شهدت السنوات الأخيرة تصعيدا مستمرا ضد د. طه حسين وعدد لابأس به من رموز حركة التنوير وتحديث الثقافة المصرية. فباتت بعض مواقع الانترنت ساحات مفتوحة للتطاول. لا للنقد الموضوعي علي العقاد والحكيم ونجيب محفوظ والشرقاوي وجاهين وغيرهم. ومن المؤسف أن هذه الحملات المسيسة والتي تعبر عن انتماءات لاتمت بصلة لمفهوم النقد الموضوعي أو السجال الفكري الشريف قد تسربت للساحة المصرية لنفاجأ في الاسبوع الماضي بمطالبة البعض بإلغاء تدريس أيام طه حسين باعتبارها تسيء للأزهر الشريف.(!!). ففي سياق عمليات التجريف العقلي وتغييب الوعي والقراءات السطحية يصبح من المنطقي تجاهل المكانة التي تتبوأها الأيام في عالم الأدب وتحديدا فن كتابة السيرة الذاتية باعتبارها تحفة إبداعية وطرازا فريدا من السيرة, تستجلي فيها الأنا حياتها في الماضي لتستقطر منها ماتقاوم به تحديات الحاضر, لتصبح العلاقة بين عقبات الماضي وتحديات الحاضر اداة اكتمال المعرفة الذاتية. والحقيقة أن الحملة الأخيرة التي ارتبطت باسم د. طه حسين تردنا إلي ماأشار إليه عميد الأدب العربي قبل72 عاما في كتاب مستقبل الثقافة,( الذي لم ينج بدوره من الهجوم عليه حيث اعتبره بعض المثقفين الكتاب الذي بلغ فيه طه حسين قمة التغريب), فقد رأي د. طه حسين أن حل مشكلات المجتمع يكمن في الثقافة, أو ما أطلق عليه بنية الوعي العام وبأن يتم ذلك عن طريق التعليم الذي كان يعد أوسع قنوات التأثير آنذاك1938 , وأقدرها علي إحداث تغييرات جوهرية. فكانت دعوته إلي نشر العلم والمعرفة, ووضع معايير تحكم الاختيار بين القديم والمعاصر إذ يجب ألا نرفض القديم لكونه قديما فقط, ولا أن نرحب بالجديد لكونه جديدا ومعاصرا. كما سعي د. طه حسين لإحياء الشخصية المصرية بمكوناتها الحضارية والثقافية الممتدة, وتحديد مفهوم الأنا والآخر, ونفي الالتباسات الثقافية, وتحديد مصادر تهديد الهوية التي لاتتأتي من التهديد الخارجي فحسب بل ومن الداخل, فيقول:( الشعب ليس معرضا للخطر الذي يأتيه من الخارج حيث يغير عليه الأجنبي الطامع فحسب, ولكنه معرض للخطر الذي يأتيه من الداخل حين يفتك الجهل بأخلاقه ومرافقه, ويجعله عبدا للأجنبي المتفوق عليه في العلم).( مستقبل الثقافة في مصر ص128). وفي نفس السياق استكمل د. طه حسين ملامح مشروعه الثقافي المرتكز علي فلسفة ابن خلدون وعدد من المفكرين الفرنسيين إذ يقول ينبغي تجاوز حدود الجهل والتأخر باتجاه فضاءات العلم والتقدم, ثم يشير إلي أن الحدود ليست جغرافية, بقدر ما هي حدود فكرية, بين الجهل والعلم, وبين التأخر والتقدم, وبين الاستبداد والحرية, ليوضح أن الحضارة هي غاية البشرية. هكذا تحدث د. طه حسين قبل72 عاما ومنذ ذلك الحين لم يتوقف الحديث عن مستقبل الثقافة ولا عن المتغيرات والتحديات التي تواجهها الحركة الثقافية, والتي باتت اليوم تكتسب أهمية أكبر في ظل المستجدات التي يفرضها الواقع المجتمعي وحملات التخوين, والقراءات المغلوطة للأعمال الفكرية والإبداعية. واليوم مع اقتراب موعد انعقاد مؤتمر المثقفين في نهاية هذا الشهر لرسم صورة لسياسة مصر الثقافية خلال الأعوام العشرين المقبلة, تفتح دنيا الثقافة ملف الحركة الثقافية في مصر, والتحديات التي تواجهها من خلال عيون المثقفين لنتلمس الطريق للوصول لرؤية حقيقية توصف الواقع الثقافي, وتسعي لوضع خطة للنهوض به, لوصل ماانقطع, وللتحرك صوب مشروع حضاري يصحح المسار ويواجه تحدياتنا الآنية, وهمومنا المزمنة.