الأعلى للإعلام: استدعاء الممثليين القانونين لعدد من القنوات الفضائية بسبب مخالفة الضوابط    المشاط تفتتح ورشة العمل الإقليمية للبنك الدولي لإعداد تقرير عن الأمن الغذائي والتغذية    الرئيس السيسي يصدق على العلاوة الدورية والخاصة للموظفين بالدولة    خامنئي: إسرائيل ستدفع ثمناً باهظاً    الأردن يدعو لنزع «النووي» ويواصل جهود التهدئة    الأزهريعتمد نتيجة «التأهيلي» والابتدائية والإعدادية ل«أبنائنا في الخارج»    السجن 7 سنوات لعاطل لسرقته طفلين تحت تهديد السلاح بقنا    خبير علاقات دولية: توقعات بامتداد التصعيد العسكرى بين إيران وإسرائيل لأسابيع    احتراق مقر الموساد إثر ضربة إيرانية.. ما حقيقة الفيديو المتداول؟    منها الديربي.. عمر مرموش يغيب عن 5 مباريات بالموسم الجديد لهذا السبب    خبير تأمين: توقعات بزيادة أسعار التأمين البحرى وفرض شروط احترازية جديدة بسبب الحرب    حماة الوطن: الحزب منفتح على التحالف مع الأحزاب الأخرى في الانتخابات    «بينهم سيدة».. تأييد السجن 3 سنوات لمتهمين بحيازة المخدرات في بني مزار بالمنيا    "بحوث الصحراء" يواصل تقديم الدعم الفني والإرشادي لمزارعي سيناء    وفاة اللواء منير يوسف شقيق الفنان الراحل حسن يوسف    قصور الثقافة تواصل برنامج مصر جميلة لتنمية المواهب بمدينة أبو سمبل    توقعات برج القوس في النصف الثاني من يونيو 2025.. وتحذير مالي    ما حكم الصلاة الجهرية بالقراءات الشاذة؟.. الإفتاء تجيب    خبيرة الطاقة: «الساعة الذهبية قبل مغرب الجمعة» طاقة روحانية سامية    محافظ الجيزة يلتقي أعضاء برلمان الطلائع ويؤكد دعم الدولة لتمكين الشباب    السجن 7 سنوات لبلطجي في قنا سرق طفلان تحت تهديد السلاح    ضبط 4 طن لحوم ودجاج مجهول المصدر ومنتهي الصلاحية بالشرقية    حكم ضمان ما تلف فى يد الوكيل من أمانة.. دار الإفتاء تجيب    محافظ الدقهلية: 1224 مواطنًا استفادوا من القافلة الطبية المجانية    رسميًّا.. ضوابط جديدة للمدارس الخاصة والدولية بشأن توزيع الكتب    إدراج 27 جامعة مصرية ضمن أفضل الجامعات العالمية ضمن تصنيف «U.S. News» ل2025–2026    تعرف على جدول مباريات مانشستر سيتى فى الدورى الإنجليزى موسم 2025 - 26    لطلاب الثانوية العامة 2025.. ننشر «pdf» مراجعة ليلة امتحان اللغة العربية    حبس معلمة 4 أيام بتهمة محاولة تسريب امتحان ثانوية عامة بالشرقية    سفير إيران: إذا ثبت لدينا تورط واشنطن بالحرب فسنبدأ بالرد عليها    هبوط جماعي لمؤشرات البورصة ببداية جلسة الأربعاء    المصرف المتحد ضمن قائمة فوربس لأقوى 50 شركة في مصر خلال 2025    "تأجيل مفاجئ لصفقات الزمالك".. الغندور يكشف التفاصيل    بهاء وهيكل.. ذكريات لها تاريخ!    