في الحلقة الماضية كنا مع الموسيقي والملحن والسينمائي منير مراد, وفيها وصفناه بالفنان الظريف, صاحب إبتسامة وأداء اتسم بالخفة والبساطة, واليوم وعلي مدار الاسبوعين القادمين سنكون علي موعد مع فنان عظيم الشأن في التجديد والحداثة وهو نفس الوقت, أبو الظرف, وملك الخفة والرشاقة في التمثيل وقبل ذلك الطرب والالحان, أنه محمد فوزي1918 1966, لكن السؤال الذي قد يصادفنا, ما الذي يمكن أن نقوله عن محمد فوزي تلك الاسطورة الغنائية المفعمة إثارة حيوية ؟ فرغم حياته القصيرة التي لم تتجاوز ال48 سنة إلا أنه ترك أثرا وعلامة في عالم الطرب من خلال عشرات الالحان سواء تلك التي تغني بها أو التي شدي بها مطريون آخرون, وبالقدر ذاته علي الشريط السينمائي, ومجموعة الافلام التي قام ببطولتها غناء وتمثيلا, حفرت لنفسها مكانا عزيزا في ذاكرة السينما المصرية, بيد أن نهجا متميزا اختص به هذا الفنان في مسيرته بعالم الفن السابع عندما مزج وعلي نحو فريد الفكاهة الراقية بالغناء, فالرجل وحسب أقوال لمعاصريه لم يكن بطبعه ميالا للتراجيدية أو الميلودراما, من هنا سلك موضوعات اتسمت بمعالجات كوميدية تتناسب وطريقة صياغته للالحان التي وضعها في أفلامه ولهذا شكلت جزءا لا يتجزأ من نسيجها, ايقاعات ومقامات بدت كالفالسات وموسيقي لتانجو كانت في زمنها نقلة نوعية وحتي الان نجدها بنفس شبابها رغم مرور أكثر من نصف قرن علي تلحينها بطبيعة الحال كانت هناك هنات ولكنها قليلة لا تقارن بإعمال مازالت تلقي صدي وحب الجمهور. كل من له نبي يصلي عليه يقينا لم يدر بخلد القائمين علي فاطمة وماريكا وراشيل والذي أنتج قبل واحد وستين عاما, أن فيلمهم سيصبح نموذجا وذكري تثير الحسرة علي المعاني الجميلة والنبيلة التي كانت معاشة في ذلك الماضي ولم تعد موجودة, وليس هناك في الافق أن يوما ما, في المستقبل المنظور علي الاقل, سيشهد ذلك التجانس والتعايش بين طوائف مختلفة ومعتقدات متباينة بيد أنه عكس دون مغالاة أومزايدة عصر وحقبة اتسمت فيها العلاقات الانسانية والاجتماعية بالوئام بين الاديان الثلاثة الاسلام والمسيحية واليهودية دون أن تكون دعوات حسبة وتكفير عباد الله, انطلاقا من إيمان البشر المصريين بأن موسي نبي وعيسي نبي ومحمد نبي وكل من له نبي يصلي عليه. في هذا الشريط والذي أخرجه سينمائيا حلمي رفلة عام1949 سنجد صورة حقيقية للواقع المصري في سنوات الاربعينيات قبل الثورة المظفرة, وحكاية الفيلم الذي كتب قصته ووضع لها السيناريو والحوار والاغاني ابو السعود الابياري1910 1969, كما لخصها ناقدنا الكبير محمود قاسم تتمحور حول فتي ثري محمد فوزي مستهتر يعشق العذاري لينال متعته معهن, يلتقي بفتاة يهودية تدعي راشيل أدت الدور نيللي مظلوم المولودة عام1925 فيدعي أن اسمه يوسف وأنه علي ديانتها, ويمارس عليه أبوها بخله الشديد ويستنزف أمواله وتعرض عليه راشيل أن يذهب معها إلي خياطتها والتي تدعي ماريكا( لولا صدقي مواليد القاهرة1923 من أجل أن يدفع لها حساب الفساتين, وهناك يلتقي يقع يوسف في غرام ماريكا ويعجب بها, ويعرف