وزير الأوقاف: مبادرة «صحح مفاهيمك» مشروع وطني شامل    أحمد الحمامصي: يوجد تنوع فكري في القائمة الوطنية    الغرف التجارية: انخفاضات ملحوظة في أسعار الدواجن وبيض المائدة    وزير الخارجية يستعرض مع ويتكوف جهود مصر لاستئناف المفاوضات حول البرنامج النووى الإيراني    سموتريتش يطالب بممر إنساني فوري للدروز المحاصرين في السويداء السورية    مصر ترفع رصيدها إلى 57 ميدالية متنوعة في دورة الألعاب الأفريقية للمدارس بالجزائر    رونالدو يقود النصر للفوز على تولوز الفرنسي وديا    تعرض شاب لإصابة بطلقات نارية في حادث غامض بمحافظة قنا    كمين الفجر.. "أنت مش عارف أنا مين؟!".. ضابط يواجه "ابن المستشار" ويكشف جريمة كبرى!.. "سكودا" غامضة تقود إلى شبكة مخدرات وكارنيهات قضاة مزيفة!    الكينج محمد منير: "أنا الذي" هدية لأهلى وناسي وكل شهر أطرح أغنية    شادي سرور: المسرح يفرز النجوم ويصنع الخريطة الفنية الحقيقية في مصر    زيد الأيوبى ل"ستوديو إكسترا": حماس أداة لقوى إقليمية وحكمها فى غزة انتهى    ترامب: سأسمح للاجئين الأوكرانيين بالبقاء في الولايات المتحدة حتى انتهاء الحرب    إدارة ترامب تطالب حكومات محلية بإعادة مساعدات مالية لمكافحة كورونا    ضبط 333 كيلو أسماك مملحة غير صالحة للاستهلاك ب كفر الشيخ (صور)    بتكلفة تتجاوز 90 مليون جنيه.. متابعة أعمال تطوير وصيانة المدارس ضمن برنامج «المدارس الآمنة»    رسميًا.. صرف معاشات شهر أغسطس 2025 بالزيادة الجديدة خلال ساعات    استعدادا للموسم الجديد.. الأهلي يواجه بتروجت والحدود وديًا الأحد المقبل    مثالي لكنه ينتقد نفسه.. صفات القوة والضعف لدى برج العذراء    طريقة عمل المهلبية بالشيكولاتة، حلوى باردة تسعد صغارك فى الصيف    نتنياهو: أسقطنا المساعدات على غزة وحماس تسرقها من المدنيين    مدبولي يشهد إطلاق وزارة الأوقاف مبادرة "صحح مفاهيمك"    بالصور.. أشرف زكي وأحمد فتحي في عزاء شقيق المخرج خالد جلال    ما المقصود ببيع المال بالمال؟.. أمين الفتوى يُجيب    ما حكم الخمر إذا تحولت إلى خل؟.. أمين الفتوى يوضح    الورداني: الشائعة اختراع شيطاني وتعد من أمهات الكبائر التي تهدد استقرار الأوطان    أمين الفتوى يوضح آيات التحصين من السحر: المهم التحصن لا معرفة من قام به    الشيخ خالد الجندي: الرسول الكريم ضرب أعظم الأمثلة في تبسيط الدين على الناس    وزير العمل: بدء اختبارات المرشحين للعمل في الأردن    بواقع 59 رحلة يوميًا.. سكك حديد مصر تُعلن تفاصيل تشغيل قطارات "القاهرة – الإسماعيلية – بورسعيد"    محمد إسماعيل: هدفي كان الانتقال إلى الزمالك من أجل جماهيره    تأجيل دعوى عفاف شعيب ضد المخرج محمد سامي بتهمة السب والقذف    