للعالم.. تصدر الصين منتجاتها.. وأيضا الخرافات.. القديم منها والحديث.. واحدة من الخرافات الحديثة اسمها الحقيقة العارية.. بدايتها أن الحقيقة مشت كما ينبغي لها أن تكون عارية.. فنظر الناس إليها باستغراب.. كانت ذاهبة لمقابلة الملك أمام باب القصر استوقفها أحد الحراس وسألها. من أنت؟ قالت: أنا الحقيقة جئت لمقابلة الملك.. فذهب الحارس وأخبر وزير البلاط الذي قال: لابد أنها امرأة مجنونة.. اصرفها فورا.. فرجع الحارس وطرد الحقيقة.. بينما نقل الوزير ما حدث للملك الذي ضحك وهو يقول: حقيقة عارية.. أي سخف هذا! لم تيأس الحقيقة.. ارتدت ملابس الفقراء وذهبت مرة ثانية لمقابلة الملك.. في الطريق لم يعرها أحد اهتماما.. عند القصر سألها الحارس السؤال نفسه فقالت: أنا واعظة وأريد مقابلة جلالته.. ذهب الحارس إلي الوزير الذي قال: كيف تجرؤ واعظة في ثياب رثة علي طلب لقاء الملك أخبرها بأن الأفضل لها أن تذهب إلي المعبد لتعظ الدهماء هناك.. فعاد الحارس وطردها شر طردة.. وعندما علم الملك بما حدث قال غاضبا: ألا يكفي ما أسمعه من مواعظ تافهة.. في المحاولة الثالثة للقاء الملك ارتدت الحقيقة ملابس غالية.. في الطريق كان كل من يقابلها يحييها باحترام.. وعندما وصلت إلي القصر استوقفها الحارس وسألها بأدب: هل تفضلت ياسيدتي بذكر اسمك وسبب مجيئك.. قالت: اسمي الوهم وجئت لمقابلة جلالته.. أخبر الحارس الوزير الذي هرع ليخبر الملك الذي هب واقفا وقال افتحوا الأبواب واعزفوا الموسيقي.. ثم خرج مع علية القوم ليكونوا جميعا في استقبال الوهم.. وهكذا استطاعت الحقيقة في النهاية دخول القصر. هذه الخرافة كتبها جين جيانج وصدرتها إلينا الصين مع49 خرافة أخري في كتاب ترجمه طلعت الشايب وأطلق عليه اسم أنا القمر ليتأكد لنا أن الحقيقة في كل مكان لا تدخل القصور لأن سكانه يفضلون الأوهام وكلمات النفاق علي الحقائق والمعلومات الصادقة.. وليتأكد لنا أيضا أن الفقراء في كل زمان يتم تجاهلهم فلا أحد يلتفت إليهم في الوقت الذي تتجه فيه الأنظار إلي الأغنياء وذوي السلطة والنفوذ الذين تتلألأ الأضواء من حولهم أينما يذهبون.. لذلك فإن مقولة لا يمكن الحكم علي الكتاب من عنوانه.. لم تعد صالحة لهذا العصر.. لأن الناس باتوا يعشقون المظاهر ولا يهتمون كثيرا برؤية ما وراءها. وإذا كانت الحقيقة اضطرت بعد أن أدركت أنها غير مرغوب فيها إلي إخفاء حقيقتها لكي تصل إلي هدفها.. فإن البشر في الواقع يفعلون ذلك.. فهم يخفون حقيقتهم بارتداء الأقنعة.. فقبل أن نخرج من بيوتنا نرتدي ثيابنا والقناع القناع قبل الثياب أحيانا وهناك من لديه قناع واحد يرتديه دون ملل طوال الوقت.. وهناك من لديه عدة أقنعة يختار منها ما يناسب المكان الذي سيذهب إليه والناس الذين سيلتقي بهم.. لذلك لا تندهش إذا وجدت أحدهم يقول في الصباح كلاما وفي المساء يقول نقيضه.. أو من كان ينتمي لحزب وبعد شهرين أصبح ينتمي لحزب آخر.. أو من كان صديقا لفلان وبعد سنتين أصبح صديقا لعدوه.. أو من انهال بالتهم علي مسئول وبعد يومين أغدق عليه المديح.. لكن للحق لا يرتدي الناس الأقنعة لتحميهم فقط من افتضاح أمرهم وهم يمارسون أكاذيبهم علي الملأ.. بل أحيانا يرتدونها في لحظات ضعفهم ليوهموا الآخرين بأن كل شيء علي ما يرام في الوقت الذي يبكون فيه علي حالهم عندما يختلون بأنفسهم. وأخيرا لا تخلع القناع إلا إذا تأكدت من أن الآخرين أيضا سيخلعونه.. لأنه سيكون من الصعب عليك أن تبقي وحدك بلا قناع في مجتمع يرتدي جميع أفراده الأقنعة ويطالبون في الوقت نفسه بمعرفة الحقيقة بعد أن غيروا اسمها دون علمها إلي شفافية حتي لا تأتي حين يستدعونها!!