يشير تقرير برلماني فرنسي الي ان سوريا لم تستجب.. علي الأقل بالقدر الكافي.. لمبادرات الانفتاح التي اتخذت تجاهها سواء من جانب فرنسا والدول الغربية. أو من جانب دول عربية يصفها بالمعتدلة وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية. وربما كان ذلك.. ضمن أسباب اخري في أن العلاقات الفرنسية السورية.. تمر حاليا بفترة من الفتور.. بعد الدفعة الانفتاحية الكبيرة.. التي شهدتها عامي2008 و.2009 بعض المراقبين يرجعون ذلك الفتور أيضا الي حقيقة ان سوريا.. قد رفضت قيام فرنسا بدور الوسيط في المفاوضات غير المباشرة بينها وبين اسرائيل.. وهو ما أعلنه الرئيس السوري بشار الأسد نفسه من قصر الاليزيه.. في رده علي سؤال حول احتمال ان يكون الاسرائيليون قد طلبوا من فرنسا لعب هذا الدور وقوله انهم اذا كانوا يريدون شيئا فلديهم الوسيط التركي.. الأمر الذي يحمل في طياته رفض الوسيط الفرنسي.. بينما كانت فرنسا في رأي البعض تأمل المشاركة بشكل مباشر في عملية السلام عبر هذه البوابة السورية.. وهناك أيضا الانطباع بأن سوريا وان كانت قد خرجت من لبنان من البوابة الرسمية.. فإنها قد عادت اليه مرة أخري من البوابة الخلفية وفرضت شبكة نفوذ جديدة غير عادية علي هذا البلد. المراقبون يشيرون ايضا الي ان اخر زيارة قام بها كوشنير وزير الخارجية لدمشق ولقاءه بالرئيس الأسد.. لم تكن ايجابية.. سواء فيما يتعلق بلبنان وأوضاعه.. أو بمسألة صواريخ سكود التي زعمت اسرائيل ان سوريا قد نقلتها الي حزب الله. فتور اذن في العلاقات.. يأتي بعد الانطلاقة التي شهدتها في2008 و2009 والتي تميزت بزيارات ومبادلات مكثفة وعلي أعلي المستويات.. مبادرات جاءت بعد سنوات من القطيعة السياسية شهدتها الفترة الاخيرة لعهد الرئيس السابق جاك شيراك بسبب عملية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري... والذي كانت تربطه بشيراك روابط وثيقة للغاية.. نقول القطيعة السياسية وليست الدبلوماسية لان الاتصالات الدبلوماسية علي مستوي السفارات لم تتوقف ولم تنقطع اليزابيث جيجو.. الوزيرة السابقة في عهد الرئيس ميتران. والنائبة البرلمانية في الجمعية الوطنية... ورئيس بعثة تقصي الحقائق في سوريا.. تؤكد حقيقة ان ساركوزي كان مبادرا وسباقا في سياسة الحوار والانفتاح علي سوريا.. وعلي ترحيب البرلمانيين يمينيين ويساريين بهذا الخيار من جانب الرئيس الفرنسي.. وهي سياسة لم تكن في البداية تحظي بالترحيب من جانب واشنطن... ولكنها مالبثت ان لحقت بها.. كما لحقت بها أوروبا.. خيار ساركوزي.. وفق بعض التقارير.. كان وراءه مستشاره الأول.. وموفده المميز للرئيس السوري.. كلود جيبان انطلاقا من قناعة.. بأن مواصلة سياسة عزل سوريا لاتؤدي الا الي المزيد من الراديكالية في مواقفها.. والمزيد من ارتباطها وقربها من ايران. وان كان هناك في المقابل من ينتقدون هذه السياسة.. سياسة اليد الممدودة من جانب واحد في اتجاه سوريا.. والتي تضع حدا للعزلة التي كانت مفروضة عليها.. وتدخل في