إدراج 51 جامعة مصرية بتصنيف "التايمز" 2025 للأكثر تأثيرًا في تحقيق أهداف التنمية المستدامة    فتح باب التقديم للالتحاق بمدرسة مياه الشرب والصرف الصحي بالمنوفية 2025    رئيس الرقابة النووية: مفاعل ديمونة لا يشكل خطرًا.. والضبعة من الأكثر أمانًا عالميًا    أسعار العملات الرقمية اليوم.. ارتفاع طفيف في بيتكوين وتراجع بسولانا وكاردانو    محافظ السويس يؤكد أهمية التحلي بالصدق والشفافية في نقل المعلومات إلى متخذي القرار    جولة ميدانية لنائب محافظ الجيزة بمركز البدرشين.. صور    الأمين العام للاونكتاد: الاستثمار الأجنبي المباشر عالميا تراجع للعام الثاني على التوالي نتيجة للتوترات الجوسياسية    مصادر طبية فلسطينية: 72 شهيدا بنيران الاحتلال في قطاع غزة منذ فجر اليوم    إسرائيل تقر باستمرار قدرة إيران على إطلاق الصواريخ    الأمن يضبط المتهمين بالتعدي بالضرب على طالب في القاهرة    محمد رمضان يغادر المحكمة بعد التصالح في واقعة تعدى نجله على طفل    السجن المشدد 15 عاما لعاطل يروج المخدرات في الإسكندرية: 500 طربة حشيش في حقيبتين    القاهرة الدولي للمسرح التجريبي يستعد لدورته ال32    في آخر 24 ساعة.. تعرف على إيرادات فيلم "المشروع x" ل كريم عبدالعزيز    غدا قصور الثقافة تطلق قافلة ببرج العرب لدعم الموهوبين    أفضل طرق خسارة الوزن بدون حرمان    مجموعة الأهلي.. لعنة أتالانتا تطارد إنتر ميامي ضد بورتو في مونديال الأندية    الأهلي وبالميراس.. صدام متكافئ و3 غيابات تهدد المارد الأحمر    محافظ القاهرة: أعلى قيمة لساعة انتظار السيارات 10 جنيهات    الصحة": نستهدف المشاركة في مبادرة الاتحاد الأفريقي لتوفير 60% من احتياجات القارة من اللقاحات البشرية مُصنعة محليًا بحلول عام 2040    إصابة 5 أشخاص بحادث تصادم سيارتين في الفيوم    ليفركوزن يفاوض مدافع ليفربول    الرئيس اللبناني: قررنا زيادة قوات الجيش في جنوب الليطاني إلى 10 آلاف جندي    رئيس الوزراء: الخميس 26 يونيو إجازة رسمية بمناسبة رأس السنة الهجرية والخميس 3 يوليو إجازة بمناسبة ذكري ثورة 30 يونيو    10 مشاهد من مران الأهلي الختامي قبل مواجهة بالميراس البرازيلي    تفاصيل الاجتماع الفني لمباراة الأهلي وبالميراس    البورصة تعلن قيد أسهم "سولار سول للطاقة" بشكل مؤقت ب 25 مليون جنيه    ئيس الوزراء يقوم بجولة فى مشروع تصنيع أجهزة شاشات التليفزيون والهواتف المحمولة بمصنع "صافي جروب" ب 6 أكتوبر    موعد التقديم وسن القبول في رياض الأطفال وأولى ابتدائي بالأزهر 2025    شيخ الأزهر لوفد طلابي من جامعتي جورج واشنطن والأمريكيَّة بالقاهرة: العلم بلا إطار أخلاقي خطر على الإنسانية.. وما يحدث في غزة فضح الصَّمت العالمي    ضبط 7 قضايا مخدرات وتنفيذ 818 حكمًا قضائيًا خلال حملات أمنية بأسوان ودمياط    ننشر نتائج الطلبة المصريين بالخارج من مرحلة الابتدائي وحتى تانية ثانوي    «منخفض الهند الموسمي» | ظاهرة جوية تلهب ثلاث قارات وتؤثر على المناخ    نتائج جهود الأجهزة الأمنية بالقاهرة في مجال مكافحة