هل تشهد منطقة الخليج نظاما أمنيا خاصا بها يعكس هويتها وخصوصيتها, أم أن الخليج هو جزء من أجندة دولية وأخري إقليمية؟. وقبل كل ذلك ماهي التهديدات الحقيقية التي تواجه أمن دول الخليج؟ تساؤلات ثلاثة كانت محور اهتمام مؤتمر نظمه فرع مركز الخليج للأبحاث في جامعة كامبردج في الفترة من(8 10) يوليو2010, من خلال اثنتي عشرة ورشة عمل تناولت قضايا الخليج سياسيا واقتصاديا وأمنيا واجتماعيا وبيئيا. وعلي الرغم من تعدد اللقاءات التي استضافتها الدول الغربية بخاصة بعد عام2003 لتحليل حالة عدم الاستقرار المزمن في تلك المنطقة فإن هذا اللقاء الذي شاركت فيه بورقة عنوانها الصيغ الأمنية المقترحة لأمن الخليج قد تميز عن سابقيه كما وكيفا, إذ ضم مايقرب من500 خبير وباحث في أمن الخليج, فضلا عن تنوع موضوعاتها التي عكست عدة ملاحظات أوجزها في الآتي: أولا: لم تقتصر ورش العمل علي قضية الأمن بمفهومه العسكري التقليدي بل طالب قضايا التعليم والتحول الديمقراطي والعمالة والهوية وعلاقات الخليج الإقليمية والدولية بما يعنيه ذلك من استمرار الاهتمام الإقليمي والدولي بضرورة بلورة رؤية متكاملة عن التحديات التي تواجه أمن الخليج ومن ثم الأمن العالمي. ثانيا: علي الرغم من تأكيد باحثي المؤسسات الغربية أكثر من مرة استقلاليتهم عن مؤسساتهم الرسمية, فإن ثمة إجماعا بين الأوراق المقدمة علي أن إيران لاتزال هي الخطر الحقيقي علي دول الخليج. وإذا سلمنا جدلا بصحة هذه الرؤية. فإن التساؤل المنطقي كيف يمكن التصدي لهذا الخطر؟. إذ لم تكن هناك إجابة محددة عن تساؤل مؤاده هل الولاياتالمتحدة غير راغبة أم غير قادرة علي الحيلولة دون وجود إيران نووية؟ بما يعنيه ذلك من إمكانية اتجاه المنطقة نحو معادلة جديدة ستكون خصما من مصالح دول مجلس التعاون الخليجي. ثالثا: مع تعدد ووضوح الرؤي الإقليمية والدولية فقد تباينت الرؤي العربية, ففي الوقت الذي أثار فيه البعض مفهوم أقلمة الأمن كبديل للعولمة بما يعنيه ذلك من دور لدول الجوار في أي ترتيبات أمنية مستقبلية, فضلا عن وضوح الرؤي الغربية لوحظ أن الرؤي العربية تباينت سواء لجهة تحديد التهديدات الأمنية الحقيقية أو سبل مواجهتها. رابعا: كان للحضور الآسيوي الطاغي في المؤتمر مايبرره, إذ عكس المصالح الآسيوية الحيوية في منطقة الخليج وفي مقدمتها قضية العمالة, نظرا لما تثيره الدول الآسيوية بشأن أوضاع تلك العمالة في هذه الدول, فضلا عما لها من تداعيات أمنية واقتصادية واجتماعية علي دول الخليج. بالإضافة الي مسألة الهوية الخليجية بما يعنيه ذلك من أن الوحدات المكونة للأمن الإقليمي تواجه تحديات داخلية لاتقل أهمية عن تلك الخارجية. خامسا: لوحظ استحواذ الأوضاع في العراق علي حل مناقشات المؤتمر, سواء بالنسبة لمستقبل علاقات العراق الغربية أو الأطلسية. ومع أن مسألة استقرار العراق تعد مطلبا خليجيا في المقام الأول قبل أن يكون غربيا إلا أن ضبابية التحولات في العراق قد تعني أن ثمة معادلة توازن استراتيجي جديدة ربما تشهدها منطقة الخليج مستقبلا. الأمر الذي يتعين أن يؤخذ بعين الاعتبار من جانب دول مجلس التعاون الخليجي. مع التسليم بأهمية ما طرح من أفكار تعكس الرؤي المختلفة لأمن الخليج فإن دول الخليج مطالبة بثلاثة أمور عاجلة. الأول, ضرورة أن تكون دول الخليج طرفا رئيسيا ضمن أي معادلات أمنية إقليمية مستقبلية, بغض النظر عن أطرافها وذلك ضمن منظور خليجي جماعي بعيدا عن الرؤي الفردية ولن يتحقق ذلك سوي بالتحول لمفهوم القوة الموازنة, خاصة علي صعيد التكامل الدفاعي بما يمكنها من التفاعل مع الصراعات التي تشهدها منطقة الخليج. والثاني, إذا كان خيار الدول الصغري هو استمرار الاعتماد علي البديل الدولي للحفاظ علي أمنها بل وبقائها وهو ما جسدته الحالة الكويتية عام1991, فإن ذلك لايعني إلغاء وتهميش الأدوار العربية والإقليمية في الخليج, إذ يبقي الامتداد الإقليمي والعربي لأمن الخليج أمرا مهما لضرورات التوازن الإقليمي وفق إجراءات بناء الثقة وعلاقات حسن الجوار. والثالث, أهمية تطوير مجلس التعاون الخليجي باعتباره الآلية الجماعية التي تجسد هوية ومصالح دول الخليج التي تمتلك من أدوات التأثير مايكفي لفرض رؤاها وأجندتها في ظل حالة صراع الأدوار الإقليمية والدولية وفق معادلة صفرية قد لاتفضي الي نتائج مرضية لدول الخليج ذاتها. إذا كان المؤتمر قد أجاب عن تساؤلات عديدة طالما أثارها المهتمون بتلك المنطقة وقضاياها, فإنه في تقديري هناك تساؤل رئيسي يبحث عن إجابة وهو هل ستشهد منطقة الخليج أمنا حقيقيا في ظل تعارض الرؤي الإقليمية والدولية؟ وإذا حدث, فأمن من سيكون ولصالح من؟