أنها من أصل يوناني فيدعي أنه من أصل يوناني أيضيا ويقيم علاقة معها حتي تكتشف راشيل هذه العلاقة فتحدث مشاجرة بينهما ويتمكن يوسف أن يفر منهما. بالتزامن يرسل له والده الريفي طالبيا منه أن يتزوج من فاطمة( مديحة يسري) ابنة صديقه والتي تقيم في القاهرة, وإلا حرمه من الميراث, وكان عليه أمام إصرار الأب أن يخطط ويبحث عن حيلة يخرج بها من ذلك المأزق فيخترع مع صديقه( إسماعيل ياسين1912 1972 تمثيلية مؤداها أن يذهبا متنكران في ملابس قرويين بسطاء ومعهم حزم من عيدان قصب السكر إلي فاطمة والهدف هو أن تنفر منهما, وتتلعب فاطمة نفس الحيلة حتي تتخلص من هذا العريس الوغد فتنتحل خادمتها شخصيتها والعكس, وبناء عليه ترفض فاطمة العريس ويرفض الفتي العروس, وبعد عدة مواقف هزلية ضاحكة, وأغاني طريفة متواكبة مع النص والمشاهد, يخبر بطل الفيلم أباه أنه سيتزوج من فتاة يحبها ولا يهمه الميراث, كذلك تخبر الابنة أباها أنها ستتزوج ممن أحبت, ويعترض الأهل وحين يلتقي الجميع تظهر الحقيقة ويتضح ان الفتاة التي أحبها هي فاطمة والفتي الذي أحبته فاطمة هو الشاب يوسف المرشح للزواج منها فيتزوجان برضاء الأهل والثروة ليقدم الشاب دليل استقامته مع زوجته فاطمة. المهم في أنه أتون الحبكة وصراع راشيل وماريكا علي يوسف لم نجد ذكرا لمعتقدات الشخوص أو أن الأخيرة تقف حائل دون تلاقي الناس ليس ذلك فحسب بل ذهب صناع الفيلم إلي ابتكار أغنية يغنيها فوزي مع اسماعيل ياسين وقد عنونت مفرداتها بفاطمة وماريكا وراشيل, فالدين له والوطن للجميع. المطرب عندما يصبح طبيبا نفسيا في المجنونة والذي عرض عام1949 وقام بكتابة السيناريو له وإخراجه حلمي رفلة وجدنا ومن خلال مشاهده الأولي تخيل المتلقي أنه سيكون أمام دراما تراجيدية مغرقة في المأساة غير أن توالي المشاهد بدد هذا الانطباع بيد أننا شاهدنا شريطا غنائيا بديعا رغم مأساة بطلته فالدكتور عادل( محمد فوزي) طبيب نفساني يقضي إجازته بالإسكندرية, يلتقي بليلي( ليلي مراد) زميلته القديمة التي تقيم هناك مع عمها( السيد بدير1915 1986 وزوجته ماري منيب1905 1969, يلاحظ عادل أن ليلي تشك في كل شيء بينما يحس إحساسيا خفييا أن هناك من يدبر لها في الخفاء شيئيا رهييا, يتولي عادل علاجها بإحدي المصحات ومن خلال رحلة العلاج يعرف أن لعمها ابنين وأن الأول هو الوصي علي ثروتها, ثم يكتشف أن الثلاثة يدبرون خطة محكمة تستهدف في النهاية التدمير ليدمروا عقل الفتاة بالايحاء أنها غير سوية كل هذا بهدف أن يظل وصييا علي ثروتها الكبيرة, ومع رحلة العلاج والتحري والنبش في حياة المريضة. نكتشف أن عمها هو نفسه الذي دبر موت أخيه وزوجته. ومن الطبيعي أن يبدأ العم بمساعدة ولديه في التدبير لمنع عادل من علاج ليلي, لكن عادل يستعين بالبوليس الذي يحبط هذه المؤامرة ويكشف أسرار مرض ليلي ليقبض علي العم وأبنيه وتستمر رحلة علاج ليلي مع عادل حتي تشفي وتعود لتبدأ حياة جديدة معه بعد أن أحبها خلال تجربته مع مرضها ولم تستطع ليلي رغم شكوكها وتجربتها القاسية أن تمنع نفسها من حبه ليتزوجا أخيريا.