جرائم السرقة    ترحيل إجازة 30 يونيو 2025.. قرار رسمي بالتفاصيل    الرقابة النووية والإشعاعية تستهل حملتها التوعوية من مدينة بنها لطمأنة الجمهور ومجابهة الإشاعات في ظل الاحداث الإقليمية    الكرملين: دخول الولايات المتحدة في الصراع الإسرائيلي الإيراني بالغ الخطورة    أحمد الجنايني يرد على شائعات ارتباطه ب أيتن عامر    الدموع تغلب ماجد المصري في حفل زفاف ابنته | صور    بعد تداول أنباء ارتباطهما.. 10 صور تجمع أحمد مالك وهدى المفتي    فاتتني صلاة في السفر كيف أقضيها بعد عودتي؟.. الأزهر للفتوى يوضح    ما حكم تشغيل صوت القرآن أثناء النوم؟.. أمين الفتوى يجيب    إسرائيل: قصفنا مفاعل آراك ومواقع نووية في بوشهر وأصفهان ونطنز    إنهاء العقد.. قانون العمل يوضح مصير العامل حال العجز الكامل أو الجزئي    الصحة: الارتفاع غير المبرر بالولادات القيصرية يؤثر سلبًا على جهود الدولة    وزير الصحة يترأس الاجتماع الأول للمجلس الوطني للسياحة الصحية    حمدي فتحي: نسعى لتحقيق نتيجة إيجابية أمام بالميراس    الرزق ليس ما تملك..بل ما نجاك الله من فقده    محافظ الدقهلية يستقبل نائب وزير الصحة للطب الوقائي    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 19-6-2025 في محافظة قنا    خارجية أمريكا: نطالب جميع موظفى السفارة فى تل أبيب وأفراد عائلاتهم بتوخى الحذر    بونو يحصل على التقييم الأعلى في تعادل الهلال وريال مدريد    وسط تصاعد التوترات.. تفعيل الدفاعات الجوية الإيرانية في طهران    هل الحسد يمنع الرزق؟.. الشيخ خالد الجندي يوضح    ريبييرو: مواجهة بالميراس صعبة.. وسنبذل قصارى جهدنا لتحقيق الفوز    خالد الغندور يكشف صدمة للأهلي بسبب مدة غياب طاهر    كوريا الشمالية عن الهجمات الإسرائيلية على إيران: تصرف غير قانوني.. وجريمة ضد الإنسانية    تامر حسني وهنا الزاهد يتألقان في دور السينما المصرية ب "ريستارت"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اسمعي يا مصر

مقالة كتبها العلامة المفكر الكبير أبو الحسن الندوي رحمه الله أحد علماء الهند الكبار إبان زيارته لمصر في ذلك الوقت ( بمجلة الرسالة عدد 922 بتاريخ م مارس 1951م ) ليحي في مصر ويشيد بدورها ومكانتها ودورها في العالم العربي والإسلامي مقدما لها النصيحة المخلصة الصادقة لكي تنهض وتقود الشرق ، وقائلا لها : هذه تحيتي إليك يا مصر العزيزة فتقبليها ، وهذه آمالنا فيك فحققيها ، وكلمة مرة الأخير فتحمليها ، وهذه معذرتي إليك فاقبليها..
***
اسمعي يا مصر
أبو الحسن على الحسنى الندوى
أحييك يا مصر بتحية السلام وأحيي فيك الزعامة للعالم العربي . الزعامة التي كانت عن جدارة واستحقاق ، لا عن احتكار واغتصاب ، وإنك تحلين اليوم في العالم العربي محل السمع والبصر ، ومحل العقل والفكر ، رضي به الناس أم لم يرضوا ، ولكن الواقع لا ينكر .
- أُحَيِّى فيك يا مصر نفاق سوق العلم ورواج بضاعة الأدب ، وتقدير رجال العلم والفن ، فقد أنجبتهم واحتضنتهم ودافعت عنهم ، وحدبت عليهم ، فهم أبناؤك البررة وأنت الأم الحنون .
