للشباب.. فرص عمل جديدة في عدد من الشركات الخاصة    وزيرة التضامن تبحث نتائج المرحلة الرابعة من مبادرة «ازرع» مع رئيس الطائفة الإنجيلية    المواد الغذائية: إنتاج الألبان يقفز شتاءً 30% والأسعار تتراجع بقوة    محافظ القليوبية: مبادرة حياة كريمة تساهم في تنفيذ 703 مشروعات تنموية بالقرى المستهدفة    رئيس الوزراء يتفقد مكتبة مصر العامة ومستشفى شبين القناطر المركزى    محافظ أسيوط يفتح بوابة استثمارات هندية جديدة    وزير الزراعة: الصادرات الزراعية المصرية حققت 8.8 مليون طن حتى الآن    السكك الحديدية تعتذر للركاب لهذا السبب    إريتريا تنسحب من "إيجاد" وسط قلق أممي إزاء التوترات مع إثيوبيا    إسرائيل تشن حملة اقتحامات واعتقالات واسعة في الضفة الغربية    مطاردة من القبر.. صور جديدة من تركة إبستين تقلق الكبار وأولهم ترامب.. صور    آخر مستجدات تطور العلاقات الاقتصادية المصرية الفرنسية بقيادة السيسي وماكرون    الزمالك يعود للتدريبات اليوم استعدادًا لمواجهة حرس الحدود    موعد مباراة برشلونة وأوساسونا في الدوري الإسباني.. والقنوات الناقلة    وزير الرياضة يطلق نصف ماراثون الأهرامات 2025    مواعيد مباريات اليوم السبت 13- 12- 2025 والقنوات الناقلة    بمشاركة مصطفى محمد.. نانت يتلقى هزيمة مذلة أمام أنجيه بالدوري الفرنسي    جهود مكثفة لرفع مياه الأمطار من شوارع مدينة كفرالزيات بالغربية    طقس غير مستقر حتى 18 ديسمبر.. الأرصاد تكشف خريطة الظواهر الجوية للأيام المقبلة    إصابة 4 أشخاص من أسرة واحدة بالاختناق إثر تسرب غاز بدمنهور    وزير الصحة ينعي طبيبة توفيت في حادث انقلاب سيارة بسفاجا    بيت الطين يتحول إلى قبر بالدير.. مأساة أسرة كاملة فى جنوب الأقصر    «السياحة والآثار» توضح حقائق هامة بشأن ما يثار حول المتحف المصري الكبير    إدراج معهد بحوث الإلكترونيات ضمن لائحة منظمة الألكسو لمراكز التميز العربية    افتتاح أيام قرطاج السينمائية بفيلم "فلسطين 36" للمخرجة آن مارى جاسر    الصحة: فاكسيرا توقع بروتوكول تطوير المعامل المركزية للرقابة على الإنتاج    نائب وزير الصحة تبحث مع «يونيسف مصر» اعتماد خطة تدريب شاملة لرعاية حديثي الولادة    تشويه الأجنة وضعف العظام.. 5 مخاطر كارثية تسببها مشروبات الدايت الغازية    "إفشال مصر" .. خطة كُتب لها النهاية    مقررة أممية: تكلفة إعادة إعمار غزة يجب أن تسددها إسرائيل وداعموها    اسعار الذهب اليوم السبت 13ديسمبر 2025 فى محال الصاغه بالمنيا    هشام أصلان في معرض جدة للكتاب: الهوية كائن حي يتطور ولا يذوب    معرض جدة للكتاب ينظم ندوة عن تحويل الأحداث اليومية البسيطة إلى قصص ملهمة    مواقيت الصلاه اليوم السبت 13ديسمبر 2025 فى المنيا.....اعرف مواعيد صلاتك بدقه    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : ولازالت مصطبة عم السيد شاهدة ?!    