البيت الفني للمسرح ينعى الفنان لطفي لبيب    تايلاند وكمبوديا تؤكدان مجددا التزامهما بوقف إطلاق النار بعد اجتماع بوساطة الصين    فيديو.. ساموزين يطرح أغنية باب وخبط ويعود للإخراج بعد 15 عاما من الغياب    مصر تواجه تونس في ختام الاستعدادات لبطولة العالم لكرة اليد تحت 19 عامًا    ناجلسمان: تير شتيجن سيظل الحارس الأول للمنتخب الألماني    رئيس جامعة المنيا يحفّز الأطقم الطبية قبيل زيارة لجان اعتماد مستشفيي الكبد والرمد الجامعيين    أهمية دور الشباب بالعمل التطوعي في ندوة بالعريش    ترامب: الهند ستدفع تعريفة جمركية بنسبة 25% اعتبارًا من أول أغسطس    أحمد درويش: الفوز بجائزة النيل هو تتويج لجهود 60 عاما من العمل والعطاء    سباحة - الجوادي يحقق ذهبية سباق 800 متر حرة ببطولة العالم    هبوط أرضي مفاجئ في المنوفية يكشف كسرًا بخط الصرف الصحي -صور    الليلة.. دنيا سمير غانم تحتفل بالعرض الخاص ل «روكي الغلابة»    لماذا ينصح الأطباء بشرب ماء بذور اليقطين صباحًا؟    جامعة بنها الأهلية تختتم المدرسة الصيفية لجامعة نانجينج للطب الصيني    ختام موسم توريد القمح في محافظة البحيرة بزيادة 29.5% عن العام الماضي    النيابة العامة: الإتجار بالبشر جريمة تتعارض مع المبادئ الإنسانية والقيم الدينية    "زراعة الشيوخ": تعديل قانون التعاونيات الزراعية يساعد المزارعين على مواجهة التحديات    لترشيد الكهرباء.. تحرير 145 مخالفة للمحلات التي لم تلتزم بقرار الغلق    محافظ أسوان يوجه بالانتهاء من تجهيز مبني الغسيل الكلوي الجديد بمستشفى كوم أمبو    أبو مسلم: جراديشار "مش نافع" ولن يعوض رحيل وسام ابو علي.. وديانج يمتلك عرضين    انكسار الموجة الحارة.. الأرصاد تكشف حالة الطقس ودرجات الحرارة المتوقعة    استراتيجية الفوضى المعلوماتية.. مخطط إخواني لضرب استقرار مصر واستهداف مؤسسات الدولة    البورصة المصرية تطلق مؤشر جديد للأسهم منخفضة التقلبات السعرية "EGX35-LV"    إعلام كندي: الحكومة تدرس الاعتراف بدولة فلسطين    مصرع عامل اختل توازنه وسقط من أعلى سطح المنزل في شبين القناطر    سعر الفول والسكر والسلع الأساسية بالأسواق اليوم الأربعاء 30 يوليو 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



النار تحت الرماد‏!‏
نشر في الأهرام اليومي يوم 07 - 08 - 2010

تخيل نفسك وأنت في الربع الأخير من عمرك‏..‏ وقد اشتعل الرأس شيبا أو حتي في عز شبابك وأنت تقود سيارة تجري بسرعة‏,‏ أو هاربا بها في حواري تتعرج وتتلوي كثعابين سحرة موسي‏..‏ والليل سادل أستار الغموض مرتديا عباءة الخوف‏..‏ وفي المقعد الخلفي يرقد اثنان غائبان تماما عن الوعي‏..‏ صاحبنا أدهم ورفيقته في عالم الضباب الأزرق التي اسمها ساندرا‏.‏
