أجل التحرك بسرعة نحو ما يريده الحزب الحاكم, والبعض الآخر خشي أن تكون هذه التصريحات مقدمة لجلب قوي المعارضة بسرعة لتأكل فقط مما أعده الحزب الحاكم علي مائدة الحوار. والاحتمال المثير لقلق بعض المشاركين من قوي المعارضة هو أن يسعي المؤتمريون إلي انتزاع موافقات من المعارضة تحت سيف التهديد بالفشل الذريع والسريع, وأن وقوع مثل هذا الاحتمال سيكون علي حساب الجميع دون استثناء, وإن كان الخاسر الأكثر هو المواطن العادي الذي يراقب ما يجري في صمت, ونفاد صبر. وقد يكون غياب ممثلين في الحوار عن قوي الحراك الجنوبي أحد مؤشرات الاندفاع فيه بسرعة قبل استكمال مقومات نجاحه. وأيا كان هوية الطرف المتسبب في غياب ممثلي الحراك عن هذا الحوار, فإن النتيجة واحدة, وهي أن غياب ممثلي هذا الطرف سيكون واحدة من العقبات التي ستصطدم بها مركبة الحوار, وقد تودي بها, خاصة أن قضية الحراك تمس وحدة البلاد وهي أحد أهم الثوابت الوطنية لدي جميع الغيورين علي حاضر ومستقبل اليمن من أبنائه, ومن أشقائهم أبناء الشعوب العربية والإسلامية. لاتبدو علامات التسرع في هذا الاحتمال الأكثر سوءا فقط في غياب ممثلي الحراك الجنوبي, وإنما أيضا في تجاهل, أو غياب ممثلي أهم قوتين فاعلتين علي أرض الواقع اليمني علي امتداده الجغرافي, وعلي اتساع رقعة نسيجه الاجتماعي, وهما قوة العلماء, وقوة شيوخ القبائل. والسؤال المحير حقا هو: لماذا لم ينتبه تكتل اللقاء المشترك لهاتين القوتين, ويدعوهما للمشاركة في أعمال الحوار؟ وكيف غفل عن ذلك التجمع اليمني للإصلاح وهو أهم وأكبر أحزاب اللقاء المشترك, وله خلفية إسلامية/ قبلية واضحة, فجاءت قائمة تكتل اللقاء خالية من ممثلين عن هيئة علماء اليمن, وخالية من رموز القبائل ومشايخها, في حين أن قائمة المؤتمر الشعبي تضمنت عددا من هؤلاء وأولئك؟. ما سبق لايعني أن احتمال النجاح بعيد المنال, بل هو الأجدر بالسعي إليه, وربما هو الأقرب للتحقق لو أن جميع أطراف الحوار وبمقدمتها الحكومة, صدقت قولا وعملا في التزامها أولا بالثوابت الوطنية, وباستجماع عوامل النجاح, وأولها استدراك مشاركة ممثلي الحراك الجنوبي, وممثلي العلماء, وممثلي شيوخ القبائل, إضافة إلي مراعاة المسائل الفنية الكفيلة بتهيئة مناخ صحي ومشجع علي التوصل إلي توافقات تحقق المصلحة العليا للمواطنين وللوطن. وأن يعلن جميع الشركاء التزامهم بالرجوع إلي الشعب سواء في أقرب انتخابات أو في استفتاء عام لإشراكه في الحكم علي النتائج التي سيسفر عنها الحوار, باعتبار أن الشعب هو صاحب المصلحة الأول, وأنه الذي دفع ولايزال يدفع القسط الأكبر من فاتورة المعاناة, وتكلفة عدم الاستقرار واستمرار العنف وإراقة الدماء وإزهاق الأرواح البريئة, وأيضا باعتبار أن الشعب مصدر السلطات, وأنه قادر علي تقدير مصلحته, وله حق الولاية علي نفسه, وأنه يجب أن تنتهي نزعات الاحتكار والاستعلاء والوصاية والإقصاء, وأن تحل محلها ثقافة المشاركة, والعدالة, والتواضع, والاستيعاب, والتعاون, والإخاء.