قبل أيام قليلة, سبقت شهر رمضان الكريم, شهر الرحمة والتعاطف والمغفرة, أذاعت قناة فضائية, في برنامج لالتوك شو, فقرة موجعة, تصور إحدي الحارات الضيقة في منطقة البساتين. وقد غمرها طفح الصرف الصحي الذي لم ينضب أبدا خلال سنوات, كما يقول سكان المنطقة البائسة!.. فهناك يعيش الناس وسط الصرف الصحي, يغرسون أقدامهم داخله ليتمكنوا من السير والحركة داخل الحارة الضيقة!! ومع هذا الطفح في الصرف الصحي, وغرق الحارة بأكملها بالمياه الملوثة, كان طبيعيا أن تقطع الكهرباء منعا لأي حوادث صعق محتملة قد تحدث للسكان.. وفي البرنامج عبر سكان المنطقة عن حزنهم وعذابهم وقلة حيلتهم وعجزهم أمام هذا الخطر الذي يتهددهم في صحتهم وعافيتهم, بعد أن تقدموا بشكاوي عديدة للحي التابعين له, دون نتيجة حاسمة تنهي المشكلة وترحم السكان من هذه المعاناة الصعبة! فمن غير المعقول أن يعيش الإنسان, مهما بلغ حجم فقره واحتياجه, وسط مياه صرف صحي تحيطه من كل جانب وتدخل بيته, يسير فيها ويشم رائحتها الكريهة ويشرب مياهها الملوثة, كل يوم علي مدي سنوات!.. بالتأكيد لن يرضي أحد بهذا الهوان الذي يصيب البؤساء هناك والذين يضطرون للعيش في هذا المكان الموبوء وما يحيط به من تلوث!! وكالعادة ظهر المسئول عن هذه المأساة من الحي, شارحا أن سبب انغمار مياه الصرف الصحي هو انسداد في البالوعة تحت الكوبري القريب!!.. وإذا كان هذا هو السبب, فلماذا لا تسارع الأجهزة الفنية والهندسية بالحي بإصلاح المشكلة, بصفة نهائية, لينتهي بذلك عذاب السكان؟ وتصورت وقتها, ماذا لو أن أحدا منا قد يضطر إلي أن يعيش تلك الظروف الصعبة, خاصة المسئولين منا, مادامت استجابة الحكومة لمشكلات الناس منعدمة؟!.. وأن الإحساس بعذابهم ضعيف؟ وتتوالي أسئلة يجب أن تجد إجابة وهي: لماذا الإصرار علي الاستهانة واللامبالاة, في حل مشاكل المواطنين خاصة البسطاء منهم؟ من منا, مواطنا أو مسئولا, قادر علي أن يشم رائحة الصرف الصحي الكريهة بصفة دائمة وطول الليل والنهار؟.. ومن منا, قادر علي الحياة داخل هذه المياه الملوثة بما تمثله من خطر أكيد علي الصحة؟ كيف سيمر شهر رمضان عليهم مع هذا التلوث ومع هذه الرائحة الكريهة ومع جو مليء بالعفونة والرطوبة؟ وكيف يمكن لهؤلاء البؤساء الصابرين, من قاطني هذه المنطقة الموبوءة في البساتين, من أداء شعائر الإسلام, من صلاة تستوجب التطهر والنظافة؟.. وكيف يمكن لهم أن يبللوا ريقهم عند الإفطار, بعد يوم صيام حار وشاق, برشفة مياه نظيفة أو بأي لقمة طعام تنزل جوفهم والرائحة الكريهة تحيط بهم بصفة مستمرة؟ المحزن في كل هذا الأمر, ان اللقطات الحزينة المخزية, قد عرضت, وقد استاء من لديه ذرة من الرحمة, وتعاطف من شعربأن هؤلاء المظلومين هم آدميون, يجب ألا يعيشوا في مثل هذه الظروف الحياتية المهنية, وانتهي المسئول عن الحي من تبرير سلامة موقف الحي كله بإلقاء اللوم علي هذا الانسداد اللعين للبالوعة أسفل الكوبري!! والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: ألا يتابع أي من المسئولين, هذه البرامج علي قنوات التليفزيون مساء؟.. وإذا كان أحد لا يراها, فلعل المطلوب من الحكومة تشكيل إدارة جديدة علي الفور, في كل وزارة وكل محافظة وكل حي من الأحياء, وظيفتها متابعة برامج التليفزيون وتقديم تقرير في الصباح, بكل مشكلة يعاني منها المواطنون, توضع علي مكتب كل مسئول في اختصاصه.. فمن غير المقبول أن يستمر هذا التجاهل لمشكلات الناس, وهذا الانقطاع في التواصل بين المواطنين والمسئولين, وهذا الجدار الفولاذي بينهما والذي يعلو يوما بعد يوم لاغيا لغة الحوار بين الجميع!! فعلي الأقل, يجب أن يقدم لكل محافظ يوميا تقرير شامل واف بمشاكل الناس وأوجاعهم الملحة, ليهب المسئولون في الأحياء لنجدتهم وحل ما يعانون منه. فليس عيبا أن يهتم الوزراء بمعاناة الشعب, وليس عيبا أن تسارع الأجهزة المهنية في كل حي بكل محافظة, إلي نجدة الناس وإيجاد حلول حاسمة لمشكلاتهم. وليس عيبا أيضا أن يهب الجميع لنجدة آدمية المواطن المصري الذي تفرض عليه, في أماكن كثيرة كل أنواع العذابات في حياته اليومية. ومع اقتراب انتخابات مجلس الشعب, يلح دائما هذا السؤال: أين دور أعضاء مجلس الشعب من هوان الشعب ومعاناته؟