والاثنان للتو واللحظة والساعة قد تم حقن شرايينهما بحقنتين هيروين معتبرتين من يد سرنجة المعلم ربع قرش‏..‏ وهذا هو اسمه في عالم الإدمان والمدمنين في الباب الأخضر‏!‏
هكذا كان الحال بي في ليلة ليلاء لا تنسي ولن تنسي‏..‏
وصلنا والحمد لله والليل ساترنا إلي بيت أستاذة الجامعة وأم سي أدهم‏,‏ والتي عاونتها في حمل ورفع الغائبين عن الوعي من المقعد الخلفي للسيارة‏..‏ إلي باب الفيللا الغارقة في الظلام‏..‏ حتي أرقدناهما وهما مازالا غائبين عن الوعي علي كنبتين من كنبات الصالون الكبير‏!‏
ولأنه لم يعد لي مقام وسط هذا الجو الكئيبة سحنته الكريهة نهايته‏..‏ فقد استأذنت في الانصراف تاركا الخروج من هذا المأزق الصعب بين يدي أستاذة الفارماكولوجي‏..‏ أي علم الأدوية‏..‏
وإن كانت هي الآن وابنها راقد بلا حراك تحت تأثير جرعة المخدر اللعينة حزينة كل الحزن‏..‏ ولو سألتها لقالت لك دون تردد‏:‏ أنا أتعس إنسانة علي وجه الأرض‏!‏
تركتها علي وعد منها أن ترسل أدهم إلي أبيه في الخارج لكي يدخله وهو قادر إحدي المصحات التي تعالج الإدمان بجد وليس بهزل‏,‏ كما يحدث عندنا‏..‏ وياريت كمان يعمل معروف ويأخد مع أدهم السنيورة ساندرا بالمرة تتعالج برة‏!‏
قالت‏:‏ بس دي بنت غلبانة؟
قلت‏:‏ وعشان كده نكسب فيها ثواب‏!‏
‏..............‏
‏..............‏
لأنني موعود بالعذاب ومكتوب علي الشقاء والبلاء والضني والسهد وحفظ كتاب المتاعب المقرر علي طوال حياتي من الجلدة للجلدة‏..‏ فقد فاجأتني المدعوة ساندرا التي كانت اسمها عند أمها وأخواتها في حارة نجاتي في درب شكمبا الذي خرج منه الأسطي عمارة أحد أبطال رواية الليلة الكبيرة الموجوعين في بلدنا عمنا صلاح جاهين‏..‏ فاجأتني باقتحام مكتبي في الصباح باعتبارنا قد أصبحنا أصحاب ورفاق درب وطريق في أنصاص الليالي‏..‏ ألم أحملها في سياراتها مع صديقها وزميلها في الجامعة وفي هم الإدمان اللعين المدعو أدهم‏..‏ وهي فاقدة الوعي تماما‏..‏
لأول مرة أشاهدها تضحك وهي تطل علي من باب حجرتي وتقول لي‏:‏ أجمل صباح‏..‏
قلت لها وأنا أدعوها للجلوس‏:‏ ما نتي بتعرفي تضحكي زينا؟
قالت‏:‏ موش كتير‏..‏
قلت لها‏:‏ قوليلي إزاي قدرتي تتخلصي من حالة التوهان الطويلة بعد حقنة الهيروين‏..‏ وإيه اللي رماكي علي المر؟
قالت وهي تطلب من عبدالنبي كاتم اسراري وأعظم من يصنع فنجان قهوة في مكتبي أن يلحقها بواحد مضبوط‏:‏ اللي أمر منه ياسيدي‏!‏
قلت‏:‏ احكي لنا من غير نبرة إشفاق وانكسار‏,‏ ومن غير لف ودوران‏.‏
