تمثل مشكلة الأقلية السنية في إيران, التي لا تتخطي نسبة9% من إجمالي عدد سكان البلاد البالغ67 مليون نسمة, قنبلة موقوتة مهيأة للانفجار في أي لحظة. بسبب السياسة المتشددة التي تتعامل بها حكومات الجمهورية الإسلامية منذ ثورة الخوميني مع هذه الأقلية التي تعيش في مجتمع شيعي قلبا وقالبا. واعتاد المتابع للشأن الإيراني أن تطفو مشكلة السنة علي السطح كل حين وآخر, ولكن مع تزايد اهتمام وسائل الإعلام العالمية بما يجري داخل المجتمع الإيراني, خاصة بعد أحداث العنف التي أعقبت انتخابات2009 الرئاسية والتي تابع العالم أسرارها عبر وسائل التكنولوجيا والتواصل الحديثة مثل' تويتر' و'فيس بوك' وكاميرات المحمول, لم يعد في إمكان النظام الإيراني إخفاء مزيد من المشكلات الداخلية ومن بينها مشكلة السنة, وإن لم يجد أي حرج في تنفيذ حكم الإعدام في عبد الملك ريجي زعيم جماعة' جند السنة' الذي يناضل من أجل حقوق السنة والبلوش بتهمة المحاربة والإفساد في الأرض بعد سلسلة محاكمات سرية لم يعرف عنها أحد أي شيء. 'جند الله' توعدوا بالرد, وهو ما يطرح تساؤلات حول مدي قدرة' سنة' إيران علي إحداث التغيير أو المشاركة فيه, فقبل أيام تم تنفيذ حكم الإعدام في عبد الحميد ريجي شقيق عبد الملك ريجي في زهدان بعد محاكمة سرية أيضا, وتعهد التنظيم نفسه بالانتقام ولم يفعل شيئا, لأنه ببساطة لا يملك سوي تنفيذ بعض العمليات المسلحة غير المنظمة في بعض المدن الإيرانية لتذكير الإيرانيين بوجوده, وتبدو هذه العمليات هي أقصي ما يمكن لهذا التنظيم القيام به في ظل الهيمنة الشيعية علي كل شيء في إيران. وإذا كان الإصلاحيون ودعاة الديمقراطية وحرية التعبير في إيران يجدون من يؤيدهم بعشرات الآلاف مهما كانت درجة القمع التي يتعامل بها معهم النظام الإيراني, فإن سنة إيران لا يبدون قادرين علي اكتساب أرض حقيقية علي المشهد السياسي الإيراني لطبيعة التكوين المذهبي لهذا المجتمع, بل إنه من الصعب للغاية حصول هذه الأقلية علي تأييد ودعم خارجي يماثل ما يحصل عليه أبناء أقليات أخري أضعف في القوة والنفوذ في إيران مثل اليهود والمسيحيين والزرادشتيين الذين لا يشكلون جميعا أكثر من2% من إجمالي عدد سكان إيران, والحديث عنهم في الغرب يدور عادة في إطار الحديث عن الحريات والأقليات في إيران بصفة عامة, وهذا أمر طبيعي. ولذلك فقد كان من السهل علي السلطات الإيرانية والإعلام الرسمي' تشويه' صورة الأقلية السنية في إيران بحصرها في' جند الله' الذي يقوم كما تقول طهران بعمليات قطع طريق وتفجيرات وسرقات وخطف للرهائن وإثارة للفوضي والتعاون مع جهات أجنبية معادية للنظام, وستظل تمارس هذه المهمة بسهولة بالغة مع طاهر بلوش الزعيم الجديد لجند الله, بينما الحقيقة أن هذا التنظيم ليس وحده الذي يعبر عن مشكلة السنة في إيران. فالواقع يقول إن السنة في إيران لا يسعون إلي قلب نظام الحكم ولا إلي' الإفساد' ومحاربة النظام وإنما يبحثون عن حقوق مشروعة أبسطها' المساواة', وتجنب السياسات التمييزية البشعة التي تمارسها ضدهم السلطات الحكومية من تضييق عليهم في ممارساتهم الدينية أو في بناء المساجد وفي المعاملات اليومية, ومن اغتيالات يتعرض لها العلماء السنة, ونهاية بالمشكلات الاقتصادية الطاحنة التي يواجهونها في المناطق التي يعيشون فيها مثل سيستان وبلوشستان في جنوب شرق البلاد علي الحدود مع باكستان وأفغانستان. الخلاصة أن قدرة السنة الإيرانيين علي إحداث تغيير جوهري علي الأرض محدودة للغاية, إما لأنهم يبقون في النهاية مجرد' أقلية', أو أن الإعلام الإيراني نجح في تشخيص السنة في صورة تنظيم ينفذ عمليات مسلحة ويضر بأمن البلاد واستقراره, أو أن طبيعة المجتمع الإيراني نفسها هي التي تشجع علي سيادة هذه النظرة إلي السنة, والأسباب طائفية مذهبية لها جذور يصعب اقتلاعها, والدليل واضح في تلك الغمامة الدائمة التي تظلل العلاقات بين إيران الشيعية بالعالم العربي والإسلامي' السني' في معظمه, وتمنع حدوث أي حوار أو تفاهم.