علاقات مكثفة معها.. دون ان تقدم سوريا اي شيء في المقابل؟! هذا في رأي المنتقدين. وربما كان هذا هو السبب في ان الانفتاح الأمريكي علي دمشق.. مازال محدودا ولم يكتمل.. وكذلك في ان بعض الدول العربية المسماه بالمعتدلة مازالت تتردد وتتحفظ في انفتاحها. غير ان التقرير الصادر عن الجمعية الوطنية بعنوان أي طريق لسوريا والذي قدمته اليزابيث جيجو يرد علي ذلك ويعدد ما حققته. أو بعض ما حققته سوريا.. الدور البناء الذي لعبته من أجل ضمان عودة الهدوء الي لبنان في مايو2008 بعد سنوات من الاضطرابات والمجابهات والاغتيالات.. التي شهدها هذا البلد.. وكذلك اجراء الانتخابات البرلمانية وتشكيل حكومة الوحدة الوطنية وتبادل التمثيل الدبلوماسي أو السفارات مع لبنان ناهيك عن مراقبة حدودها مع العراق لمنع تسلل المتطرفين والانتحاريين. ومن هنا لا يمكن القول بأن سوريا إمتنعت عن تقديم المقابل.. وفي نفس الوقت أيضا... لا يمكن القول بأن سوريا قد قامت بكل الجهود المطلوبة منها... وخاصة فيما يتعلق بلبنان حيث مازال هناك الكثير الذي يجب عمله... فهي ابعد ما تكون عن التخلي عن نفوذها في هذا البلد... والعلاقات السورية مع لبنان... لم يتم تطبيعها بشكل حقيقي... وهي تظل تمارس نفوذا مباشرا أو غير مباشر علي لبنان... ويظل شعار الكثيرين.. دولتان لنفس الأمة... أو دولتان لنفس الشعب مسألة ترسيم الحدود لا تزال معلقة... ومشكلة المختفين أو المفقودين بالآلاف... لم تسويها سوريا حتي الآن... كل هذا تعترف به إليزابث جيجو... سوريا أيضا وفق التقرير البرلماني تواصل مساندتها للمنظمات التي تعتبرها قوي مقاومة..؟!... والمفهوم أن المقصود هنا بعض الفصائل الفلسطينية... وحماس... حيث تستضيف لديها بعض قياداته... وأيضا حزب الله... وبطبيعة الحال مطالب الغرب تتضمن دعوة سوريا للتخلي عن هذه المساندة؟! كما أن سوريا لم تبتعد بشكل واضح عن إيران... بل هي تدافع عن مواقفها وخاصة فيما يتعلق بملفها النووي... وهذا أيضا ضمن مطالب الغرب من سوريا؟! ويري المراقبون ان مطالب فرنسا والغرب من سوريا ربما كانت غير واقعية ومبالغا فيها فكيف يمكن أن تطالب دولة محتلة أراضيها وتعيش في حالة حرب منذ عشرات السنين... بأن تتخلي عن أوراقها الرابحة والتي لابد وأن تدعم مركزها في أية مفاوضات محتملة؟ الواقع أن البعثة البرلمانية الفرنسية برئاسة اليزابث جيجو... كانت أكثر واقعية وتفهما للظروف السورية.. فهي تقول أن سوريا تبدو محجمة عن التخلي عن بعض أساسيات وثوابت سياستها الخارجية والداخلية: النفوذ السوري في لبنان وبعض الأشكال التي يتخذها, ومعارضتها لإسرائيل, وتحالفها مع إيران وقوي المقاومة... كلها تعطي لسوريا عمقا استراتيجيا... وقدره علي الأزعاج... تفوق كثيرا ما يمكن أن يحققه جيشها أو شعبها أو اقتصادها... البعثة تتساءل عن ما إذا كان يتعين فعلا أن نتوقع أن تتخلي سوريا عن كل هذه الكروت؟.. كما تتساءل أيضا عما يمكن للغرب وحلفائه أن يقدموه لسوريا لكي تقدم مثل هذه التنازلات