- أحيى فيك الأزهر الشريف الذي كان ولا يزال المنهل المورود في الدين والعلم للعالم الإسلامي ، والذي لا يضارعه ولا يزاحمه في تقدم السن وطول العمر وامتداد الظل وكثرة الإنتاج معهد أو جامعة على وجه الأرض .
- أحيى فيك المكتبة العربية التي فاضت وامتدت كالنيل وأصدرت كتبًا ومطبوعات عربية لو وضع بعضها فوق بعض لكانت مثل الأهرام أو أرفع .
- أحيى فيك غيرتك على اللغة العربية وجهادك في إحيائها ونشرها ورفع شأنها وتوسيعها حتى أصبحت بجهود أدبائك وكتابك ، وبفضل الصحافة المصرية والحياة السياسية ، وبفضل حركة التأليف (( الترجمة والنشر )) وبفضل المجمع اللغوي ؛ لغة راقية عصرية علمية سياسية فنيه لا تقل في غزارة مادتها وقابليتها لتعليم العلوم العصرية والطبيعية والرياضية عن أي لغة من لغات الغرب .
- أحيى فيك عددًا مشرفًا من الأدباء والكتاب ، فيهم الكاتب المبدع ، والمترسل القدير ، والأديب الفنان ، والباحث الناقد ، والعالم الضليع ، والمؤرخ الأمين ، والفيلسوف الحكيم ، والمحدث اللبق ، والروائي المصور ، والمتهكم اللاذع ، والمضحك المطرب ، والمصلح المنتقد ، والشاعر المطبوع ، والسياسي المناقش ، والصحافي البارع ، إذا كتب أحدهم في موضوع ردَّد العالم العربي صداه ، وافتخر المتأدبون بتقليد أسلوبه والنسج على منواله ، واحتجوا به كما يحتج بشعر القدماء .
- أحيى فيك يا مصر هذا وغير هذا ، ولكن لي معك اليوم شأنًا آخر . إن لي معك كلامًا أرجو أن تلقى إليه سمعك وتشهد به قلبك فأنا ضيف قد نزل بك ، ومن حسن الوفادة وتمام الضيافة الاستماع إلى كلام الضيف والإقبال عليه بالسمع والقلب :
* * *
إن مسئوليتك يا مصر أوسع وأعظم من تأدية رسالة الأدب وخدمة لغة العرب ، وما تجودين على الأقطار العربية الشقيقة برشحات الثقافة الأوربية وفتات المدنية الغربية . إنك بين آسيا وأوربا فأنت ملتقى الثقافتين ومجمع البحرين . إنك وسط بين مهد الإسلام ومشرق نوره ؛ وبين مولد الحضارة الغربية ومبعث العلوم المصرية ، فعليك مسئولية القارئين ، وعندك رسالة الثقافتين .
- فأما مسئولية آسيا والأقطار العربية فلا تخرجين منها يا مصر حتى تكوني قنطرة تعبر عليها إلى البلاد العربية تجارب أوربا وعلومها ونشاطها وكدحها في الحياة وجهادها للبقاء ، هنالك تقومين برسالتك ووظيفتك لهذه البلاد العزيزة التي ترتبطين بها برابطة دينية وروحية وثقافية وسياسية .
- وأما مسئولية أوربا فلا تخرجين منها حتى تبلغي رسالة الجزيرة العربية – وهي الإسلام الذي احتضنته من زمان – إلى أوربا ، وحل المشاكل التي أعيت كبار المفكرين وأتعبت عظماء المشرعين ، وبذلك تؤدين واجبك المقدس نحو هذه القارة الأوربية التي استوردت منها شيئًا كثيرًا من العلم والمصنوعات والمنتجات ، ونظمت عليها مدنيتك وحياتك تنظيما جديدًا ، وتحسنين إليها أكثر مما أحسنت إليك وتصدرين إليها أفضل مما صدرت إليك .
* * *
إنك يا مصر قد بنيت القناطر الخيرية فانتظم الري وازدهرت الزراعة وأخصبت البلاد ؛ وأريد أن تبنى قنطرة خيرية أخرى هي أكبر القناطر في العالم وأنفعها ، تصل بين بحرين لم يزالا منفصلين ، وبين حضارتين لم تزالا متنافستين ، وبانفصالهما وتنافسهما شقي العصر الجديد ، فلو أنك وصلت بينهما وكنت قنطرة تتبادل بها القارتان خيراتهما ومحاسنهما ؛ وفرت على الإنسانية جهودًا وأوقاتا كثيرة وصنتها من الضياع كما أن قناطرك الخيرية وفّرت على مصر مياها كثيرة ونظَّمت أمر الري .
