لئن حاولت اقترابا من فضل الصوم وفائدته فإني أعرف مسبقا أن ذلك أكبر مني وأكبر من كل من يحاولون إدراك ذلك, ولعل بعضا ممن صاموا بحق قد كشفت لهم بعض حجب أسراره فتمسكوا به متعبدين وفي بحوره سابحين. لكنه أبدا ماحيينا سيظل سر الصيام عند ربه الي أن نلقاه أليس هو القائل كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به وحسب كل مؤمن يبحث عن منفعة الصيام قول ربه وان تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون ولئن حاولت عد شئ من فوائده المحسوسة المدركة التي شهد بها من يؤمن به ومن لايؤمن به فلابد أن أقرر بادئ ذي بدء أني لاأتحدث عن أولئك النفر الذين قد أطاحوا بمنافع الصوم بعيدا يوم أن رفعت من أجلهم درجة الاستعداد لمواجهة حالة السعار الاستهلاكي الذي ربما لايعرف له مثيل طيلة العام, من جعلوا هذا الشهر زمانا للإكثار من مختلف صنوف الطعام والشراب والسهر طوال الليل باحثين عن التسلية والترفيه ليعقب ذلك نوم طويل وخمود وكسل طوال النهار, فما أكثر من يشتكون من الامتلاء والتخمة وحبس الأنفاس وثقل الرأس والميل الشديد للنوم الذي يعقب الإفطار, وما أكثر من يخرجون من هذا الشهر وقد زادت أوزانهم وترهلت أجسادهم وربما زادت آلامهم ومعاناتهم, عن هؤلاء لاأتحدث عن فائدة الصيام لأنهم خرجوا بالصيام عن فلسفته التي تهدف إلي تخفيف الأوزان وتخليص الجسد قدر المستطاع من علائقه الأرضية التي تجذبه إلي الأرض لتعطي الفرصة للروح لتنطلق وتحلق في أرجاء هذا الكون الفسيح لتتأمل وتعرف ماشاء الله لها أن تعرف ولايحيطون بشئ من علمه إلا بما شاء ماشاء لها أن تعرف من أسرار هذا الكون لتزداد إيمانا علي إيمانها ويقينا بربها ويتقرر عندها أنها ماكانت وماتكون وما ستكون إلا بالله رب العالمين, إن ملاحقة الجسد بما لذ وطاب من الطعام والشراب يغلق علي النفس ويجعلها حبيسة هذا الجسد لاتستطيع منه فكاكا وتظل كل أفكارها وطموحاتها أرضية وتفقد أو حتي أقل مافيها يضعف إتصالها العلوي, ماأعظم الأرض ومافيها كخلق لله إذا مااتخذت مافيها أجنحة ترتفع وتحلق بها في عنان السماء, وما أخطر أن تستكثر من ترابها لاسيما إذا ماخالط القلب, والخوف كل الخوف أن تغوص فيها, أني ل الطائف أن تدركها نفس قد شبعت حتي التخمة, نفس تراكم الصدأ علي مستقبلاتها, ولكي تستقبل هذه النفوس تحتاج من يزيل هذا الصدأ وليس مثل الصوم الحقيقي يفعل ذلك. من يصم بحق يتسامح.. من يصم بحق يترفع عن الصغائر. من يصم بحق يزهد في كل شئ ولسان حاله يقول سأترك لكم ما تتنازعون فيه ومن أجله, سأترك لكم الجمل بما حمل, سأترك الطعام والشراب, أليس الأخ يقتل أخاه من أجل المال حتي وإن كان قليلا زهيدا؟! أليس هذا المال سيترجم في النهاية إلي طعام وشراب, أليس الرجل يقتل أخاه من أجل المرأة والشهوة التي في بدايتها طعام وشراب ملأ البطون فتاهت العقول وطمست النفوس وعلا صوت الحيوان المتوحش في الإنسان فسفك الدماء وأهلك الحرث بل نكاد نظلم الحيوان المتوحش لأن الحيوان المتوحش لا يقتل أولاده وقد فعلها الإنسان عندما غاب عنه عقل العقل وبصر البصر؟! من يصم بحق ينطلق فيري من آيات الله في الآفاق وفي نفسه فيتبين له أنه الحق ويعرف قدر نفسه ويعرف شيئا ولو ضئيلا من قدر ربه فيخشاه ويرجوه كتب عليكم الصيام كما كتب علي الذين من قبلكم لعلكم تتقون من يصم بحق يخش الله فإذا ماأخذ مأخذه من الخوف والرجاء ونال القبول ينتقل إلي درجة الحب والأنس والمعية( وإذا سألك عبادي عني فإني قريب). [email protected]