ان حياتنا الثقافية والفكرية في مصر وسائر البلدان العربية قد شعرت بالخسارة الكبري بوفاة الكاتب والمفكر نصر حامد أبوزيد الاستاذ بقسم اللغة العربية بكلية الآداب جامعة القاهرة. * يقول د.عاطف العراقي استاذ الفلسفة بجامعة القاهرة وقد جمعتني بالرجل المفكر ذكريات عديدة, وأذكر أننا تناقشنا في العديد من القضايا الفكرية الثقافية ومن بينها موضوع التأويل عند المعتزلة وموضوع الفلسفة الصوفية عند محيي الدين ابن عربي وكم اتفقنا تارة واختلفنا تارة أخري, خاصة حول مدي عقلانية المعتزلة وطبيعة التأويل عند المعتزلة مقارنة بينهم وبين طبيعة التأويل عند آخر فلاسفة العرب ابن رشد. وكانت موضوعات الكتب التي قام بتأليفها ماثلة في ذهنه وفي برنامجه الثقافي ومن بينها بالإضافة الي المعتزلة كفرقة اسلامية دراسة في قضية المجاز في القرآن الكريم عندهم ومفهوم النص, والامام الشافعي, ونقد الخطاب الديني الي آخر الكتب والدراسات التي تركها لنا. وكم تناقشنا في العديد من أحكام التكفير والتي صدرت ضد مجموعة من مفكري العرب ومن بينهم الحلاج, والسهر وردي, وعميد الفلسفة العقلية التنويرية عند العرب, أي ابن رشد. إنني أدعو الي إقامة بعض الندوات حول أعماله الفكرية ولنتفق معه تارة ونختلف تارة أخري, فالاختلاف من طبيعة الفلسفة. * يقول د. محمد عناني استاذ الأدب الإنجليزي بجامعة القاهرة قرأت كتبه ولم أجد دليلا واحدا علي ما اتهمه به البعض من مروق أو زندقة أو رقة ايمان, ناهيك بالكفر وهو أسوأ ما يتوقع من أحكام علي انسان. نصر حامد أبوزيد كان باحثا في اللغة يحاول تطبيق نظريات علمية حديثة أدت بسبب غرابتها الي اهتزاز بعض الاساليب التقليدية المكررة والقائمة علي النقل المحصن في أذهان كثير من الناس. وأي تجديد في المنهج العلمي من شأنه أن يحدث بلبلة خصوصا عند غير المتبحرين الذين يملكون ناصية المبحث اللغوي التحليلي الحديث. نصر حامد أبوزيد لم يزد علي تطبيق مناهج التحليل اللغوي الشائعة في كل مكان في العالم, وبكل أسف كان سابقا لعصره ولو كان قد مهد لبحثه في لغة القرآن بكتاب عام عن المنهج يتضمن النظرية وتطبيقاتها علي السفر مثلا لوجد آذانا صاغية ولتيسر للآخرين حتي من منتقديه استيعاب فكره الجديد. لقد ظلمنا نصر حامد أبوزيد ظلما بينا واتهمناه في أقدس ما يعتز به المؤمن وهو إيمانه وسمح البعض منا لنفسه بأن يدخل قلبه ويطلع علي ما وقر فيه ابتغاء مغانم إعلامية تافهة. * ويقول د. عبدالمنعم تليمة: تبدي في عمل الراحل نصر حامد أبوزيد(1943 2010) الانحياز الواعي في جدلية النقل والعقل إلي العقلانية في درس التراث وفي قضايا التنوير الثقافي فيما يتصل بالمسائل الفكرية والسياسية والاجتماعية الراهنة. وحقق هذا منذ رسالته للماجستير إلي آخر كتاباته واجتهاداته ومشاركاته في داخل مصر وخارجها. وكان الرائد أمين الخولي قد أحيا هذه المدرسة العتيقة العريقة ووجه إلي أسسها المعرفية بعض تلاميذه أمثال عائشة عبدالرحمن وشكري عياد. والثاني الالتزام في التنوير العام بتراث العقلانية المصرية الحديثة, بخاصة نهج الامام محمد عبده الذي أسس علم الكلام الجديد. وعي نصر أصول الأمرين ومضي بدأب عبر أربعة عقود. * وتقول الكاتبة الصحفية فريدة النقاش: اختار نصر أن يطرح الأسئلة الكبري