قالت‏:‏ علي إيه لف ودوران‏..‏ أنا بنت من اللي بيقولوا عليها الأيام دي بنت بيئة‏..‏ يعني تربية حواري بعيد عنك‏..‏ وأنا كده برضه‏..‏ لكن بعون الله أقدر أغلب عشرة رجاله مع بعض موش في الضرب‏..‏ لكن في الشطارة والفهلوة والحداقة والفتاكة‏..‏ قول زي ما أنت عاوز‏..‏ ماحدش يقدر يغلبني في السوق أبدا‏..‏ الوحيد اللي قدر عليا هو الملعون بعيد عنك اللي اسمه داء البودرة‏!‏
قلت‏:‏ تقصدين الهيروين؟
قالت‏:‏ أيوه وهو ألعن نوع من الإدمان وأغلاها وأخطرها‏..‏ تدمنه من أول مرة‏..‏ ولا فرار منه ولا فكاك إلا في مصحات بلاد برة بس‏!‏
أسألها‏:‏ وتعرفتي علي البلوة السودة ده امتي وفين وليه؟
قالت‏:‏ مكتوب عليا كده‏..‏ ربنا عاوز كده‏..‏ أنا أبويا فرارجي يعني بياع فراخ كسيب وشاطر لحد ما جت الدولة وقطعت عيشنا بدسيسة اسمها إنفلونزا الطيور‏..‏ بعنا نص البيت اللي ورثه أبويا عن جده واشترينا ثلاجة وبقينا نبيع فراخ مجمدة‏..‏ الدنيا راقت وبقت نغنغة‏,‏ ودخلت أنا الجامعة الأمريكية حقه واحدة‏..‏ عشان أقابل أدهم البوي فرند بتاعي‏..‏ معرفش اتلطش في دماغه عشان يحبني إزاي ما أعرفش‏..‏ وأنا بنت كده تربية حواري‏..‏ وانغرزنا إحنا الاثنين في وقت واحد في المدعوق إللي اسمه الإدمان‏..‏ حاجة ورا حاجة‏..‏ وحاجة تجر حاجة‏..‏ لحد أما وصلنا إلي سلطان مملكة الإدمان المدعوق الهيروين‏!‏
أسألها‏:‏ وبتصرفي علي الجرعة منين بس؟
قالت‏:‏ البركة في الواد أدهم بنقسم التذكرة سوا‏,‏ والحقنة هو يأخذ نصها وأنا نصها‏.‏
قلت‏:‏ وأمه الدكتورة تدفع؟
قالت‏:‏ عشان ابنها ما يروحش في شربة مية‏!‏
قلت لها‏:‏ تسمحي لي بسؤال يا ست ساندرا‏..‏ انت موش كان اسمك سيدة؟
قالت‏:‏ ولسه في شهادة الميلاد سيدة‏!‏
قلت‏:‏ طيب ومين سماكي ساندرا؟
قالت‏:‏ مامة أدهم‏..‏ قالت لي سيدة دي اسم بلدي قوي‏..‏ انت من النهاردة اسمك ساندرا‏..‏ وما تسألنيش إزاي دخلوني الجامعة مع ابنها أدهم وأنا اسمي سيدة وبنت بلدي كده‏..‏ هو أنا ماليش نفس يعني واللا إحنا ما نشبهش‏!‏
أسألها‏:‏ وإيه آخرتها‏!‏
قالت‏:‏ حنسافر أنا وأدهم نتعالج في مصحات برة‏..‏ قول ياكريم‏!‏
‏...............‏
‏...............‏
هل تريدون أن تزدادوا غما فوق غم جنون الأسعار التي انفلت عيارها ولا أحد يتدخل‏..‏ ولا أحد يوقظ حكومتنا الإلكترونية الذكية من سابع نومة لكي تتحرك وتعمل حاجة ونحن مقبلون علي الشهر الفضيل‏..‏ وأن تجري وراء الفقر لكي تقتله قبل أن يقتلنا‏,‏ وقد اغتال بالفعل‏17%‏ من سكان مصر أصبحوا في الحضيض‏+31%‏ سكنوا منذ زمان تحت خط الفقر‏!‏
هل تريدون أن تعرفوا ماذا فعل الإدمان بشبابنا رصيدنا في بنك المستقبل؟
الأرقام مخيفة ومرعبة ولا تكاد تصدق من فرط ما ترسله إلي صدورنا من ألم وحسرة‏..‏ وإلي أفواهنا من صيحات رعب وخوف‏..‏
من يصدق أن نحو‏17%‏ من شبابنا الذين يدرسون في الجامعات قد وقعوا تحت سيف الإدمان؟