لقد كان حفر قنال السويس أكبر حادث في التاريخ العصري غير مجري التاريخ وأحدث انقلابا في السياسة والتجارة ؛ ولكن من يستطيع أن ينكر أن شقاء الأمم الشرقية كان أعظم وأعظم من سعادتها ، وأنها لم تجن من السويس إلا عبودية واستعمارًا .
والعالم الآن في حاجة إلى قنال آخر ، قنال التعارف الصحيح والتبادل المتوازن ، وإليك وحدك يا مصر ، القيام بهذه الميزة العظيمة لمكانك الجغرافي وأهميتك السياسية وثروتك الثقافية ومركزك الروحي .
* * *
تعلمين أن دولة لا تتزن ميزانيتها ولا تتحسن أحوالها الاقتصادية إلا إذا وجد توازن بين حركة التصدير والتوريد ، أو كان تصديرها أكثر من توريدها ، ولكننا في الشرق نورد أكثر مما نصدر ، وكان السويس أكبر مطية من مطايا هذا التوريد ، فلا نريد قنطرة أو قنالا يكون معبر البضائع الأجنبية من أفكار وآراء وفلسفات وأخلاق إلى أعماق الشرق وأحشائه ، بل نريد قنالا يساوي بين التوريد والتصدير ، ويصدر أفضل ما عند الشرق الإسلامي من رسالة وعقيدة وخُلق وعلم ، ويورد أحسن ما عند الغرب من منتجات ومصنوعات وتجار واكتشافات ومرافق الحياة ، فكوني يا مصر ذلك القنال الأمين العادل الذي لا يسمح بالمرور إلا للصالح الفاضل .
* * *
إن لك يا مصر بدرين ، فخذي من الغرب ما فاق فيه من علم وتجربة فالحكمة ضالة المؤمن ، ومُدِّى إليه يدا أخرى ، يد المساعدة والكرم ، وجُودي عليه بما أنعم الله عليك من نعمة الإيمان وشرف الإسلام فذلك الذي لا يملكه الغرب ولا يستغنى فيه عنك ، وقد انهي به إفلاسه فيه إلى ما ترين من فوضى وانحلال ، فتصدقي عليه بهذا الإيمان ورسالة الروح ، ولا تنسى أبدًا أن اليد العليا خير من اليد السفلى .
كوني يا مصر رسول الإسلام إلى الغرب ، واحملي إليه رسالة محمد صلى الله عليه وسلم ، تلك الرسالة التي حملها العرب إلى الأمة الرومية والأمة الفارسية فأنقذتها من مخالب الموت وأفاضت عليهما ثوبًا قشيبًا من الحياة ولونا جديدًا من النشاط ، وليس الغرب أقل حاجة إلى هذه الرسالة وهو في دور التفكك وتنازع الموت والحياة من الأمة الرومية والفارسية إليها . وقديمًا اختار الملوك وأصحاب الرسالة السماوية رسلا من عشيرتهم والأقربين إليهم ، ولك من إبراهيم وإسماعيل ومحمد صلى الله عليه وسلم رحم ماسة وقرابة خاصة ليست لقطر من الأقطار الإسلامية بعد الجزيرة العربية .
* * *
إن أوربا قد شاخت ونضجت كالفاكهة التي أدركت وضعف الغصن عن حملها ، فاستعدي يا مصر الإسلامية لتحلى محلها في الزعامة العالمية وقيادة الأمم ، وما ذلك بعزيز ولا بمستحيل ، إذا تم استعدادك الروحي والخلقي والمادي .
