أعلنت ايران منذ أيام قليلة أنها أضافت إلي أسطولها أربع غواصات جديدة علي أن يكون مسرح عملياتهما في منطقة الخليج العربي. وتتميز الغواصات بناء علي ما أعلنته طهران بعدد من الخصائص التكنولوجية والتكتيكية المتقدمة. فهي قادرة علي تفادي أجهزة السونار التي تكشف عن وجود جسم متحرك في المياه. وهو يشبه في وظيفته جهاز الرادار ودوره في كشف الاجسام المتحركة في الغلاف الجوي والفضاء الخارجي. كما أضافت تصريحات طهران أن الغواصات الجديدة( غادير) قادرة علي اطلاق صواريخ موجهة, وذخيرة مدفعية تقليدية يمكن توجيهما إلي أهداف أرضية, وتوربيدات ذاتية الدفع تتحرك في المياه تحت سطح البحر بسرعة كبيرة لضرب أهداف بحرية مثل الغواصات والسفن الحربية والتجارية, ويقصد من هذه التصريحات ان ايران تمتلك قدرات عسكرية كافية تمكنها من دخول معارك بحرية في الخليج, وأن في مقدورها تهديد القوة البحرية الأمريكية هناك, كما يمكنها التصدي لأية غواصات اسرائيلية حاملة للصواريخ اذا قررت الدخول إلي الخليج وتهديد منشآت ايران النووية. وكل المؤشرات توضح ان ايران تراهن علي وجود بحري كثيف في الخليج, وأن من بين خططها العسكرية غلق هذا الممر الاستراتيجي في حالة الحرب الشاملة, موجها بذلك ضربة قاسية إلي الاقتصاد العالمي وأمن الطاقة لعدد كبيرمن القوي الصناعية, ومن المعروف أن4% من النفط العالمي يأتي من الخليج ويمر في مضيق هورمز الاستراتيجي, ومن المعلوم ان الغواصات الأربع الجدد هي جزء من مجموعة سوف يصل عددها إلي11 غواصة, وحمولة الغواصة الواحدة120 طنا وتشبه بدرجة كبيرة في شكلها الغواصة يوجو الكورية الشمالية مما جعل بعض المحللين يرون ان الغواصة غادير قد تم تجميعها في ايران بعد أن أرسلت مفككة إلي طهران. كما يوجد أيضا في الترسانة الايرانية الغواصة ناهانج ويعتقد أنها صناعة ايرانية, كما تحتوي الترسانة البحرية لايران علي3 غواصات روسية اشترتها من موسكو في تسعينيات القرن الماضي. وقد صرح وزير الدفاع الايراني أحمد فاهيدي في حفل تدشين الغواصات الاربع, بأنه مع البدء في الانتاج الكمي لهذه الغواصات, وتسليحها بأنواع مختلفة من الصواريخ الموجهة تكون السلسلة الدفاعية عن ايران قد اكتملت كل عناصرها. ومن ناحية اسرائيل, تمتلك ثلاث غواصات ألمانية حديثة مزودة بصواريخ كروز, ويمكنها حمل رؤوس نووية أو تقليدية وقد زارت احدي هذه الغواصات الخليج ولعلها مرت من قناة السويس في طريقها إلي هناك كما يفكر الاسرائيليون في بناء قاعدة دائمة هناك, ربما في البداية لغواصة واحدة, ولن تجد اسرائيل صعوبة في ذلك في ظل وجود قاعدة أمريكية وفرنسية هناك. وطاقم الغواصة الاسرائيلية الواحدة يتكون من35 50 فردا طبقا للحالة الأمنية, كما يمكن للغواصة ان تبقي في البحر لمدة خمسين يوما وفي العمق( نحو380 مترا تحت سطح البحر) لمدة أسبوع علي الأقل. كما أن الصواريخ المحملة عليها يمكنها الوصول إلي أية هدف داخل ايران, وكانت ايران قد حذرت من دخول الغواصات الاسرائيلية إلي الخليج أو البقاء هناك, وسوف يعتبر ذلك إذا حدث تهديدا مباشرا لإيران. ويعتقد ان اسرائيل قد مرت لها غواصة في قناة السويس لاغراض التدريب في يوليو2009. وكما هو معروف, تشتعل الحروب في مسارح عمليات مختلفة, بعضها بري وهو الأكثر شهرة الآن, وبعضها يدور في الجو, وثالثها يدور في البحر, وفي المستقبل سوف نسمع عن حرب تدور في الفضاء الخارجي, والمسرح البحري هو الوحيد الذي يمكن تقسيمه إلي مسرحين فرعيين, واحد علي سطح الماء, وآخر في داخل المياه حتي عمق بعيد بقدر, ما تتحمله هياكل الغواصات من ضغوط المياه المحيطة بها, ولقد دخلت الغواصات المسرح العسكري لاول مرة في الحروب الاهلية الامريكية في1860 حيث غرقت أول سفينة بفعل غواصة في17 فبراير1864, وكان للغواصات بعد ذلك دور ملموس في الحربين