والرقم قديم لم يتحرك من مكانه منذ نحو عشر سنوات‏..‏ لأن مراكز الأبحاث عندنا لم تجتهد ولم نتعب أنفسنا في إحصاء جديد‏!‏
من يتصور أن كشوف المدمنين الغارقين في دخان الحشيش والبانجو‏..‏ والمستنشقين لتذاكر الهيروين والكوكايين‏..‏ والمرشقة أذرعهم بحقن الماكستون فورت وأبوصليبة‏..‏ تضم نحو سبعة ملايين مدمن‏..‏ وهو رقم يقترب من نصف عدد الذين يعملون في مصر ويشيلون البلد فوق رأسهم؟
من يصدق أنه قد أصبح لدينا نحو‏50‏ ألف قضية مخدرات في العام الواحد؟
من يصدق أنه قد أصبح حجم تجارة المخدرات في مصر يقترب من رقم ثلاثين مليار جنيه في السنة؟
وللذين يعلمون والذين لا يعلمون‏..‏ فإن طائر الليل الأسود الذي اسمه الإدمان‏..‏ لم يحلق فوق رءوسنا نحن المصريين وحدنا‏..‏ ولكنه يحلق فوق الكرة الأرضية كلها‏..‏ ناشرا الخراب والدمار والموت فوق رءوس ما يزيد علي مليون مدمن في العالم كله‏!‏
من بينهم إذا أردنا مزيدا من التفاصيل المرعبة‏144‏ مليون إنسان يشربون الحشيش‏+13‏ مليونا يتعاطون الأفيون‏+14‏ مليونا يستنشقون الكوكايين‏+9‏ ملايين اختاروا الهيروين رفيقا وصديقا وقاتلا في الوقت نفسه‏..‏
ولا ننسي‏29‏ مليون إنسان يتعاطون المنشطات والحبوب المخدرة وحبوب الهلوسة والجنون المؤقت‏..‏
وإذا كنا نحن في مصر نصرف علي الكيف والإدمان والضياع وسحق العقول وتدمير الوجدان والدخول في عالم الهلوسة والجريمة والقتل‏..‏ تحت تأثير المخدر‏..‏ نحو عشرة مليارات جنيه في السنة ويزيد‏.‏
فإن العالم كله يصرف نحو‏40‏ مليار دولار علي هذا الكيف المرعب‏..‏ وهذا الرقم يمثل حجم تجارة المخدرات غير المشروعة في العالم الآن‏,‏ كما شرح لنا اللواء محمد عباس منصور الخبير العالمي في المخدرات ومستشار الأمم المتحدة‏,‏ فإن هذا الرقم يمثل‏8%‏ من حجم التجارة العالمية‏.‏
‏..................‏
‏..................‏
هل جربت شراء السلوان؟
وقد يسأل خبيث من الخبثاء وما أكثرهم في زماننا النكدي هذا‏:‏ ما هو مشوار الإنسان المصري عبر تاريخه الطويل مع الإدمان؟
يحضرني هنا ما قاله هوميروس الشاعر الإغريقي قبل نحو تسعة قرون من ميلاد السيد المسيح في أشعاره في الإلياذة الشهيرة‏:‏
إن الأميرة اليونانية هيلين طروادة كانت تقدم شرابا اسمه شراب السلوان إلي الأمير اليوناني فلي ماكوس لكي تنسيه همومه لخسارته الحرب أمام هانيبال العظيم‏,‏ وأن هيلين اليونانية الجميلة قد حصلت علي هذا الشراب الذي يذهب بهموم الدنيا من أميرة مصرية اسمها تون وما جاء في نص أشعار هوميروس‏:‏
امرأة من مصر‏..‏ من الأرض الطيبة الخيرة التي لا تتوقف عن العطاء والتي تمنح بسخاء عشبا أخضر‏,‏ قليل منه فيه الشفاء وكثير منه فيه الهلاك‏.‏
وأذكر أنني قرأت للمؤرخ اليوناني الذي عاش في مصر وبالذات في الإسكندرية واسمه تيودور الصقلي أنه قال‏:‏