وإذا كانت أوربا قد احتفظت بالقيادة العالمية هذه المدة الطويلة وليست عندها رسالة عامة للإنسانية ولا دعوة مخلصة لأمم العالم وعندها كل ما يضعف ثقة العالم بها من وطنية وعنصرية وتقديس للنسل الآرى وإدلال باللون الأبيض ونزعة تجارية واستعمار ، فكيف لا يرضى العالم بقيادتك وعندك الرسالة التي تضمن سعادة العالم كله ، ودين لا يفرق بين الأوطان والعناصر والألوان ؟
* * *
احرصي يا مصر على رجولة أبنائك وأخلاقهم ، وصوني شبابهم وشرفهم ودينهم وصحتهم من أن يعبث العابثون أو يتّجر بها المتجرون ممن يعيشون على أثمان الأعراض والأخلاق ، ويحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لتروج بضاعتهم وتزدهر تجارتهم ، أولئك هم أصحاب الروايات الخليعة والصور العارية والأدب المكشوف ، فإنك يا مصر في محل الزعامة والقيادة للشرق الأوسط وفي طريقك إلى الزعامة والقيادة للعالم الإسلامي ، ولا تأتي الزعامة والسيادة إلا بعد الاستقامة والثبات في مزالق الإنسان ، والنجاح البارز في امتحان العفة وطهارة الأخلاق ، واذكري قصة يوسف التي مرت على أرضك ، ووقعت بين سمعك وبصرك ، كيف ثبت في الامتحان وكيف حافظ على دينه وعفته ، فكانت نتيجة ذلك الثقة والاعتماد والسيادة والملك ، واقرئي إن شئت { وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ } [ يوسف : 56 ] بل ولا حياة ولا شرف إلا بالرجولة والأخلاق ، فكيف وأنت في ميدان القتال وساحة الجهاد فلابد أن تحفظي وصية قائدك الكبير سيدنا عمرو بن العاص وتذكري ما قال لخلفائه في أرضك (( واعلموا أنكم في رباط إلى يوم القيامة لكثرة الأعداء حولكم وتشوف قلوبهم إليكم وإلى داركم )) .
فكافحي يا مصر الوباء الخلقي الذي يقضي على حيوية الأمة أشد مما تكافحين الكوليرا الذي يقضي على حياة بعض الأفراد ؛ وطاردي كل من يحاول أن يزعزع العقيدة في شعبك ، ويزلزل الإيمان ويفسد الخلق ، أشد مما تطاردين من ينشر الوباء أو يسبب الأمراض أو ينقل إلى أرضك الكروب ، فلم نسمع أن الأمة الرومية العظيمة ماتت وبادت بسبب وباء أو مرض ، وأن اليونان اجتاحهم مرض من الأمراض ، ولكنا قرأنا في التاريخ وشهدت أنت أن هذه الأمم كانت كلها فريسة التفسخ الخلقي والأمراض الاجتماعية ، فاحذري يا مصر – صانك الله وحرسك – هذا المصير المؤلم .
* * *
إن العالم العربي قد أحلك يا مصر من نفسه محلا رفيعًا ووضع ثقته فيك وفتح لك أذنيه وعينيه ، فاتقي الله يا مصر فيمن ائتمنك ووثق بك في نفسه وعقله ، ولا تصدري إليه من أدبك ومطبوعاتك ما يزرأه في إيمانه وأخلاقه وقوته المعنوية وروحه ، كما لا ترضين ولا ترضي كرامتك ومروءتك أن تصدري إلى زبائنك من الدول والبلاد الحبوب المسمومة والفواكه الموبوءة ولا تقبلين أن يصدرها إليك أحد ، وصدقيني يا مصر العزيزة أن هذه الروايات الخليعة والأدب الماجن أفسد وأضر للأمة والحياة من الحبوب المسمومة والفواكه الموبوءة .
إنك زعيمة العالم العربي فلا تغلبنك النزعة التجارية ولا تغرنك المنافع المؤقتة ، فلا يكون زعيما ولا يكون عظيما من يؤثر العاجل على الآجل ، والمنفعة الفردية على المنفعة الاجتماعية . والأثرة على الإيثار .