مش بس نور الشريف.. حافظ أمين عاش بمنزل السيدة زينب المنهار بالدور الأرضى    "شرط غير قانوني".. مفاجأة مدوية حول فشل انتقال زيزو ل نيوم السعودي    «أبرزهم بيرسي تاو».. شوبير يؤكد مفاوضات الزمالك مع ثلاثي أهلاوي    شوبير يكشف حقيقة مفاوضات نادٍ أمريكي مع مهاجم الأهلي وسام أبوعلي    هيئة الرقابة النووية: مصر آمنة إشعاعيًا.. ولا مؤشرات لأي خطر نووي    طلاب تجارة عين شمس يحصدون منحة "إيفل" الفرنسية للتميز الأكاديمي    ضبط 14 مركزا لعلاج الإدمان بدون ترخيص    بعد الموافقة النهائية من «الإسكان».. تفاصيل عقود الإيجارات القديمة التي تطبق عليها التعديلات    تنفيذ 9264 عملية عيون للمرضى غير القادرين بأسوان    محافظ دمياط يناقش ملف منظومة التأمين الصحى الشامل تمهيدا لانطلاقها    سعر الدولار اليوم الأربعاء 18-6-2025 أمام الجنيه المصرى فى بداية التعاملات    طقس اليوم الأربعاء.. انخفاض جديد في درجات الحرارة بالقاهرة    طريقة عمل الحجازية، أسهل تحلية إسكندرانية وبأقل التكاليف    السلطات الإيرانية تمدد إغلاق الأجواء في البلاد    كاد يكلف صنداونز هدفا.. تطبيق قانون ال8 ثوان لأول مرة بكأس العالم للأندية (صورة)    مقاومة متواصلة ضد الاحتلال .. القسام تدمر ناقلتي جند وسرايا القدس تسقط طائرة مسيرة    مينا مسعود: السقا نمبر وان في الأكشن بالنسبة لي مش توم كروز (فيديو)    الكشف المبكر ضروري لتفادي التليف.. ما علامات الكبد الدهني؟    جاكلين عازر تهنئ الأنبا إيلاريون بمناسبة تجليسه أسقفا لإيبارشية البحيرة    ألونسو: مواجهة الهلال صعبة.. وريال مدريد مرشح للتتويج باللقب    جدال مع زميل عمل.. حظ برج الدلو اليوم 18 يونيو    الشيخ أحمد البهى يحذر من شر التريند: قسّم الناس بسبب حب الظهور (فيديو)    نجم سموحة: الأهلي شرف مصر في كأس العالم للأندية وكان قادرًا على الفوز أمام إنتر ميامي    الأبيدى: الإمامان الشافعى والجوزى بكيا من ذنوبهما.. فماذا نقول نحن؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العرض المسرحي والتراث العربي
نشر في الأهرام اليومي يوم 15 - 08 - 2010

لقد نجح الأوروبيون في خلق استعمار باطني مستتر في المناطق المستعمرة استلهم خطاب نفي وجود مسرح في تراثنا العربي‏-‏ في مجمله‏-‏ تعريف ماهية العمل المسرحي بناء علي الإرث النقدي الغربي الذي كان قد حدد المجال الفني للمسرح. علي مستوي النوع بناء علي معاينة واقعه الفني المحدود بالضرورة‏,‏ حيث لا تنطبق خبرة المسرح الغربي‏,‏ ومجال عمله النقدي‏,‏ علي جميع الشكول المسرحية لشعوب لم يتسن‏_‏ لتيارات النقد والتنظير الغربيين‏-‏ معرفة فنونها الأدائية‏.‏
أما الشيء الذي يدعو إلي الدهشة فهو تلك الآراء النقدية التي حدقت إلي إبداعنا التراثي‏,‏ بما يحمله من خصوصية ثقافية‏,‏ وقيم جمالية محلية‏,‏ من موقع أقدام الأوروبيين أنفسهم‏,‏ فنفت الرواية‏,‏ والفن المسرحي‏,‏ والملحمة‏,‏ وغيرها‏,‏ عن آدابنا الشفهية والمكتوبة‏,‏ وكانت صدي ضعيفا لآراء مستشرقين وبحاثة غربيين نذكر منهم جوستاف فون جرينباوم‏,‏ ولوي ماسينيون‏,‏ وهنري كوريان‏,‏ وإرنست رينان‏,‏ ولوي غاردييه‏,‏ وفابيون باورز‏,‏ وغيرهم‏.‏
كيف نفسر موقف نقاد وباحثين ومبدعين مثل العقاد‏,‏ وطه حسين‏,‏ وأمين الخولي‏,‏ وسهير القلماوي‏,‏ ومحمود تيمور‏,‏ ونجيب محفوظ‏,‏ وزكي طليمات‏,‏ وأحمد حسن الزيات‏,‏ وزكي نجيب محمود‏,‏ وغيرهم ممن تسرعوا بنفي الفن المسرحي‏,‏ والدراما‏,‏ عن تراثنا وموروثنا العربيين؟ يقول الناقد الثقافي الإنجليزي رينولد وليامز‏(1921-1981)'‏ إن الأوروبيين قد نجحوا في خلق استعمار باطني مستتر في المناطق المستعمرة‏.‏ تمثل هذا الاستعمار في الحرب التي شنها المثقفون المحليون في المستعمرات علي ثقافة بلادهم أنفسهم‏,‏ أي ثقافة البرابرة‏',‏ لصالح الثقافة الأوروبية‏..‏
