الصراع.. وإدارة التنافس.. ومحاولة النيل من الخصم مهما يكن قويا.. هو أجمل ما في لعبة كرة القدم.. والذين يتابعون مباريات كأس العالم المقامة حاليا في جنوب إفريقيا. لن يترددوا لحظة في اعتبار أن ما يجري أمامهم علي شاشات التليفزيون هو حرب بوسائل أخري.كرة القدم هي اللعبة الجماهيرية رقم واحد في العالم.. فالكرة يسهل صناعتها من أي شيء, ولو من ملابس قديمة.. ويكفي لكي يكون لدينا ملعب أن تكون هناك قطعة أرض منبسطة.. والمرمي نفسه يمكن أن نحدد مكانه ولو بالحجر أو الطوب.. واللاعبون أنفسهم يمكنهم أن يلعبوا حتي ولو كانوا حفاة أو عراة.. كل المطلوب منهم هو مجرد عدم لمس الكرة باليد, وتفادي العنف أو القوة المبالغ فيها ضد الخصم, واللعب من أجل استخلاص الكرة وتسديدها علي المرمي. وهكذا.. فهي لعبة بسيطة, حتي في قوانينها.. ولذلك فهي تناسب الفقراء والأغنياء علي حد سواء, والكل يفهم فيها.. ولذلك تستطيع الملايين علي اتساع الدنيا أن تتابع مباريات البطولة, وأن تتذوق ما يجري, وأن تختار من تؤيد ومن تعارض.. وفوق ذلك كله فالحكم الذي يحدد الألعاب الصحيحة من الألعاب الخاطئة يفعل هذا أمام الناس جميعا.. ولهم أن يقتنعوا بقراراته, ولهم أن يرفضوها.. ومادام يفعل ذلك بنية حسنة, وليس له مصلحة فيمن يفوز أو من يخسر, فالجميع يتقبل القرارات حتي الخاطئة. في الماضي, قبل سنوات قليلة لا تزيد علي40 عاما, لم تكن بطولة العالم لكرة القدم لها كل هذه الأهمية.. فلم تكن المباريات تنقل علي الهواء مباشرة, ولا حتي المباراة النهائية, الآن تغير الوضع.. صارت المباريات مادة مشاهدة مطلوبة حتي في أبعد القري في أعماق الوجهين البحري والقبلي. 2 في الكرة.. كل شيء يدور في الملعب علي رءوس الأشهاد.. الصراع والتنافس, الخطط والخطط المضادة.. اللاعبون الرئيسيون والاحتياطيون.. المناورات والتكتيكات.. حتي الثعلب الماكر الذي يريد أن يسجل هدفا في غفلة عن خصومه, لابد له أن يفعل ذلك أمام الناس جميعا.. عيانا جهارا نهارا.. ليس هناك شيء واحد في السر.. وليس هناك شيء واحد يجري في الخفاء.. وليس هناك مجال لأن يقول أحد للناس: اغلقوا عيونكم.. أو توقفوا عن المتابعة, لأننا نريد أن ننفذ خطة أو برنامجا يستعصي علي أفهامكم, ومن الأفضل لكي تنجح الخطة ويتحقق الهدف ألا تشاهدوا ما نفعل.. حتي إن المدربين وكباتن الفرق, وأمهر اللاعبين, لا يقولون للمتفرجين نحن أدري بمصالحكم منكم ولذلك ننصحكم بأن تعودوا إلي بيوتكم, وسوف يتوقف الإرسال التليفزيوني لكي نتمكن من تحقيق أهدافنا التي هي أهدافكم.. هذا كله كلام لا مجال له أبدا.. فاللعب, والخداع, والمناورة, والمكر, ومحاولة التعتيم علي الخصم, كل هذا يتم في الملعب, أمام الناس أجمعين, والجماهير التي تتابع, ولو كان حظها من التعليم والمعلومات محدودا جدا هي صاحبة القول الفصل.. هل الفريق الذي فاز يستحق الفوز بجدارة أم لا؟ هل هناك مجاملة من الحكام؟ هل لم ير الحكم هدفا خاطئا واحتسبه هدفا صحيحا؟ وهل.... وهل. 3 هذه الجماهير هي صاحبة القول الفصل في الموضوع من أوله إلي آخره.. ولذلك بالتحديد أصبحت بطولة العالم لكرة القدم أشبه ما تكون بدرس ديمقراطي علني لكل الشعوب.. حتي الشعوب التي تعاني الاستبداد والقهر تجد لنفسها نصيبا من المساهمة فيه. هذا الصراع الذي نشاهده في الملعب وذلك التنافس, تلك الحرب الرياضية التي تجري أمام الناس, لا تستخدم فيها قنابل أو طلقات رصاص, أو صواريخ, كل ما هنالك أن بعض اللاعبين لهم القدرة علي تصويب الكرة بقوة يقول الناس عنها إنها تجعل الكرة تندفع نحو المرمي وكأنها رصاصة, أو صاروخ, أو قنبلة...الخ, لذلك مع كل هذا الصراع, وذلك التنافس, لا نري دما أبدا.. لا نري أشلاء بشرية.. اللاعبون.. إنه صراع قوي تستخدم فيه كل أدوات القوة, فاللياقة البدنية, والخطط الماكرة, والتكتيكات الجهنمية, والسرعة الفائقة في الجري, والدراسات العلمية في كيفية إحراز الأهداف, وآخر ما في علوم الطب الرياضي من اكتشافات. كل هذا يستخدم بشرط واحد: أن يحافظ كل لاعب علي خصمه كأنه يحافظ علي نفسه.. ثم إنه من حق المشاهدين جميعا أن يشاهدوا ويستمتعوا بقدرة كل اللاعبين علي الإبداع والابتكار حتي آخر دقيقة من المباراة. [email protected] المزيد من مقالات حازم عبدالرحمن