كتب : سامي فريد الكل في هذا البلد في مأزق الجميلة التي يستعد أبوها الحاكم لتزويجها وقعت في مأزق الحب الحرام كما وقع أبوها في عشق زميلة دراستها. الجميع في مأزق آخر هو استمساكهم بميراث اسلافهم من معتقدات وتقاليد وقواعد نظام قبلي متخلف هبطت عليه الثروة دون حساب فراح يبددها في سفه مظهري علي أشكال حياة مستوردة وجاهزة ولم يهتم واحد منهم بتطوير البلد ليلحق بركب الحضارة الطائر الي المستقبل اما محاولات البعض القليل لتحسين الأوضاع او تصحيحها فالتهم لها جاهزة بالعمالة والالحاد والشيوعية والعلمانية والجاسوسية والسجون مفتوحة. لاتنقص محمد عبد السلام العمري الشجاعة وقد عاش فترة من عمره ليست بالقصيرة في مثل هذه المجتمعات مهناسا معماريا لكنه يراقب المجتمع من حوله ويرصد احواله أن يكتب كاشفا انواع التخلف ومظاهره في حياة البشر وسلوكهم وسرفهم وتخلفهم من خلال حكاية تداخلت فيها حكايات احاطت جميعها بأطراف المجتمع البعيدة والقريبة والداخلية بشكل ربما فات أهل البلاد أنفسهم. لكن الأمل يبقي موجودا رغم صراعات القبائل وتنافسها في ابداء مظاهر وعلامات ثروتها ورغبتها في تدمير منافسيها. رغم هذا كله لايفوت العمري ان يضع الأمل في التغيير في شخص ابن العم المسافر للعمل في الخارج والذي يصطدم بنظام حياة مختلف ومجتمع يسابق الزمن مع العلم واكتساب المعرفة وارتياد المكتبات والتعرف علي أنظمة حياة تختلف كل الاختلاف عما كان يعرفه في بلاده فيفتح عينيه علي كتب الاشتراكية والديمقراطية وأساليب الحياة العصرية في حين ينشغل عمه حاكم البلاد في بناء القصور لأفراح البنت التي رغم سقوطها في العشق الحرام تنتظر عريسها الذي وقع بدوره في مأزق الخيار بين عالمين: عالم بلاده المتخلف وعالم آخر يصحو في كل صباح علي جديد ومتطور. في روايته الجرئية قصر الأفراح يرسم لنا محمد عبد السلام العمري ملامح اللوحة بكل تفاصيلها ورتوشتها وأدق تفصيلاتها بريشة فنان عاش واقعها وشربه حتي آخره ثم عاد ليكشفه بهدف محاولة المساهمة في رسم خريطة الاصلاح او كتابة روشته العلاج بقلمه وقلبه معا من خلال لغة أجاد بها توصيل معاينة واشاراته مستخدما اسلوب المفارقة الدالة علي عمق التباين بين الحقيقة والمظهر, أنها علاقة التوتر والقضاء والتناقص والتنافر معتمدا في ذلك علي تجاور هذه المتناقضات الي حد الالتصاق تقريبا في مجتمع صغير مدركا أن تجاور هذه المتنافرات والمتناقضات هو جزء من بنية هذا المجتمع ووجوده ولعل محمد عبد السلام العمري كان قد قرأ لفيلسوف مثل كيركجورد الذي يري أنه لاحياة ممكنة بدون مفارقة او لاناتول فرانس الذي اكتشف أن العالم بلا مفارقة يشبه غابة بلا طيور! لكن غابة العمري وطيوره كانت غابة موحشة وطيوره كانت طيورا متوحشة ودموية ففي قصر الأفراح ولدت الأحزان والمؤامرات الدموية حد القتل وكانت النتيجة احتراق القصر بفعل الانتقام لمقتل البطل بعد تعذيبه فتحول قصر الأفراح الي مأتم كبير غارق في دخان الحريق وصراخ الذين جاءوا للتهنئة فاحترقوا مع مجوهراتهم وعطورهم وملابسهم المستوردة كلها من الخارج.