والشائكة في كل من الثقافة والسياسة, فليس هناك سياسة جدية أو مشروع متكامل للتغيير إلي الأفضل دون أسس ثقافية وفكرية عميقة, وكان ان عالج نصر بشجاعة العالم وبصيرة الفنان قضايا تحرير العقل وتحرير المرأة وصورة الوطن الذي يتحرق إليه شوقا المخلصون والشرفاء أصحاب العقول المتفتحة من أبنائه واجتهد نصر ليبين لكل من القارئ المتخصص والعادي أن العلمانية لاتساوي الإلحاد, وإنما هي فصل الدين عن السياسة لا عن الحياة في اتجاه المواطنة, وهو الذي حرص علي توضيح الفروق بين الدين والفكر الديني, واكتمل مشروع نصر حامد أبوزيد في ظل الهزيمة الماحقة لحركة التحرير الوطني العربي, وهي الهزيمة التي فتحت الباب للتيارات الدينية المتطرفة وقد فرضت هذه التيارات ثقافة الصمت حيال القضايا الكبري وتوغل دعاتها في مؤسسات التعليم والاعلام والقضاء واتجاه السلطة السياسية للقبول بالمزايدة عليها لتقول انها الأكثر إسلامية, ولعبت أموال النفط دورا سلبيا في قمع النقد وتكفير المخالفين, وكان نصر أبوزيد ضحية لهذا المناخ المعتم, وكان عليه أن يظل في المنفي لما يقرب من عشرين عاما ومثلما تعطل المنهج العلمي الذي اختاره طه حسين حين كتب في الشعر الجاهلي في أوائل القرن العشرين وجرت مصادرته, تعطل منهج نصر حامد أبوزيد العقلاني الموضوعي التأويلي, وكأن كلا من الثقافة والسياسة العربيتين بقيتا علي وفائهما لمناهج التكفير والاقصاء والالغاء منذ جري نفي ابن رشد واحراق كتبه قبل ثمانية قرون. وسيظل مشروع نصر راهنا ومستقبليا في آن واحد. * ويقول د. وائل غالي: لاشك أن ما سيجعلنا نعود في المستقبل إلي مؤلفات نصر حامد أبوزيد المتعددة والثرية والمهمة. هو أولا ضرورة العودة إلي أحد أهم امتدادات حركة النهضة المصرية الحديثة, وهو الاتجاه الديني. ورغم الكم الكبير في الدراسات له, فإن التطور الفكري الذي شهده الوطن العربي قد يسمح لنا أن نحدد رؤية أكثر دقة لاعمال هذا الرجل, تمكننا من تفسير التطورات الفكرية اللاحقة بشكل أفضل, ان اسهام نصر حامد أبوزيد الفكري والثقافي في حقل التراث العربي الاسلامي هو جزء لا يتجزأ من تاريخ عصر النهضة, أي العصر الذي بدأ فيه يأخذ دوره في سياق الحركة الاجتماعية, منذ بداية القرن التاسع عشر الميلادي, والذي أيقظ جثة ميتة, وزعزع أساطير سادت لقرون ثمانية تقريبا, فلقد عاش الوطن العربي قرونا من التخلف, بمعني أنه ظل يعيش في حالة من السكون يأكل ذاته. وقد كان للتآويلات الدينية السائدة قيمة كبيرة في خلق حالة من الركود والتخلف. ولقد ارتبط اسم نصر حامد أبوزيد ومساهماته المتعددة, وخاصة كتابه عن مفهوم النص, دراسة في علوم القرآن, بالحركة الفكرية التي نشطت محاولة تحطيم الجهاز الفكري, وبناء الدولة المدنية, وتحديث المجتمع, وفتح آفاق المستقبل المغاير. *ويقول د. بهاء حسب الله استاذ الأدب بجامعة الاسكندرية: اننا فقدنا واحدا من هؤلاء الذين أعملوا العقل والفكر العقلاني في قراءة النص القرآني من وجهته وزواياه والاستعانة ببعض المناهج النقدية الحديثة في تفسير النص القرآني كمنهج الرمزي والاشاري والتأويلي وهو الذي دفعه الي الاصطدام بالواقع الثقافي التقليدي المعاصر وأدخله في معارك فكرية. وخاصة في دراسته المهمة نقد الخطاب الديني رغم أن الرجل