الأخلاق صورة الإنسان الباطنة.. وهي نفسه, وأوصافها, ومعانيها المختصة بها, بمنزلة الخلق لصورته الظاهرة, وأوصافها, ومعانيها, ولها أوصاف حسنة وقبيحة. والثواب والعقاب يتعلقان بأوصاف الصورة الباطنة أكثر مما يتعلقان بأوصاف الصورة الظاهرة. وقد تكررت الأحاديث في مدح حسن الخلق, في غير موضع, كقوله صلوات الله وسلامه عليه: من أكثر مايدخل الناس الجنة تقوي الله وحسن الخلق. وقوله: أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا. وقوله: إن العبد ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم وقوله: يعثت لأتمم مكارم الأخلاق. وكذلك جاءت في ذم سوء الخلق أيضا أحاديث كثيرة. وفي حديث عائشة رضي الله عنها: كان خلقه القرآن أي كان متمسكا به وبآدابه, وأوامره, ونواهيه, ومايشتمل عليه من المكارم, والمحاسن, والألطاف. الخلق بفتح الخاء وسكون اللام : التقدير.. وبقال: الخلق: التقدير المستقيم في إبداع الشيء من غير أصل, ولااحتذاء, قال تعالي:( خلق السماوات والأرض)( سورة النحل:3) أي أبداعهما بدلالة قوله:( بديع السماوات والأرض)( سورة البقرة:117) ويستعمل في إيجاد الشيء من الشيء, قال تعالي:( خلقكم من نفس واحدة)( سورة الزمر:6) وليس الخلق بمعني الإبداع إلا لله تعالي, ولهذا قال تعالي في الفصل بينه وبين غيره:( أفمن يخلق كمن لايخلق)( سورة النحل:17) وأما الذي يكون بالاستحالة فقد جعله الله لغيره في بعض الأحوال, كعيسي عليه السلام حيث قال:( وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير)( سورة المائدة:110), والخلق لايستعمل في جميع الناس إلا علي وجهين: أحدهما: في معني التقدير كما ذكرنا. وثانيهما: في الكذب نحو قوله تعالي:( وتخلقون إفكا)( سورة العنكبوت:17) وكل موضع استعمل فيه الخلق في وصف الكلام, فالمراد به الكذب. ومن هذا الوجه امتنع كثير من الناس عن إطلاق لفظ الخلق علي القرآن, وعلي هذا قوله( إن هذا إلا خلق الأولين)( سورة الشعراء:137), وقوله:( ماسمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق)( سورة ص:7) والخلق في معني المخلوق, والخلق والخلق في الأصل واحد, فالخلق بالضم ذو علاقة وثيقة بمعني الخلق بالفتح وذلك لأنه في أصله مصاحب لأصل الخلقة. يوجد مع المخلوق بوجوده, ثم يأخذ في النمو والتطور وفقا لنمو صاحبه وتطوره. فكل استقامة في سلوك المخلوق وفق السنن الصحيح, تصاحبها استقامة الخلق نفسه, وكل انحراف أو فساد في ذلك السلوك, مؤد إلي مثله في الخلق والتصوير, وما أدق إشارة المتنبي إلي ذلك في قوله: إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه وصدق مايعتاده من توهم كذلك نجد الصلة بين الخلق والخلق من حيث التقدير الغائي, فوجود الخلق في الكائن البشري يستهدف أصلا تزويده بالناظم الذي يعينه علي معرفة الخير والأحسن ومايقابلهما. وإذا كان الخلق بضم الخاء واللام, والخلق بفتح الخاء وسكون اللام أصلهما واحد. فقد خص الخلق بفتح الخاء وسكون اللام بالهيئات, والأشكال, والصور المدركة بالبصر. وخص الخلق بضم الخاء واللام بالقوي, والسجايا المدركة بالبصيرة. قال تعالي لنبيه صلي الله عليه وسلم( وإنك لعلي خلق عظيم)( سورة القلم:4) قال ابن عباس رضي الله عنهما لعلي دين عظيم, لادين أحب إلي ولاأرضي عنه منه, وهو دين الإسلام. وفي الصحيحين أن هشام بن حكيم سأل عائشة عن خلق رسول الله صلي الله عليه وسلم فقالت: كان خلقه القرآن يقول بديع الزمان سعيد النورسي: أي أن محمدا صلي الله عليه وسلم هو النموذج لما بينه القرآن الكريم. من محاسن الأخلاق. وهو أفضل من تمثلت فيه تلك المحاسن. بل إنه خلق فطرة علي تلك المحاسن. فالأخلاق بمعني الدين عبارة عن نظام من العمل غايته تحقيق الحياة الخيرة الطيبة, ونمط من السلوك مع النفس, والغير, من حيث مايجب أن يكون عليه هذا السلوك. كما أنها ليست جزءا من الدين فحسب بل جوهره وروحه لأن الدين في مضمونه عبارة عن الواجبات التي يلتزم بها الإنسان نحو الله, ونحو نفسه وغيره من المخلوقات.