شهدت الأسابيع الماضية حالة من القلق الدولي بعد نشر مجلة' لانست' للأمراض المعدية دراسة دولية رصد خلالها العلماء جين جديد مقاوم لجميع أنواع المضادات الحيوية والعلاجات الدوائية المتعارف عليها . مما يؤدي لوفاة المريض. الجين والمعروف باسم نيودلهي ميتالو بيتا لاكتاميز1 أو' إن دي إم1' تم رصده في العديد من المستشفيات في الهند وباكستان ويمكنه الالتصاق بأي بكتيريا وتغيير خواصها وجعلها مقاومة لأي مضاد حيوي وبالتالي يمكن بسهولة أن تصيب مرضي المستشفيات والذين يكونوا ضعاف مناعيا وعلي استعداد لالتقاط أي عدوي بكتيرية, خاصة إذا كان مستوي النظافة والتعقيم بالمستشفي غير جيد. وحتي مثول الجريدة للطباعة, لم يصدر أي تصريح من قبل منظمة الصحة العالمية بهذا الأمر, حيث أكد الدكتور زهير الحلاج مستشار منظمة الصحة العالمية في تصريح ل'الأهرام' إنه إلي الآن لم تصدر منظمة الصحة العالمية أي تعليق ومازال الموضوع قيد الدراسة والبحث. وطبقا لتقرير مجلة' لانست', فقد أصيب علي مدي الشهور الأخيرة أكثر من170 حالة حول العالم بأنواع مختلفة من البكتيريا جميعها تحمل الجين الجديد إن دي إم1, كما أن جميع الحالات أصيبوا بالبكتيريا من مستشفيات بالهند أو باكستان منهم140 مواطنا من جنوب شرق آسيا و3 من الولاياتالمتحدة و44 بريطانيا سافروا لإجراء جراحات تجميل أو أصيبوا أثناء سفرهم واستدعي الأمر علاجهم وقد تسببوا في نقل العدوي إلي المستشفيات البريطانية. كما أن معظم الحالات التي رصدت كانت مصابة إما ببكتيريا في الرئة أو بأخري في الأمعاء وتراوحت درجة الإصابة من المتوسطة إلي الشديدة. وفي الوقت الراهن فإن المستشفيات في بريطانيا وأمريكا تقوم بعزل كل الحالات الجديدة المكتشفة للحد من انتشار العدوي, كما طالب بعض العلماء بضرورة إسراع شركات الأدوية بطرح مضادات حيوية لهذه الأمراض الجديدة, إلا أن شركات الدواء مازالت تجري أبحاثها علي أنواع مختلفة من المضادات الحيوية بعضها قد يسهم في علاج أنواع من البكتيريا المقاومة للعلاج مثل بكتيريا' ميرسا' التي تصيب الجهاز التنفسي وتنتقل للمرضي من خلال عدوي المستشفيات, إلا أنه بالنسبة للبكتيريا التي تحمل الجين الجديد فلا يوجد في الوقت الراهن أي علاجات دوائية له, لذلك حذرت السلطات الطبية في بريطانيا من ضرورة زيادة الرقابة علي الحالات الجديدة المصابة بهذه البكتيريا وأن يتم عزلها وتعقيم المستشفي والفرق الطبية باستمرار لتجنب انتشار العدوي. ويوضح أحد العلماء, جين إن إم دي إم1 أدي لتحور بعض أنواع البكتيريا التي كان يسهل علاجها من قبل بالمضادات الحيوية المتعارف عليها مثل بكتيريا إيشيريشيا كولاي التي تعيش في الأمعاء وتؤدي للإصابة بتسمم الطعام. كما حور الجين بكتيريا كليبسيلا بنومونيا التي تصيب مرضي الجهاز التنفسي, وفي يوليو الماضي تم رصد ثلاث حالات في الهند أصيبت بفصيل متحور لبكتيريا أسينيتوباكتر بوماني المعروف بمقاومته للعلاجات الدوائية. ويوصي التقرير الذي نشرته مجلة لانست الطبية بضرورة الحد من رحلات السياحة