بعد زيادة التأمينات| تعرف علي موعد صرف معاشات يناير 2026    بسبب الكاتيل.. التحريات تكشف ملابسات حريق مستشفى الموظفين في إمبابة    خسوف كلي للقمر يتزامن مع رمضان 2026.. اعرف موعد وتفاصيل القمر الدموي    "يا ولاد صلّوا على النبي".. عم صلاح يوزّع البلّيلة مجانًا كل جمعة أمام الشجرة الباكية بمقام الشيخ نصر الدين بقنا    الدراسات الأفريقية بجامعة القاهرة تفتح ملف العدالة والتعويضات نحو مقاربة شاملة لإنصاف أفريقيا    محكمة بوليفية تأمر بسجن الرئيس السابق لويس آرسي 5 أشهر    " سلبيات الأميّة الرقمية وتحديات الواقع ومتطلبات سوق العمل ".. بقلم / أ.د.أحلام الحسن ..رئيس القسم الثقافي.. إستشاري إدارة أعمال وإدارة موارد بشرية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 13-12-2025 في محافظة قنا    اليوم.. نظر دعوى للإفراج عن هدير عبدالرازق بعد شهرين ونصف من الحبس    منهم الأيتام وأبناء المطلقة، أطفال يحق لهم الحصول على معاش شهرى    إفتتاح مؤسسة إيناس الجندي الخيرية بالإسماعيلية    ترامب: الضربات الجوية على أهداف في فنزويلا ستبدأ قريبًا    تدريب واقتراب وعطش.. هكذا استعدت منى زكي ل«الست»    سلوى بكر ل العاشرة: أسعى دائما للبحث في جذور الهوية المصرية المتفردة    هشام نصر: سنرسل خطابا لرئيس الجمهورية لشرح أبعاد أرض أكتوبر    تعيين الأستاذ الدكتور محمد غازي الدسوقي مديرًا للمركز القومي للبحوث التربوية والتنمية    أحمد حسن: بيراميدز لم يترك حمدي دعما للمنتخبات الوطنية.. وهذا ردي على "الجهابذة"    محافظ الدقهلية يهنئ الفائزين في المسابقة العالمية للقرآن الكريم من أبناء المحافظة    ياسمين عبد العزيز: أرفض القهر ولا أحب المرأة الضعيفة    ليتشي يتخطى بيزا بهدف في الدوري الإيطالي    ننشر نتيجة إنتخابات نادي محافظة الفيوم.. صور    إشادة شعبية بافتتاح غرفة عمليات الرمد بمجمع الأقصر الطبي    الإسعافات الأولية لنقص السكر في الدم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مصر بين خوض الحرب وصنع السلام
نشر في الأهرام اليومي يوم 29 - 06 - 2010

عاصرت أربع حروب خاضتها مصر‏,‏ فكنت شاهدا مع أبناء جيلي علي زيف نظرية الشعب غير المحارب‏,‏ التي ألصقها بالمصريين من زيفوا تاريخ مصر‏;‏ فصدقهم الجاهلون‏!‏ وأتذكر أنه عشية حرب المصريين ضد العدوان الثلاثي كنت قد التحقت توا بالمدرسة الابتدائية في السويس‏,. وخلال عدوان‏1967‏ علي مصر كنت بالصف الثاني الثانوي بأسوان‏,‏ وإبان حرب الاستنزاف كنت طالبا بجامعة القاهرة‏,‏ وأما خلال حرب أكتوبر‏1973‏ فقد كنت مجندا بالقوات المسلحة‏.‏ وأعترف بأنني شأن الكثيرين من أبناء جيلي لم أستوعب ترحيب المصريين بمبادرة السادات بالسلام‏,‏ وإن أدركت لاحقا حكمة أن يرحب الشعب المصري المحارب بالسلام بعد أن حررت مصر بالحرب وبكل أساليب النضال كامل تراب مصر الوطني‏.‏
وبحديث السلام‏,‏ أبدأ فأقول إنه تحت قيادة مبارك كان أن تحقق لمصر‏,‏ بفضل إصراره‏,‏ جلاء آخر جندي وآخر مستوطن وتحرير آخر شبر محتل‏,‏ بعد أن رفض كل مناورات ومماطلات اسرائيل عقب جريمة اغتيال السادات‏,‏ حين حاولت التنصل من تنفيذ ما نصت عليه معاهدة السلام من الانسحاب الي حدود مصر الدولية‏,‏ وحين حاولت اختطاف طابا من مصر‏.‏ وكانت معركة طابا خصوصا ذات دلالة تاريخية‏,‏ إذا تذكرنا أزمة طابا الشهيرة في عام‏1906,‏ حين أرسلت تركيا قوات لاحتلال رأس طابا وأعلنت أن شبه جزيرة سيناء كلها أرض عثمانية‏,‏ فأعلن زعيم‏-‏ لا جدال في وطنيته‏-‏ وهو مصطفي كامل تأييده لحقوق تركيا علي سيناء‏,‏ وكتب مصطفي يقول أن حادث طابا خلاف بين دولة محتلة هي انجلترا والدولة صاحبة السيادة علي مصر‏..‏ وهي تركيا‏!‏