ربما كان مفيدا مساءلة عينة مختارة من الآراء الرافضة لوجود المسرح في تراثنا وموروثنا العربيين‏,‏ وهي آراء أرجعت غياب العرض المسرحي عن تراثنا العربي إلي عدد من الأسباب أهمها‏:‏ السبب العقدي‏,‏ فذهب عدد من المنظرين والباحثين إلي أن الإسلام قد حرم التجسيم والتمثيل‏,‏ مثل فابيون باورز في كتابه‏(‏ المسرح في الشرق‏),‏ وفيه‏'‏ أرجع غياب المسرح عن التراث العربي إلي تعاليم القرآن‏,‏ مما أدي إلي إنكار جماليات الفنون الأدائية‏,‏ الأمر الذي عاني منه الرقص والدراما‏',‏ أما‏'‏ جاكوب لانداو‏'‏ في كتابه‏(‏ تاريخ المسرح العربي‏),‏ فيرجع غياب المسرح إلي سببين الأول أن الشعوب التي اتصل بها العرب في تلك الحقبة لم تكن ذات خلفية مسرحية‏!‏ والثاني أن الإسلام قد حرم ظهور المرأة إلا بحجاب‏!',‏ الغريب هنا أن تكون وجهة نظر باحث‏-‏ بهذه المكانة‏-‏ متسرعة إلي هذا الحد‏,‏ لقد عرف اليونانيون المسرح ولم يتصلوا بشعوب سبقتهم إليه‏,‏ فهل المسرح اختراع إغريقي‏,‏ لا يمكن أن يعرفه شعب ما إلا نقلا‏!‏
نجد صدي هذه الآراء في رأي توفيق الحكيم في كتابه‏(‏ قالبنا المسرحي‏)‏ الذي يقول‏:'‏ هكذا أيضا سار الفن المسرحي لدينا‏,‏ بدأ من النقل والاقتباس عن المسرح الأوروبي‏,‏ وسارت عملية النقل عن أوروبا ابتداء من مرحلة السامر إلي مرحلة الترجمة والاقتباس‏,‏ إلي أن وصل إلي مرحلة التأليف الأصيل‏'!‏
ويذهب لويس غاردييه إلي أن‏'‏ المسرح كان مجهولا في الإسلام بسبب صعوبة تنظيم العروض المسرحية في مجتمع يحارب فيه رجال الأخلاق والمحافظون تمثيل الأدوار النسوية‏!',‏ ويري أند ميتن الرأي ذاته في كتابه‏(‏ تاريخ المسرح‏,‏ والملاهي الشعبية في تركيا‏)‏ ذاهبا إلي‏'‏ أن الإسلام وتعاليمه في الأساس يقفان ضد المسرح والرقص‏',‏ وينضم أحمد أمين في كتابه‏(‏ فجر الإسلام‏)‏ إلي الاتجاه ذاته مؤكدا أن‏'‏ غياب المسرح عن التفكير العربي والإسلامي يرجع إلي أسباب دينية‏,‏ لأن الدين يمنع التمثيل‏'.‏
تطرح هذه الآراء عددا من الأسئلة مثل‏:‏ لماذا لم يمنع هذا التحريم ظهور المسرح فيما بعد؟ ولم لم يقف ظهور المرأة في المسرح الإغريقي‏_‏ حيث كان الرجال فيه يقومون بالأدوار النسائية‏-‏ ضد قيام هذا المسرح وتطوره؟ وكيف يقوم الإسلام بالوقوف ضد فن لم يكن موجودا في الأصل‏,‏ بعد الحكم بجهل العربي لهذا الفن؟
أما السبب الثاني فهو السبب الفني‏:‏ وقد ذهب من مالوا إلي هذا السبب إلي أن غياب وجود نموذج أو أكثر من الشعر التمثيلي‏_‏ المقصود هنا النصوص‏-‏ للاقتداء به‏,‏ كان سببا في جهل العرب بهذا الفن‏,‏ فأرجع‏'‏ طه حسين‏'‏ سبب غياب الفن المسرحي إلي‏'‏ غياب احتكاك العرب بنماذج منه كي يقتدي به‏',‏ وهو رأي واشج رأي لانداو السابق ذكره‏!‏ والسؤال الذي نطرحه هنا‏:‏ أيكفي توافر نماذج من الشعر التمثيلي كي يقتدي بها العرب‏,‏ لتحقق الفن المسرحي؟ أم أن هذه النماذج كانت كافية‏_‏ في أحسن الأحوال‏-‏ لإبداع نماذج مقلدة من الشعر الدرامي من دون وجود أي فرصة لتحققها المسرحي؟ وهل يعني غياب كلمة مسرح‏,‏ أو ملحمة‏,‏ أو رواية‏,‏ عن تراث ما‏,‏ مثل التراث العربي‏,‏ غياب ما تدل عليه هذه المفهومات في الواقع؟