العلاجية ومن خطورة تعرض المرضي لأنظمة علاجية مختلفة بدول مختلفة حول العالم, لأن ذلك سيؤدي لزيادة انتشار الفصائل المحورة من البكتيريا ويرفع من معدلات الوفاة. من ناحية أخري, شنت وزارة الصحة الهندية هجوما مضادا علي العلماء الذين نشروا التقرير الطبي واعتبرت إلصاق اسم نيودلهي بالجين الجديد مسألة ليس الهدف منها إلا الدعاية الإعلامية والتأثير علي برامج السياحة العلاجية التي تجري في الهند, وأشارت الحكومة الهندية إلي أن الأمر يستدعي مزيد من الدراسات. إلا أنه طبقا لدراسة نشرت في مارس الماضي بمجلة الجمعية الطبية الهندية أرجع العلماء ظهور الجين الجديد إلي الإفراط في استخدام المضادات الحيوية من قبل الأطباء والصيادلة دون وجود حد أو رقابة مما أدي إلي ظهور الجين الجديد وتحويره لأنواع مختلفة من البكتيريا جميعها مقاومة للمضادات الحيوية الحالية. ويقول الدكتور ميخائيل نصر أستاذ الميكروبيولوجي بكلية طب قصر العيني إن أنواع البكتيريا التي ذكرت في تقرير لانست مثل إيشيريشيا كولاي و كليبسيلا بنومونيا و أسينيتوباكتر بوماني كلها متعارف عليها منذ سنوات بعيدة وهي موجودة في الهواء والماء وبعضها موجود في أجسامنا, كما تصيب بعض فصائل هذه البكتيريا مرضي المستشفيات خاصة من يعانون ضعف الجهاز المناعي مثل مرضي الإيدز والحالات الحرجة ومرضي السرطان وتكثر هذه الإصابات في المستشفيات التي لا يتم فيها التعقيم بصورة دورية خاصة غرف العناية المركزة وهو مايعرف بعدو المستشفيات. وفي العادة, فإن هذه البكتيريا تسبب أمراضا مختلفة مثل الالتهابات الرئوية والتهاب المسالك البولية والحمي الشوكية وتقيحات الجروح, وقد تصل في بعض الحالات الي الإصابة بتسمم في الدم, ونظرا لمقاومة بعض هذه البكتيريا للمضادات الحيوية مثل بكتيريا أسينيتوباكتر فإنه يتم عمل مزرعة لاختبار المضاد الحيوي الأمثل لعلاج المريض. وفيما يتعلق بالجين الجديد الذي يؤدي لتحور البكتيريا, أوضح الدكتور ميخائيل الي أنه حتي تصل هذه الفصائل البكتيرية لمصر يجب أن يصاب شخص وينقل العدوي لنا, وبشكل عام لايمكن التكهن إذا ما كانت الفصائل الجديدة للبكتيريا انتقلت لنا أما لا خاصة في ظل عدم وجود دراسات طبية كافية تؤكد أو تنفي ذلك. وفي الإمارات حذر علماء من جرثومة مصدرها الهند تهدد بأزمة صحية عالمية, حيث طالبت وزارة الصحة منظمة الصحة العالمية أن توافيها بمعلومات عن بكتيريا مقاومة للمضادات بعد اكتشاف بكتيريا مقاومة لجميع أنواع المضادات الحيوية في مستشفيات بريطانية نقلها من جنوب آسيا أشخاص توجهوا إلي هذه المنطقة في سياحة علاجية. تجدر الإشارة إلي أن البكتيريا المقاومة للعقاقير هي بالفعل مشكلة آخذة في التصاعد في المستشفيات علي مستوي العالم وذلك بسبب انتشار السياحة العلاجية علي مستوي العالم, وكثافة انتشار أعداد المسافرين في الموانئ والمطارات العالمية, والتساؤل هو: هل تؤكد تلك التطورات ما حذر منه العلماء, قبل10 سنوات, حيث نبه هؤلاء إلي أن التهديد الأكبر يكمن في الأمراض المقاومة للأدوية..