العالميتين الاولي والثانية, وفي المسرح الاطلسي والهادي والمتوسط, وكانت وراء اغراق قطع بحرية عظيمة لها شهرة واسعة, ورشحها ذلك لان تصبح عنصرا أساسيا في الحرب البحرية. والتغيير المحوري في سلاح الغواصات حدث في فترة الحرب الباردة, حين ظهرت الغواصات النووية أي التي تعمل بالطاقة النووية, وبدلا من الوقود العادي المشتق من النفط, تحمل داخلها مفاعلا نوويا صغيرا يزودها بالطاقة بدلا من خروجها إلي السطح للتموين بالوقود العادي. ويتيح المفاعل النووي للغواصة سرعة أكبر,وعمقا أبعد, وفترة بقاء طويلة في عمق البحر. وهذه النوعية من المفاعلات النووية الموجودة في الغواصات تستخدم اليورانيوم بدرجة تخصيب عالية( نحو20%) مقارنة بالمفاعلات النووية لتوليد الكهرباء, حيث تكتفي باستخدام اليورانيوم منخفض التخصيب, ولاشك أن الزوبعة الأخيرة حول مبادلة اليورانيوم الايراني منخفض التخصيب في مقابل يورانيوم متوسط التخصيب لمفاعلها الطبي ليس ببعيد عن اهتمام ايران بالغواصات كسلاح استراتيجي بالنسبة لها, وقد يدفعها ذلك في المستقبل إلي بناء مفاعل نووي لغواصاتها, كما تستخدم ايضا تلك المفاعلات في رحلات الفضاء بعيدة المسافة والزمن( قد تصل إلي سنوات) حيث لاتوجد محطة تموين في الطريق إلي المريخ. وبرغم ان هذه النوعية من التطبيقات النووية لاتثار علي المستوي العلني إلا أنها تؤخذ في الاعتبار بواسطة الولاياتالمتحدة وإسرائيل, فسيطرة طهران علي تقنية المفاعلات النووية الصغيرة للغواصات قد تمكنها في المستقبل من صيد قطع بحرية أمريكية او اسرائيلية في مناطق بعيدة. ومقارنة بالاسلحة الأخري, تتميز الغواصات بالغموض حيث لايمكن رصدها بسهولة, ومعرفة مكانها كما لايمكن استنتاج مهامها ونواياها مقارنة بنظم الاسلحة الأخري, لذلك هي متعددة المهام ويمكنها الاشتباك في حرب مفتوحة في اطار عملية عسكرية متعددة المهام, كما يمكن ان تستخدم في عمليات سرية حيث الاقتراب من الشاطيء في سواد الليل, ونزول قوة خاصة في مهمة اغتيال عاجلة, ويعتقد ان اسرائيل قد قامت بعدد من هذه المهام ضد شخصيات فلسطينية كان للغواصات دور محوري في هذه العمليات, وبالاضافة إلي ما سبق هناك حزمة واسعة من المهام يمكن تنفيذها بكفاءة بواسطة سلاح الغواصات منها جمع المعلومات أو التأكد من صحتها, أو ان تمثل الغواصة عقدة اتصال في نقطة معينة وفي توقيت معين, كما أنها وسيلة مرنة في إنزال القوات الخاصة علي الشاطيء في الظلام, واستقبالها بعد الانتهاء من مهمتها بدلا من اسقاطها جوا, كما أنها قد تستخدم في حماية السفن التجارية من السفن الحربية المضادة أو القراصنة, ومن المهام المحورية للغواصات منع مرور السفن في مضيق معين, ومقارنة بالعناصر البحرية الاخري تتميز الغواصات بالاكتفاء الذاتي, ودرجة عالية من الحمناية الخاصة, مقارنة بالسفن الحربية الأخري الموجودة علي سطح الماء. وفي النهاية, وجود سلاح جديد في منطقة معينة يخلق أوتوماتيكيا تهديدا للأطراف الاخري, ويطرح أسئلة جوهرية عن العدد والعدة, والحمولة والسرعة والتسليح, كما يبحث عن ردود لاسئلة لايمكن تجاهلها آخذين في الاعتبار عوامل كثيرة بعضها نفسي أو سياسي, كما يفرض علي الجانب الآخر الاستعداد لمواجهة ما أضيف إلي الخصم من قدرات لم تكن موجودة من قبل. وتشيع إيران ان الغواصات وما تحمله من أسلحة وذخيرة صناعة محلية, ومعني ذلك أنها قادرة علي تعويض خسائرها في أية معركة قادمة, والاستنتاج الامريكي والغربي بشكل عام ان الغواصات الجديدة ليست صناعة ايرانية, ولكنها علي الارجح صناعة كوريا الشمالية وهي دولة مهتمة بتطوير الغواصات وماتحمله من صواريخ بعيدة المدي, ومن الواضح ان ايران كان يهمها في الاساس الخبر وانتشاره, وأن يتم الاحتفال به علي مستوي عال, وبمشاركة كل القوات العاملة عليه. [email protected]