لقد كانت نساء طيبة يشربن شراب السلوان الذي يذهب الحزن والغضب‏.‏
وشراب السلوان هنا لم يكن مستخلصا من الحشيش‏,‏ ولكنه كان مستخلصا من الأفيون الذي يبدو أنه كان معروفا في مصر قبل عصر هيلين طروادة‏.‏
وفي كتابه العظيم الموثق‏(‏ جريمة تعاطي المخدرات في القانون المقارن‏)‏ يقول الدكتور محمد فتحي عيد تحت عنوان التطور التاريخي لمشكلة المخدرات في مصر‏:‏ لقد عرف المصريون القدماء نبات الخشخاش الذي يصنع منه الأفيون في وقت مبكر جدا‏,‏ هذا ما جاء في كتب المؤرخ صابر جبرا وكان دليله ما يلي‏:‏
‏1‏ إنه عند اكتشاف إحدي المقابر الفرعونية للأسرة الثامنة عشرة عثر بداخلها علي مرهم زيتي يحتوي علي المورفين‏.‏
‏2‏ عند التنقيب عن الآثار في وادي الملوك عثر الأثريون علي قرصين ذهبيين علي شكل كبسولة نبات الخشخاش‏.‏
‏3‏ عثروا علي زهور وأوراق نبات الخشخاش حول مومياء فرعونية من الأسرة الحادية والعشرين‏,‏ وذلك في أكاليل الزهور‏.‏
‏4‏ إن المصريين كانوا يسمون الخشخاش باسم نبات‏(‏ شين‏),‏ كما أن الأفيون قد ذكر‏22‏ مرة في أوراق البردي‏.‏
‏5‏ كان المصريون يستخدمون الأفيون أساسا في علاج أمراض العيون وكمراهم لعلاج أمراض الجسم‏,‏ بل إن مصطلح‏(O.P.L.U.M)‏ قد استخدمه المصريون في العصرين اليوناني والقبطي‏,‏ وقد أخذه عنهم الغرب‏.‏
‏6‏ في كتاب مصر والحياة المصرية في العصور القديمة لمؤلفه أدون هيرمان‏:‏
إن المصريين كانوا يستخدمون نبات شين أو الخشخاش كدواء لتهدئة صراخ الأطفال‏.‏
‏7‏ أما المؤرخ كلودوا جالين الذي جاء في القرن الثاني بعد الميلاد فإنه يقول‏:‏
إن الإله المصري موت هو الذي علم الجنس البشري كيف يستمتع بالأفيون‏.‏
‏8‏ وقد عثر الأثريون في مقبرة المهندس شا الذي عاصر الملك أمنحتب الثاني علي إناء بداخله زيوت دخل في صناعتها الأفيون‏.‏
‏9‏ وفي كتابه لمحة عامة إلي مصر يقول كلوت بك‏:‏
إن الحيثيين الذين كانت لهم حروب طويلة مع رمسيس الثاني انتهت بأول معاهدة سلام في التاريخ بين مصر وبينهم كانوا يشربون الحشيش في حفلاتهم الدينية‏.‏
‏10‏ يقول عمنا المقريزي المؤرخ المصري العظيم الذي عاش في بلدنا قبل نحو خمسة قرون
إن نبات القنب الذي يستخرج منه الحشيش معروف في مصر منذ القدم‏,‏ وأن المصريين قد استخدموه في صناعة الحبال‏,‏ وأنهم لم يستخدموه كمخدر إلا في القرن السابع الهجري بعد أن علمتهم الشعوب الأخري التي جربت الحشيش واكتشفت أنه يبعث علي السعادة والسرور‏!!‏
‏11‏ إنه في عصر المماليك ومع تفشي أنواع من الظلم والخلل الاجتماعي انتشر الحشيش في بر مصر بوصفه باعثا علي طرد اليأس والشعور بأوقات سعيدة طيبة مع أنفاس زرقاء من الحشيش‏,‏ بل راجت زراعته في مصر واشتهرت القاهرة بالذات بزراعته في حي الظاهر والفجالة وباب اللوق‏.‏