الأساسية... حيث أن الواقع والمشروع أن تكون سوريا مهتمة بالدفاع عن مصالحها... التقرير الصادر عن البعثة يشير إلي أن سوريا لم تتخل عن مساندتها لقوي المقاومة... لأن هذه المساندة تحقق لها شرعية دولية من ناحية, وتعاطفا من الشارع العربي من ناحية... وهو تعاطف يقويه عدم حدوث تقدم في عملية السلام... وفي هذا المجال فإن تركيز الاتحاد من أجل المتوسط علي تحقيق انجازات محددة... لا يجب أن يجعلنا ننسي أن هذا الاتحاد يجب أن يكون له بعد سياسي وهو البعد المجمد حاليا بسبب غياب حدوث تقدم في تسوية الصراع الإسرائيلي الفلسطيني... ويدعو البرلمانيون الفرنسيون إلي ضرورة القيام بمبادرة أوروبية ملحة ولا غني عنها لصالح التسوية... وهو أمر مطلوب بشدة من جنب الفلسطينيين ويمكن أن يكون له أثره الإيجابي علي سوريا. وإذا ما رأت الدولة الفلسطينية النور... وإذا ما تم التوصل إلي اتفاق يعيد الجولان إلي أصحابها... فإن سوريا لن تستطيع حينئذ تبرير مساندتها لقوي المقاومة التي لن تعود لها ضرورة... كما أن أساس تحالفها مع إيران... القائم علي معاداة إسرائيل سوف يختفي... بينما لن يكون أمام حزب الله... أحد ركائز النفوذ السوري في لبنان... سوي أن يتحول إلي قوة سياسية بين القوي الأخري... ويبتعد عن اولئك الذين يعتمد عليهم حاليا في سلاحه... سوريا تطور وتعدل من موقفها... وإن ببطء... ولكن في إتجاه إيجابي بشكل عام... وتقاربها مع الدول العربية المعتدلة بدأ يأخذ شكلا أكثر وضوحا... وإن ظل أمرا يتعين تأكيده... ويري التقرير البرلماني... أن سوريا لم تتغير في العمق... ولكن حركة تغيير قد بدأت... وهناك مقاومات داخلية لهذا التغيير تهدد بعرقلته... ولذا فإن فرنسا والأتحاد الأوروبي يجب ألا يدخروا جهدا في تشجيع هذا التطور... في نفس الوقت الذي يظلون فيه متنبهين لمسائل أساسية مثل احترام حقوق الإنسان وسيادة لبنان... ومن هذا المنطلق يؤكد البرلمانيون ضرورة أن تواصل فرنسا دعمها للجهود التي تبذلها سوريا من أجل تحديث اقتصادها... وبنيتها التحتية... وإدارتها... ومؤسساتها الثقافية والتعليمية.. وهم يرون أيضا ضرورة العمل علي التعجيل بإبرام اتفاقية الشراكة السورية الأوروبية وإعادة تحقيق التوازن فيها وأيضا سرعة انضمامها إلي منظمة التجارة العالمية... كما يجب إعطاء الأولوية للمشروعات المقترحة في إطار الاتحاد من أجل المتوسط التي تستهدف تحقيق التفاعل بين سوريا وجيرانها... ورغم أن البرلمانيين يؤكدون أنه مازال هناك الكثير الذي يجب عمله لتحقيق انفتاح سوريا علي بقية العالم... حيث يظل الهدف النهائي علي المدي الطويل هو أن تنضم سوريا إلي مواقف الدول المعتدلة في المنطقة ورغم أن الأستجابة السورية تظل دون المستوي... وبالرغم من أن العلاقات تمر حاليا بنوع من الفتور... إلا أن المؤكد والمحسوم هو أن تتواصل وتتعزز المبادرات الفرنسية الأنفتاحية علي سوريا... وإن يظل في الذهن وفي الاعتبار أن هناك صلات خاصة ووثيقة بين لبنان وسوريا يجب ألا ينساها أحد.