وأما عن حديث الحرب‏,‏ فأتذكر أنني قد انفعلت مع أقراني من الأطفال بمشهد المتطوعين من المدنيين‏,‏ يرتدون الكاكي ويرصون شكائر الرمال ويحملون السلاح علي مداخل حارات وشوارع حي الأربعين بالسويس‏,‏ فكان أن شاركت وأقراني‏,‏ تحت قيادة‏'‏ صبية‏'‏ لم يبلغوا سن حمل السلاح‏,‏ في حرق دمية‏'‏ موشي ديان‏'‏ صنعها الأخيرون بحشو‏'‏ بيجامة قديمة‏'‏ بالقش‏,‏ مرددين وراءهم الأغاني الشعبية الوطنية‏,‏ التي نظمت ضد أنتوني إيدن وبن جوريون وجي موليه‏,‏ زعماء الدول المعتدية علي مصر‏,‏ وعن قناة السويس التي‏'‏ ليست في أراضيهم‏'‏ والتي كان تأميمها قنبلة‏'‏ وانفجرت فيهم‏'!‏ وأعرف أن منكوبي العهد الناصري والذين تؤرقهم أشباحه ومنظري العولمة الجدد‏,‏ لا يترددون في الانتقاص من الانتصار السياسي لمصر والمصريين في معركة‏'‏ السويس‏',‏ لكنه نصر لمن يفقهون مجيد‏!‏ استردت بفضله مصر حقوقها في القناة وسيادتها علي أرضها وعززت استقلالها‏.‏
وأما عدوان اسرائيل علي مصر في عام‏1967,‏ وإن ترتبت علي مقدماته هزيمة عسكرية‏,‏ فقد بعث إصرار المصريين علي إزالة آثاره أمجاد الشعب المصري المحارب مجددا‏!‏ وبعد أن خرجنا في مظاهرة عفوية نهتف برفض الاستسلام في يومي‏9‏ و‏10‏ يونيو‏,‏ تطوعت غداة الهزيمة مباشرة مع غيري من طلاب المرحلة الثانوية بأسوان في الدفاع المدني‏,‏ وكان أن حملت مع زملائي بنادق لي أنفيلد‏,‏ لا أتذكر أننا قد تدربنا عليها‏,‏ وتوزعنا حول أبراج نقل كهرباء السد العالي لحمايتها من أي تهديد‏!‏ وهناك علي الجبهة كانت الجهود تسابق الزمن لإعادة بناء القوات المسلحة‏,‏ خاصة القوات الجوية‏,‏ التي نقل محافظنا مدكور أبو العز ليكون قائدا لها علي رأس قادة جدد‏,‏ كان بينهم الرئيس مبارك بعد أن صارت الكفاءة القتالية والوطنية المصرية والقدرة القيادية معايير اختيارهم‏!‏
وخلال حرب الاستنزاف في عامي‏1968‏ و‏1969,‏ وبعد معركة رأس العش الباسلة‏,‏ التي دحرت محاولة اسرائيل مواصلة التوسع في سيناء‏,‏ كنت وزملائي بجامعة القاهرة وغيرها من الجامعات نتابع أخبار إغراق أبطال القوات البحرية المصرية للمدمرة الاسرائيلية إيلات في ضربة فريدة ورائدة في تاريخ القوات البحرية‏,‏ وعمليات العبور الجسورة للقوات البرية والخاصة الي عمق سيناء‏,‏ وقصف المدفعية لضرب قوات العدو في سيناء‏,‏ وأسبوع تساقط الفانتوم في معارك الدفاع الجوي الظافرة‏,‏ وغير هذا من عمليات التمهيد والتطعيم لخوض المعركة القادمة الفاصلة‏.‏ وقد دمرت بيوت والدتي وأخوالي وخالاتي بالسويس نتيجة الردود الاسرائيلية الإجرامية بقصف المدنيين والمنشآت المدنية‏.‏ ولأننا لم نكن ندرك مغزي الوفاق السوفيتي الأمريكي‏,‏ ولم نعرف شيئا عن المماطلة السوفيتية في توفير ما تحتاجه مصر من سلاح لازم للمعركة‏,‏ فقد شاركت مع زملائي في الحركة الطلابية الوطنية التي شكلت جماعات مناصرة الثورة الفلسطينية وتعجلت قرار خوض مصر حرب التحرير الوطنية‏!‏