‏12‏ أما المؤرخ العربي ابن البيطار فقد وصف الحشيش المصري بأنه مسكر جدا إذا تناول منه المرء قدر درهم أو درهمين‏,‏ وأن الإفراط في تعاطيه يؤدي إلي الجنون وقد يؤدي إلي الموت‏.‏
‏13‏ ويقول ابن إياس المؤرخ المصري المشهور في كتابه بدائع الزهور‏:‏
إن المماليك قد اعترفوا ووافقوا علي زراعة الحشيش وبيعه وتعاطيه واكتفوا بفرض ضريبة عليه لملء خزينة الدولة بالمال‏..‏ وأن الظاهر بيبرس البطل العظيم قاهر المغول والذي تزوج بأول أميرة منغولية دخلت القاهرة ألغي الضريبة المفروضة علي الحشيش عندما تبين له أضراره علي أهل مصر واكتفي بمصادرة المضبوطات من الحشيش لمن يضبط وهو يبيعه أو يتعاطاه‏!‏
‏14‏ وفي عصر العثمانيين من عام‏1517‏ إلي عام‏1805‏ ميلادية شاع استخدام الحشيش بين الناس بعد التدهور الاقتصادي والاجتماعي والسياسي الذي ساد مصر خلال أيامهم‏,‏ حتي إن نابليون بونابرت عندما دخل إلي مصر مع حملته الفرنسية الشهيرة فوجيء بانتشار الحشيش وحتي لا يدمنه جنوده أصدر قرارا في عام‏1800‏ ميلادية بمنع تعاطي الحشيش في مصر‏,‏ وكانت العقوبة أيامها ثلاثة أشهر سجنا ومصادرة الحشيش المضبوط‏.‏
‏15‏ ولكن المؤرخين يقولون لنا إنه عندما جاء محمد علي مؤسس مصر الحديثة طالب بالتوسع في زراعة القنب لصناعة الحبال من نباته ليبني أكبر أسطول حربي لمصر‏,‏ ولكنه عندما علم أن تعاطي الحشيش قد زاد بين العاملين في المصانع الحربية باستخدام بذور القنب‏,‏ أصدر أوامره إلي جميع المديريات في مصر بمنع زراعته إلا أن الفلاحين لم يمتنعوا عن زراعته وكانوا يزرعونه خلسة‏.‏
‏16‏ قرأت في كتاب بناء دولة مصر الذي كتبه الدكتور محمد فؤاد شكري‏,‏ وعبدالمقصود العناني‏,‏ وسيد محمد خليل‏:‏ إن محمد علي وهو تاجر دخان قديم قد توسع في زراعة القنب‏,‏ وتوسع أيضا في زراعة الخشخاش عندما علم من مستشاريه مقدار الشهرة الرائعة التي حققها أفيون طيبة في قديم الزمان استدعي خبراء من تركيا لزراعة الخشخاش في مصر‏,‏ وكان الباشا محمد علي يتولي تصدير الأفيون الناتج من الخشخاش إلي الخارج خاصة إلي الولايات المتحدة الأمريكية‏,‏ والصين لاستخدامه في الأغراض العلمية فقط‏.‏
أما بذور الخشخاش فقد كان يتم عصرها في المصانع لإنتاج زيت المصابيح‏.‏
‏17‏ ويقول الزميل الكبير الأستاذ إبراهيم نافع في كتابه الشامل الجامع كارثة الإدمان‏:‏
إن تقارير مبعوثي الدول الأجنبية في مصر كانت تقول‏:‏ إن الأفيون المصري يعتبر من أهم صادرات مصر حتي إنه في عام‏1834‏ صدرت مصر إلي الخارج أربعين أوقية أفيون إلا أن المصريين برغم هذا الإنتاج الوفير ورخص ثمنه لم يقبلوا علي تعاطي الأفيون‏.‏