والسبب الثالث هو السبب البيئي‏,‏ ويري‏'‏ عباس محمود العقاد‏'‏ في كتابه‏(‏ أثر العرب في الحضارة الأوروبية‏)‏ أن طبيعة البيئة العربية وقسوتها قد منعت قيام الأدوار الاجتماعية في حياة العربي‏,‏ ذاهبا إلي أن‏'‏التمثيل فن يرتبط بالحياة الاجتماعية برباط وثيق‏,‏ وبما أن بيئة العربي لم تتعدد فيها أدوار الحياة الاجتماعية‏(...)‏ لم يعقل أن ينشأ فيها فن التمثيل‏,‏ أو يظهر فيها أدب مسرحي‏',‏ أما‏'‏ أمين الخولي‏'‏ فيدفع بأن ترحال البدوي الدائم كان سببا لغياب استقرار المظاهر التجسيمية في وثنيته‏,‏ فلم يوجد عنده مسرح‏'.‏ ويذهب توفيق الحكيم هنا إلي‏'‏ أن جهل العرب لفن المسرح يرجع إلي غياب مبني مسرحي بسبب الترحال المستمر الذي فرضته البيئة علي الإنسان العربي‏',‏ والسؤال الذي يمكن أن نسأله بعد هذا العرض المختصر لهذا الاتجاه هو‏:‏ هل يشكل غياب مبني مخصص للعرض المسرحي وفق المعني المتعارف عليه جماليا في المسرح الأوروبي‏,‏ دليلا علي غياب معرفة شعب ما للفن المسرحي؟
أما السؤال الغائب في كل هذا‏,‏ الذي كانت لأسبقيته قبل الحكم بالنفي أو الإثبات ضرورة واقتضاء فهو‏:‏ ما المسرح؟ وهو سؤال يرتبط مباشرة بما يسمي حقل الشعريات المقارنة‏,‏ ذلك لأن الاتجاهين الرافضين لوجود المسرح والدراما كليهما في تراثنا قد تكلموا عما عرفوه من المسرح بشكله الغربي‏,‏ وذلك بعد انتشاره في بيئات ثقافية عديدة ومختلفة‏,‏ وبعد أن وصل إلي أعلي أطوار نضوجه الجمالي‏,‏ ولم يجيبوا أسئلة أولية‏,‏ عن معني المسرح في بنيته النووية‏,‏ التي يمكنها أن تضم مئات الشعريات أو الصناعات المسرحية‏,‏ التي يمكنها أن تتغير وفق انتسابها إلي عشرات البيئات الثقافية المختلفة‏..‏
نلاحظ في النهاية أن الذين نفوا وجود المسرح في تراثنا وموروثنا العربيين قد رجعوا‏_‏ مثلهم في ذلك مثل من نفوا وجود الدراما في تراثنا العربي‏-‏ إلي سببين أساسيين هما السبب العقدي‏-‏ الإسلام بخاصة‏-‏ والسبب البيئي‏.‏ وأذهب هنا إلي أن نفي فن المسرح وفن الدراما عن تراثنا وموروثنا العربيين يرجع أساسا إلي غياب الانتباه إلي أهمية الفصل بين المكون البنائي الثابت نسبيا في النوع‏,‏ والمكون الجمالي المتغير‏,‏ الذي يحتفي بكل سمات الخصوصية الثقافية‏,‏ والتمايز الإبداعي القائم علي أسس محلية‏,‏ وهي رؤية قد تثبت وجود عدد لا متناه من النظائر المسرحية‏,‏ تختلف باختلاف بيئاتها‏,‏ ذلك دون أن يمنع هذا الاختلاف من الانتماء إلي النوع ذاته‏,‏ وهذا ما يدعونا إلي القيام بقراءة شاملة تجاوز الخصوصيات الثقافية‏,‏ إلي المشترك العام‏,‏ الذي يمكنه أن يفصل المكون البنائي في أي نوع‏;'‏ الشعرية‏',‏ عن المكون الجمالي فيه‏;'‏ الأسلوبية‏',‏ وللكتابة بقية‏..‏
المزيد من مقالات د. علاء عبدالهادى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.