حين تعجز الترجمة عن تحقيق هدفها الأساسي فإنها تفقد شرعيتها وكينونتها. وتتفاقم المشكلة حين ترتكب الترجمة الخيانة العظمي ولا تضلل المتلقي فحسب بل تفسد عليه ذائقته ولغته القومية. وحين تصبح الترجمة عبئا علي الثقافة بل واللغة القومية, فلا بد لنا من وقفة. قراءة واحدة لصحيفة أو الاستماع لأحد البرامج الحوارية تدرك كم التشويش الذي تتعرض له اللغة القومية وكيف أصبحت هذه المصطلحات الغائمة جزءا من ثقافتنا اليومية ومدعاة للتفاصح والاستعراض الثقافي بل إن من يتشدق ببعضها يظنه العامة مثقفا من العيار الثقيل. ومن عجائب الترجمة أنك تسمع في الفضائيات من أدعياء ما يعرف ب المجتمع المدني يتحدثون عما يعرف باسم مؤسسة الزواج والمشكلة أن هذه المنظمات المجتمع المدني تستعين بمترجمين من خلال التعاقدات الشللية فيبحثون عن دلالة الكلمة في قاموس الجيب للأطفال فيترجمونmarriageinstitution ب مؤسسة الزواج, ولا يعرفون أن كلمةinstitution تعني أيضا لعادة والسنة المتبعة المتوارثة في مجتمع ما هكذا أجدها في المعاجم الإنكليزية. ومن ثم فالمصطلح يعني سنة الزواج وليس مؤسسة الزواج, فالزواج سنة وليس فرضا, عادة متبعة عن الرسل أو عادة متبعة اجتماعيا. المثير للضحك في الأمر أنك تجد من ينظر للبلاغة المحكمة لكلمة مؤسسة التي وردت في المصطلح. للأسف لو بحثت في محرك بحث جوجل عن مصطلح مؤسسة الزواج ستخرج لك نتيجة البحث بما يقارب مليونا ونصف المليون رابط عن مصطلح مؤسسة الزواج وهكذا أصبح الهطل يفرض نفسه علي ثقافتك ورؤيتك للعالم من حولك وما يصدق علي هذا الشأن إلا قول القائل بال حمار فاستبال أحمرة. أرأيتم حجم التخريب الذي تتعرض له بنيتنا الثقافية والفكرية, وكيف أن المرء قد يتهم نفسه بالجهل لأنه لا يفهم مصطلح مؤسسة الزواج هذا, ثم يكتشف أنه تكاسل من مترجم لم ينضج بعد. ثم يدرك المتلقي أن المقصود هو أمر يدركه منذ نعومة أظافره وهو ما يطلق عليه العامة الزواج علي سنة الله ورسوله, الذي يسميه المثقفون أو هكذا يقال عنهم مؤسسة الزواج فإلي أي الفريقين أنتمي حين أقول: زواج علي سنة الله ورسوله؟ وإلي أيهما أنتسب حين أقول: زواج علي مؤسسة الله ورسوله. بل إن مصطلح المجتمع المدني ما هو إلا نقل نسخ كربوني لمفردات الأصل الأجنبي ورغم أن المجتمع المدني قائم ممارسة وتطبيقا من قديم الأزل تحت مسمي الجمعيات الأهلية ويرجع تاريخه إلي تاريخ حلف الفضول وهذا النقل تسبب في لبس لدي رجل الشارع الذي يظن أن المجتمع المدني هو مفهوم مقابل لمصطلح المجتمع العسكري. وقس علي ذلك قتلوه بدم بارد و بطة عرجاء و العودة للمربع الأول و ذر الرماد في العيون و و مرت مياه كثيرة تحت الجسر و شيطان التفاصيل والقائمة لا تنتهي ومازال في جعبة المترجمين الكثير. القضية الكبري أن هذه الطريقة غير المدققة وغير المتأنية في الترجمة زحفت حتي عناوين الصحف. والأشد خطورة أن الكثير من هذه التعابير باتت تتكرر علي ألسنة السياسيين في العالم العربي وهم قد التقطوها أصلا من الصحف والتحاليل الإخبارية التي تبثها الإذاعات والفضائيات. ولا ضير من الاقتباس من الثقافات الأخري شريطة أن أحقق التواصل مع أهل اللغة المنقول إليهم أما أن يضطروا للعودة للأصل الأجنبي, أو يضطروا إلي تجاهل ما قيل, أو أن يفهموه علي نحو مغلوط فهذا مالا يقبله عاقل. لعل السبب في ذلك أننا ننظر إلي الترجمة علي أنها مهنة ثانوية لا ترقي لمستوي الإبداع, كما أن الأكاديميات العربية لا تمنح شهادات في الترجمة إلا منذ عقد قريب, بل أن أحد أعمدة قسم اللغة الإنجليزية حين أخبرته منذ ما يزيد علي عقد برغبتي في الحصول علي الماجستير في مجال الترجمة قال لي باللغة الإنجليزية أنها ليست فرعا أكاديمياitisnon-academicbranch. وإذا كان القائمون علي الشأن الثقافي والتعليمي مازالوا يتساءلون عن جدوي التخطيط اللغوي و لغويات المدونات فهل ننتظر أن يكون ثمة تخطيط لحركة الترجمة؟.