‏18‏ كما يقول لنا كلوت بك في كتابه لمحة عامة إلي مصر‏:‏ لقد انتشر تعاطي الحشيش في مصر وراح الخلق يأكلونه ويشربونه ويدخنونه في المقاهي وفي حوانيت خاصة أطلقوا عليها اسم المحاشش‏!‏
‏19‏ أما اللورد كرومر المعتمد البريطاني في مصر فيقول في مذكراته‏:‏
إن مصر لم تعرف أول مكافحة حقيقية ورسمية للمخدرات إلا في عام‏1879‏ عندما صدر الأمر العالي بمنع زراعة الحشيش في مصر ومنع استيراده‏,‏
وقال اللورد كرومر في تقريره عن الحالة العامة في مصر أيامها‏:‏
إن الحشيش لايزال ينزل ويلاته بالقطر المصري‏,‏ وأن‏18%‏ من الذين دخلوا مستشفي الأمراض العقلية سنة‏1903‏ كان جنونهم بسبب تعاطي الحشيش‏!‏
‏..................‏
‏.................‏
مجرد سؤال ليس أكثر‏:‏ كم عدد من أصابهم الداء اللعين في مقتل بعد‏100‏ سنة ويزيد من تقرب اللورد كرومر المعتمد البريطاني في مصر؟
من عنده الجواب فليتفضل‏..{‏
عزيزي تحقيق السبت
‏H‏ أرجو أن يكون أحد موضوعات تحقيقاتكم الجريئة هو ما ورد بجريدة المصري اليوم في عددها الصادر صباح يوم السبت الموافق‏19‏ يونيو‏2010‏ والذي أفاد بأن‏(‏ معاش الابنة سيقطع عند سن‏26‏ سنة مثل الولد‏)..‏
أرجو من سيادتكم أن تتأملوا ما يمكن أن يحدثه هذا التعديل من تدمير في الطبقات الفقيرة والمتوسطة والتي لم يقدر لعائليها أن يتركوا مالا ولا عقارا لبناتهم‏,‏ حيث فهم من الحوار أن القطع قطعي متوقف علي بلوغ سن‏26‏ سنة‏,‏ وبغض النظر عن الحالة الاجتماعية أو الحالة المهنية‏,‏ وفي هذا الصدد فإنني أذكركم بقول سيدنا علي كرم الله وجه ورضي الله عنه وصلي الله عليه وسلم علي ابن عمه خاتم الأنبياء‏,‏ حيث قال‏:‏ لو كان الفقر رجلا لقتلته‏..‏ والرسول الكريم أوصانا بالنساء وقال لنا‏..‏ رفقا بالقوارير‏.‏
‏*‏ قاريء ووالد لابنة بالثانوي ولكنه والحمد لله ميسور الحال حتي الآن
‏**‏ وأقول ل أبوالبنات‏:‏
أنا لا أعرف بالضبط من هو هذا العبقري الذي تفنن وأبدع وقدح زناد فكره‏..‏ ثم قام وصاح فيمن حوله‏..‏ وأنا لا أعرف من هو ولا من هم الذين حوله‏:‏ إيه رأيكم نقطع كمان معاش البنت زي ما قطعنا معاش الولد عند سن السادسة والعشرين‏..‏ موش انتم بتقولوا البنت زي الولد‏..‏ ليه ما تتساواش معاه في قطع الرزق كمان؟
الابنة يا عالم في موضوع المعاش غير الولد تماما‏..‏ الابنة قد تكون مكسورة الجناح لا عائل لها سواء أكانت عانسا لم تتزوج بعد‏..‏ أو مطلقة أو أرملة‏..‏ الابنة طول عمرها غلبانة آخر غلب فما بالكم عندما تصل إلي سن ال‏26‏ دون عائل‏..‏ وكمان عاوزين تقطعوا معاشها يا قطاعين الرزق موش كفاية الغلب وغلب الغلب اللي عايشة فيه الأسرة المصرية؟‏!.

mailto:[email protected]'


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.