إنك يا مصر من أغني بلاد الله ، ولست أعني بالغني خصب الأرض وكثرة الموارد ، وإنك لغنية فيها من غير شك ، ولكني أعني غناك في المواد الخامة وهي الشعب الذي توفرت فيه المواهب والقوى ، خصوصًا ما يسكن منه في أريافك ، فهي المناجم التي لا تزال مدفونة ، والمعادن التي لم تستخرج بعد ، هذا الشعب قوي الإيمان قوي الشخصية ، قوي الجسم ، فلو أنك أحسنت تعليمه وتربيته وأفدت من هذا الإيمان ووضعته في محله لكان حارسك الأمين وجندك القوي وثروتك العظيمة .
* * *
قد اختارك الله يا مصر قارة من أوسع القارات وأكثرها مواد خامة هي القارة الإفريقية ولا يزال جزء كبير منها على سذاجته وفطرته ، ولا تزال فيها أمم على الجاهلية والوثنية ، وعلى الجهالة والضلالة ، ولا تزال فيها أمم كاللوح الصافي يكتب الإنسان فيه ما يشاء ، وهذه الأجزاء من القارة وهذه الأمم خير حقل لجهودك وتربيتك ، وخير أرض لزراعتك وغرسك .
فأرسلي إليها دعاتك المبشرين ورجالك المصلحين ، وعلماءك المرشدين وأبناءك المعلمين ، يبلغونهم الدين ويتلون عليهم آيات الله ويعلمونهم الكتاب والحكمة ، وبذلك تنفذين بإذن الله نفوسًا كثيرة من النار ، وتخرجينها من الظلمات إلى النور ، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها ، وتكتسبين قلوبًا نقية وأرواحًا فتية وأجسادًا قوية ، ويكون ذلك خيرًا لك من هذه الأمم والدول الغربية التي تخطبين ودها وتحرصين على صداقتها ، وهي لا تدوم على حال بل تجري وتدور مع أغراضها المادية ومصالحها السياسية ، فيومًا هي معك ويومًا مع أعدائك ، وإذا كانت معك لم تكن بإخلاص وصدق ، وإنما هي المطامع والمصالح . وما أضعف الصداقة التي تقوم على المطامع والأعراض !
* * *
وأخيرًا : أريد أن أقول في أذنك يا مصر إن لله في خلقه شؤونا وأنه أعظم غيرة من كل غيور وأنه لا يعطي نعمة دينه إلا من يعظمها ويجلها ويقدرها حق قدرها ، فإذا رأى منك استغناء عن الدين وما ينبئ عن احتقار لشأنه واستصغار لأمره وزهدًا في الإسلام ، وانصرافًا عن خدمته وتقصيرًا في أداء رسالته واعتزازًا لمبدأ غير الإسلام وتشرفًا بغير محمد عليه الصلاة والسلام استغنى عنك – على مآثرك السابقة وثروتك الضحمة ومدنيتك الفخمة – { سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً } [ الأحزاب : 62 ] وجاء لخدمة الإسلام وقيادة الأمم الإسلامية بأمة لم تخطر منك على بال تعتز بالدين وحده وتتشرف برسالة الإسلام وتتشبع بحب محمد عليه الصلاة والسلام وتلتهب غيرة دينية وحماسة إسلامية وتجاهد في سبيل الله ولا تخاف لومة لائم .
وإن الله تعالى حذر العرب الأولين وقال لنبيه صلى الله عليه وسلم { فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ } [ الأنعام : 89 ] وقال للمسلمين العرب { وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ } [ محمد : 38 ] ولله جنود السموات والأرض ، وفي كنانة الإسلام سهام لم يرها أحد ولا تخرج إلا في وقتها . ومن يدري فلعل شمس الإسلام تطلع من المشرق وهذه أمم إسلامية فتية على سواحل المحيط الهندي وفي جزره تتحفز للوثوب وتتهيأ لقيادة العالم الإسلامي ، فاحتفظي يا مصر العربية بمكانتك ومجدك ولا تأمني دورة الأيام ولا تأمني مكر الله {ِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ } [ الأعراف : 99 ] .
هذه تحيتي إليك يا مصر العزيزة فتقبليها ، وهذه آمالنا فيك فحققيها ، وكلمة مرة الأخير فتحمليها ، وهذه معذرتي إليك فاقبليها ، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته .
أبو الحسن على الحسنى الندوي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.