حتي لو سايرنا الرافضين لنظرية المؤامرة فلا أحد يستطيع أن ينكر أن في الولاياتالمتحدة ودول أوربا قوي سياسية ودينية لها مصالح واستراتيجيات تدفعها الي استغلال حالة الضعف التي يعيش فيها العالم الاسلامي الآن. ولتحقيق هذه المصالح فان هذه القوي تعمل في اتجاهين: في اتجاه العالم الاسلامي نفسه باتهامه بالجمود وعدم الصلاحية لتحقيق تقدم حضاري وثقافي واجتماعي يؤهله للحاق بالحضارة الحديثة وتسعي هذه القوي في الوقت نفسه الي تعميق الشعور لدي المسلمين بالدونية والاستسلام لما هم فيه. وفي اتجاه العالم الغربي تعمل هذه القوي السياسية والدينية علي تشويه صورة المسلمين والخلط بين الاسلام كعقيدة ودين, وبين ما يعاني المسلمون منه من جهل واستبداد سياسي وحرمان من حقوق الانسان, وأضيف الي ذلك استغلال جرائم الارهاب لاضافة تهمة أكثر بشاعة الي الاسلام وقد نجحت الحملات علي الاسلام, في تنمية النفور من الاسلام ومن المسلمين لدي قطاعات من شعوب الغرب التي تكون مواقفها بالاعتماد علي ما يقدمه الاعلام. والعداء للاسلام قديم منذ البداية, وفي القرآن إشارات الي الافتراءات والاعتداءات التي تعرض لها الدين الاسلامي وتعرض لها الرسول صلي الله عليه وسلم الي حد الايذاء البدني وشن الحروب عليه وعلي اتباعه, وبعد ذلك تكررت علي مر التاريخ الادعاءات بأن الاسلام أخضع الناس بالسيف وارغمهم علي اعتناق هذا الدين بالاكراه ولاتزال هذه التهمة تستعمل حتي من بابا روما الحالي, وفي الوقت الحالي أخذ العداء للاسلام يتجه الي تبرير العدوان المسلح والتدمير في بلاد المسلمين( العراق افغانستان) وتهديد بلاد أخري( ايران السودان) وممارسة الضغوط علي بقية البلاد الاسلامية دون استثناء, والحال الآن أن الحروب المسلحة اتجهت فقط الي بلاد اسلامية, وليس في سجون الولاياتالمتحدة واوربا ممارسة للتعذيب الا مع المعتقلين المسلمين( جوانتانامو ابو غريب المعتقلات السرية في عدد غير قليل من الدول الخاضعة للنفوذ الامريكي). وفي الكتابات الغربية محاولات مستمرة لإعادة إحياء ذكريات غزو جيوش المسلمين لأوروبا وحصار جيش الامبراطورية العثمانية( مدينة فيينا) عاصمة النمسا ووصولها الي جنوبفرنسا, وذكريات الحروب الصليبية علي أنها كانت من أجل تحرير القدس من الاحتلال الاسلامي(!) ومن الغريب أن نجد اليوم من يعيد تذكير الغربيين ما قاله جلادستوت السياسي البريطاني الشهير: لن تستطيع أوروبا أن تسيطر علي دول الشرق ولن تعيش في أمان طالما بقي هذا القرآن حيا وما قاله شبنجلر الفيلسوف الألماني الشهير في كتابه أفول الغرب: إن حضارة الاسلام أوشكت علي الانتشار. والاسلام يملك قوي روحية هائلة وما قاله المفكر الأمريكي جاردني: إن القوة التي تكمن في الاسلام هي التي تخيف الغرب. ونلاحظ أن بعض المعلقين في الصحف الامريكية يستشهدون بما قاله المؤرخ الأشهر بول ديورانت اذا وصفنا رجلا بالعظمة بمعيار ما يكون للرجل من أثر علي الناس, فإن محمدا( صلي الله عليه وسلم) كان أعظم عظماء التاريخ.. أو ما قاله ديكنز المؤرخ الكبير في كتابه الموسوعي معالم تاريخ الانسانية: إن الاسلام ساد وانتشر لأنه أفضل نظام اجتماعي وسياسي ظهر في التاريخ. هذه المواقف من كبار مفكري الغرب يجري توظيفها لإثارة المخاوف وللتحذير من خطورة الاسلام علي الغرب وقد تبلورت هذه المواقف في النهاية في نظرية صراع الحضارات التي تجد في الغرب كثيرين يؤمنون بها ولا يقتنعون بما يقوله المفكرون الرافضون لها. أذكر أني قابلت منذ سنوات وزير الخارجية الألماني( كينكل) وسألته: هل تصدق أن الاسلام خطر علي الغرب؟ ودهشت لسرعة إجابته: نعم.. طبعا.. المسلمون هناك علي الجانب الآخر من المتوسط وهم يصلون إلينا بطريقة أو بأخري ويسببون لنا المتاعب ويقومون أحيانا بأعمال تخريب وإرهاب.. الخ. ومع الأسف فإن أصوات المفكرين الكبار التي ترفض حملات العداء للاسلام لم تؤثر في العقول في الغرب بدرجة كافية, وغطت عليها قعقعة الدبابات وانفجارات الصواريخ وانهيارات البيوت علي أصحابها وحمامات الدم في أرض المسلمين. ولقد تعلقنا بالأمل في إنصاف الاسلام بعد أن تعهد الرئيس الأمريكي باراك أوباما في خطابه في جامعة القاهرة بالعمل علي القضاء علي الصورة السلبية للاسلام في الولاياتالمتحدة, لكن قادة الدول الأوروبية لم يتعهدوا بالقيام بهذا الواجب مع أن دول الغرب جميعها تعلن أنها نصيرة للحرية الدينية وحقوق الانسان والتسامح وقبول الآخر.. الخ. هل ينجح أوباما في تنفيذ ما تعهد به وتعود روح التسامح لتسود في أمريكا؟ وهل تتوافر الإرادة لدي قادة أوروبا للقيام بهذه المهمة الانسانية لحماية أمنها وأمن المسلمين ولتأمين مصالحها أيضا؟ سوف ننتظر لنر.. والمسلمون جميعا في حالة انتظار!