حاول ان يثبت ان دراسة النص القرآني ليس حكرا علي اساتذة الدراسات الاسلامية وعلماء القرآن الكريم فقط وليست موظفة للتعامل في نطاق المناهج التحليلية والتعددية القديمة. وأبرز ما يحسب له انه حاول ان يدخل نطاق التفسير القرآني وخاصة من الزوايا البلاغية والمجازية من خلال المناهج العقلانية الفلسفية المعاصرة وذلك في كتابه بعنوان الاتجاه العقلي في التفسير ودراسته عن قضية المجاز في القرآن الكريم. ويشير د. حسب الله ان د,نصر حامد أبو زيد في حاجة الي قراءة انتاجه من جديد وأن يوضع فكره وما قدمه للمكتبة العربية الاسلامية في مكانه الصحيح. أخطأ من ظن ان نصر أبو زيد معاد للاسلام لان دراسته تنطلق من زاوية انتمائه الحميم للحضارة العربية الاسلامية فالايمان صلة عميقة بين المخلوق وخالقه ولا يصح ان يمارس كائنا من كان سلطة التفتيش في دخيلة الانسان. * تقول د.سامية خضر صالح استاذ علم الاجتماع كلية التربية جامعة عين شمس: يتساقط مفكرونا كما تتساقط أوراق الشجر فمن محمود السعدني إلي أسامة أنور عكاشة إلي د. نصر حامد أبو زيد والبقية تأتي إنه طابور طويل يضيع وسط زحام الجهل بتقييمهم وهم قدوة وكفاح وسهر وجد واجتهاد سقطوا وغيرهم سهوا أو اهمالا من أجندة اعلامنا الثقافي وواريناهم التراب ولم تتعرف للأسف عليهم أجيال الحاضر والتي تحتاج للنموذج والرمز. كانت رؤيته تتلخص في منع استغلال السياسة للدين, ويرفض ما يمارسه دعاة التعصب الديني في ادعائهم لمرجعية الاسلام لتبرير أعمالهم تماما كما حدث في العصور الوسطي حيث تم تبرير محاكم التفتيش في أوروبا من خلال المرجعية الدينية المسيحية. المؤسسة الدينية في مصر مازالت لاتشعر بخطورة المتشددين في البلد واستغلالهم للبسطاء بتفسيرات مغالطة لمساعة ونور الدين الاسلامي. ومن المعروف أنه منذ أكثر من94 عاما تحديدا في1926 هوجم كتاب طه حسين( في الشعر الجاهلي) وأكد طه حسين انه كان يراهن علي مناخ جديد وقد استمر طه حسين فكرا ومنهجا في الكتابات الفكرية المعاصرة بكثير من العمق والاضافة, أما المفارقة ان السجال الفكري في زمانه استند الي العلم والأخلاق والدليل علي ذلك ان السجال مع محمد حسين هيكل لم يعرف ارهاب التحريم والتكفير ولا ارهاب الرصاص مثلما حدث مع فرج فودة ولا إرهاب الطعن والاعتداء مثلما حدث مع نجيب محفوظ ولا إرهاب التفريق مثلما حدث مع نصر أبو زيد فهل ينشط اعلامنا المصري وتتحول برامج التوك شو من نقل صفحات جريدة الحوادث الي نشر الثقافة والتنوير. * ويجمع كل من د. فوزي عيسي رئيس قسم اللغة العربية بكلية الاداب جامعة الاسكندرية ود. محمد زكريا عناني بأداب الاسكندرية ود. هدي زكريا استاذ علم الاجتماع السياسي: برحيل المفكر الكبير الدكتور نصر حامد أبو زيد انفرطت حبة ثمينة من عقد التنوير والاستنارة فقد كان يمثل ظاهرة فريدة في حياتنا الثقافية واستطاع أن يحرك المياه الراكدة في واقعنا الفكري, وتميز بأطروحاته الفكرية والعلمية الجريئة, وتحمل قدره وضحي في سبيل مبادئه وأفكاره علي نحو يذكرنا بكبار الفلاسفة والمفكرين الذين ضحوا في سبيل مبادئهم العظيمة. رحيله يفرض علينا الان إدامة النظر في أعماله العلمية وإن كان قد رحل بجسده فإن افكاره لن ترحل وستظل نبراسا ساطعا يبدد ظلام الفكر والجهل.