وقد كان عبور القاذفات المصرية فوق منطقة العين السخنة‏,‏ حيث كان موقع قوة المشاة الميكانيكية التي خدمت بها‏,‏ إعلانا ببدء حرب التحرير في أكتوبر‏..1973‏وشأن مصر التي تصور أصدقاؤها قبل أعدائها أنه لن تقوم لها قائمة بعد هزيمة يونيو‏,‏ كان بدء الحرب بشن الضربة الجوية الجسورة بقيادة مبارك يحمل دلالة ترمز لمصر بأسرها‏,‏ إذ تقوم جبارة ذات بأس لتثأر لنفسها وللقوات المسلحة‏,‏ بعد أن ظلمت بسوء التقدير وغياب التخطيط وقصور التدريب وبؤس القيادة في حرب يونيو‏,‏ فأعلنت هزيمتها في حرب لم تخضها‏!‏
والأمر أن مبارك في معركة طابا كان يجسد عودة الوعي بالوطنية المصرية‏,‏ الذي يعمل البعض علي تغييبه مجددا بعد أن تحرر بصعوبة من أوهام الولاء لدولة الخلافة الاسلامية‏,‏ ثم تحرر بعدها من أعباء زعامة الدعوة للقومية العربية‏!‏ وكان حفاظ مبارك علي السلام وحفظه لحدود مصر‏,‏ التي عينت قبل نحو خمسة آلاف عام من رفح الي حلفا‏,‏ إدراكا حكيما لواجب الحاكم الوطني‏.‏ وأما دفاع مبارك عن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني‏,‏ ورفضه كل ألوان الضغط والإغراء لضرب ليبيا‏,‏ وموقفه ضد مؤامرات احتلال العراق وتقسيم السودان وتفكيك اليمن‏,‏ ثم سعيه الراهن لحماية حقوق مصر في مياه النيل بالحوار‏,‏ فانه إدراك واع للأبعاد الإقليمية للأمن القومي المصري‏,‏ في دائرة تحددت منذ فجر التاريخ‏,‏ ورسمتها بأساليب زمنها الإمبراطورية المصرية بعد دحر الهكسوس‏!‏
وعود علي بدء الي حديث السلام‏,‏ أقول للمتطاولين علي مصر وزعامتها‏,‏ والساعين الي توريطها في حرب تهدر ما حققته أرواح أكثر من مائة ألف شهيد من أجل التحرير‏,‏ أن مصر‏-‏ شعبا وقيادة‏-‏ لن يزعزع يقينها في خيار السلام مزايدون أو مغامرون أو متآمرون‏,‏ بعد أن خاضت دون غيرها أربع حروب خلال أقل من عقدين‏!‏ والأمر ببساطة أن مصر تعرف متي تخوض الحرب‏,‏ كما تعرف كيف تصنع السلام‏.‏ وشعب مصر المحارب‏,‏ الذي خاض أول حركة تحرر وطني في التاريخ بدحر الهكسوس‏,‏ وعزز أمنه القومي بتأسيس أول امبراطورية في التاريخ بعد معركة مجدو‏,‏ هو ذاته الذي وقع قائده أول معاهدة سلام في التاريخ مع الحيثيين‏!‏ وشعب مصر المحارب الذي قاد حركة التحرر الوطني العالمية المعاصرة‏,‏ وعبر ما بدا مستحيلا حربا وسلاما بنصر أكتوبر‏,‏ هو ذاته الذي حافظ علي السلام الراهن‏.‏ لكنه سواء في التاريخ القريب أو في التاريخ البعيد فان مصر لم تتخل عن واجبها في تعزيز أمن محيطها العربي بأقصي ما تتيحه موازين القوي الدولية‏,‏ وتدرك أن تعظيم قدراتها الاقتصادية والشاملة هو ركيزة الأمن والسلام في المنطقة‏.‏
ولكن بين مصر القديمة ومصر المعاصرة تبقي ضرورة دحض نظرية أن المصريين كانوا شعبا غير محارب‏,‏ منذ حملة الإسكندر وحتي حملة نابليون‏..‏ ولهذا فان للحديث بقية‏!‏
المزيد من مقالات د‏.‏ طه عبد العليم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.