التي من المتوقع أن تبلغ حصيلتها خلال السنوات الخمس المقبلة علي الأقل نحو أربعة مليارات من الجنيهات سنويا, ستنفق الحكومة نصفها تقريبا في السنة الأولي علي إجراءات جبايتها التي تشمل أجور العاملين وتكاليف الانتقال لحصر المباني السكنية ورصدها, والضريبة العقارية معروفة في العديد من دول العالم وهي مصدر أساسي لدخول الحكومات التي تقوم بإنفاقها لتوفير مايحتاجه المجتمع من خدمات أساسية. ولعل من أهم أسباب عدم القبول الجماهيري لهذه الضريبة بشكل عام في مصر أنها تفرض علي أصول غير منتجة وهو مايشكك في عدالتها, وسيظل الأمر هكذا إذا بقيت الأمور علي حالها, والحقيقة أن المسألة لاتتصل بعدم العدالة, فالدول التي تقوم بتطبيق هذه الضريبة يستطيع ملاك العقارات فيها استخدامها في أنشطة اقتصادية أساسية تحقق عائدا لهم, فهم يستطيعون الاقتراض بضمانها أو رهنها لشراء أصول أو إقامة إستثمارات أخري, فالفرق هنا أن هذه العقارات تمثل رأس مال حقيقيا في أيدي أصحابها لأنها مسجلة وماأستهدفه هنا هو التأكيد علي أنه علي الحكومة في سعيها لإحصاء ورصد المباني التجارية والسكنية أن تقوم بتيسير وتوفير سبل تسجيل هذه العقارات مجانا بما يكفل لأصحابها استقرار ملكية عقاراتهم بشكل كامل. وتشير التقديرات إلي أن أكثر من80% من حجم الملكية في مصر غير مسجلة وتظل خارج نطاق الاقتصاد الرسمي برغم أنها تفوق في قيمتها ضعف الناتج القومي المحلي, ومن المؤكد أن تسجيل العقارات بالكامل سيأخذ جهدا ووقتا طويلا. ولقد مهدت وزارة المالية الأرض منذ عدة سنوات لهذا الغرض لتيسير إجراءات تسجيل العقارات ووضعت مبلغ ألفي جنيه رسما قطعيا لتسجيل الوحدة السكنية مهما بلغت قيمتها, ولكن هذا الرقم بشكل عام يشكل عبئا علي المالك الصغير, خاصة أنه لايدرك أن تسجيل العقار لايمثل استقرارا لملكيته فحسب, بل إنه يشكل شكلا من أشكال الثروة, وإن كانت الحكومة مستعدة حاليا لتوفير الموارد بما يشمل الوقت والمال لرصد وحصر الممتلكات العقارية فعليها أن تتوجه بجهودها إلي الوجهة الصحيحة, فالوضع القانوني لهذه الممتلكات يجب أن يكون له الأولوية بمعني أن خطوة التسجيل يجب أن تسبق إجراءات فرض الضريبة. ومفهوم أهمية تحويل أصول خاملة وغير منتجة إلي مايمثل رأس مال حقيقيا في أيدي أصحابها ليس جديدا علي الإطلاق, فلقد كان هيرناندو ديسوتو الحاصل علي جائزة نوبل الذي يحمل جنسية بيرو هو أول من آثار هذه النقطة وأجري حولها العديد من الدراسات في مصر والفلبين إلي جانب موطنه الأصلي, ولقد وجد في مصر أن معظم الأصول العقارية مملوكة لمحدودي الدخل وليس لها أي مردود بالنسبة للاقتصاد الرسمي, وتقع خارج النشاط الاقتصادي, وقد شرح المزايا التي ستتحقق عندما تنشيء الدول مؤسساتها القانونية التي تدعم التحول من علاقات التبادل المباشر بين الأشخاص إلي علاقات التبادل غير المباشرة. ففي بلد بالغ الحيوية الاقتصادية مثل الولاياتالمتحدةالأمريكية يتم تمويل معظم المشروعات الصغيرة من الرهن العقاري علي المنازل بل ربما يرهن نفس المنزل مرتين, فإمكانية الاقتراض بضمان منزلك معدومة في الدول الفقيرة بسبب غيبة الملكية المسجلة, فعندما يفتقر أي عقار إلي عنصر التسجيل وبالتالي لايمكن الاقتراض بضمانه رهنة, فإنه في هذا الحالة يكون رأس مال ميتا... فرأس المال يكتسب أهميته من قيمته السوقية المحددة. فإذا استطاعت الحكومة تقديم خدمة تسجيل العقارات مجانا ونفذت حملة إعلامية بين المواطنين لشرح وتوضيح الآثار الاقتصادية لهذا الإجراء, وكيف أنه يشكل الحصول علي أموال جديدة بين أيديهم... فإن هذا التوجه يعتبر وعاء استثماريا ممتازا بالنسبة للحكومة بقيامه علي الشراكة مع المواطنين في هذا النشاط, وإضافة أصول جديدة قابلة للتنمية إلي الاقتصاد القومي, وبالتالي حافز تنموي حقيقي... وبعد أن تقوم الحكومة بكل هذه المهام فإنها تستطيع أن تقوم بفرض الضرائب علي الناس عندما يكون بين أيديهم رؤوس الأموال والأصوال التي تستحق فرض الضرائب عليها, وإلي جانب الحصيلة الضريبية فإنها تنتقل بقطاع كبير من النشاط الاقتصادي إلي الحيز الرسمي خاصة مع مايتيحه ذلك من تعامل الشريحة الصغري والمتوسطة من المستثمرين مع القطاع المصرفي والمالي, وبذلك تتسع قاعدة الائتمان والاستثمار ويقود حتما إلي توسيع قاعدة دافعي الضرائب. ولايمكن إغفال الأبعاد السياسية لهذا التوجه بما يعكسه من تطوير حجم الثقة بين الحكومة والجماهير, وإن كانت الحكومة في حاجة في ظل ظروف الأزمة العالمية الحالية إلي البحث عن قنوات استثمارية متعددة, فإن تجارب الدول من حولنا تتيح العديد من هذه القنوات من بينها سندات الدخل.