عندما تفاقمت أوضاع الجاليات الاسلامية في دول القارة الأوروبية في أعقاب أحداث11 سبتمبر2001 لم تكن سويسرا استثناء بالرغم من حالة التسامح والقبول بالآخر التي تتميز بها. وخلال هذه السنوات تفجرت قضية مآذن المساجد بعدها انضمت كانتونات( أي مقاطعات) سويسرية الي قائمة الدول التي بدأت مؤسساتها التشريعية خطوات منع ارتداء النقاب. ولكن الصورة لم تكن كما ابرزتها وسائل الاعلام, فوضع الجالية الاسلامية مازال الافضل تقريبا مقارنة بباقي الدول الاوروبية.. ويمكن رصد الايجابيات التالية: فقد أصبحت سويسرا ملاذا للمسلمين الذين تعرضوا لمضايقات في دول أوروبية أخري وأدي ذلك الي زيادة في اعداد المسلمين بسويسرا, كما فتحت سياسة التسامح الباب امام اعداد من المسلمين للوصول الي اعلي درجات السلم الوظيفي ولم يشكل هذا الامر اي حساسية لزملائهم السويسريين بل اعتبروه شيئا طبيعيا ومنطقيا مادامت الكفاءة هي المعيار المطبق. في الوقت نفسه لم تتخذ الحكومة اي اجراء عدائي ضد المسلمين ما التزموا بما تنص عليه القوانين, كما لم تصدر السلطات السويسرية حتي الآن اي قوانين او قرارات لمنع التلميذات من ارتداء الحجاب بالمدارس او الجامعات, وعندما تم تنظيم استفتاء في زيوريخ لاصدار تشريع لمنع الحجاب بالمدارس والجامعات رفض المواطنون الموافقة علي ذلك أي ان الاغلبية صوت لصالح استمرار الاناث في ارتداء الحجاب, وأخيرا فرضت كانتونات( مقاطعات) حظرا علي ارتداء النقاب ولكن لم يصل الامر الي حد اصدار تشريع لمنع النقاب في كل انحاء سويسرا مثلما حدث في بلجيكا وفرنسا أخيرا. ويبقي توضيح حقيقة ماجري بالنسبة لقضية المآذن التي اثارت كثيرا من الجلبة دون مبرر من الواقع. فمن المعروف ان معظم المباني والمنشآت في سويسرا لاترتفع لأكثر من6 أدوار مع اشتراط الحفاظ علي التناسق المعماري. وخلال العام الماضي تقدمت جماعة اسلامية خططت لبناء مسجد كبير بطلب للسلطات البلدية لانشاء مئذنة ارتفاعها55 مترا اي بارتفاع يتجاوز الارتفاعات المسموح بها بأكثر من20 مترا. وكان منطقيا ان ترفض السلطات الاستجابة للطلب خاصة ان الكل يعلم ان اقامة الصلاة لاتتطلب او تشترط وجود مئذنة اي لاعلاقة بين اداء الفريضة والمآذن. ومن الجدير بالذكر أن سويسرا بها اربع مآذن. وإن كانت كلها في حدود الارتفاع المسموح به. وهذا يعني ان السلطات لم ترفض لأسباب دينية. وقد وجدها المتطرفون فرصة لاثارة جلبة ربما للحفاظ علي موجة العداء للغرب وللتشهير بسويسرا وباقي الدول الاوروبية وباعتبارها ان ذلك يحفظ للقوي السياسية الاسلامية تماسكها. ومن جانب آخر انتهزت القوي اليمينية في سويسرا والتي نمت لديها المخاوف من انتشار الاسلام وفي مقدمتها حزب اليمين المتطرف الفرصة. ونظمت حملة مضادة ونشطت لجمع توقيعات لاجراء استفتاء حول هذه القضية وفعلا تمكنت من جمع100 الف توقيع وهو النصاب المطلوب للاستفتاء وفعلا حقق اليمين هدفه ووافق المواطنون علي منع انشاء المآذن. وعندما نشطت حركة الاحتجاج في معظم دول العالم الاسلامي نظم المسلمون السويسريون اجتماعا وتظاهروا للتعبير عن رفضهم التدخل في شئونهم او في علاقتهم بالسلطات السويسرية, وقالوا بوضوح انهم سويسريون ويقبلون بالعمل والحياة وفقا للدستور والقوانين المطبقة في سويسرا. وقد درجت الجماعات الاسلامية في سويسرا طوال السنوات الاخيرة علي تقديم مطالب للسلطات تتفق مع مايرونه محققا لمنهج الحياة الاسلامية التي يريدونها, ومن هذه المطالب اعفاء التلميذات والطالبات من حضور حصص الرياضة البدنية ومن المشاركة في التدريبات خاصة السباحة والمطالبة برفض مشاركة التلاميذ والطلاب في التدريبات الرياضية التي تؤديها التلميذات وتطور الامر الي حد المطالبة بوقف القاء حصص الرياضة البدنية بالاضافة الي منع تدريس مادة الطبيعة واي دراسات تتعلق بالجسد الانساني, وفي نفس الوقت طالبوا بمنع الاطباء من توليد النساء المسلمات وقصر الامر علي الطبيبات. كما ألحوا من أجل منع تقديم لحوم الخنزير في مطاعم المدارس والمصانع. ولم يتوقف الامر عند هذا الحد بل طالبوا بمنع وجود الصلبان في المدارس باي صورة من الصور. ومثل هذه المطالب وغيرها وجدت من يستغلها للقول بأن المسلمين يعملون من اجل اسلمة سويسرا وفرض دينهم وشريعتهم دونما وضع اي اعتبار لتاريخ البلد وطبيعته العلمانية وديانة اهله. ظهرت كتابات كثيرة تنتقد هذه المطالب ودعت المسلمين إلي الاندماج في المجتمع السويسري بدلا من هذه العزلة وهذا الاستعلاء الذي يعكس الاقتناع بأنهم علي صواب ومحاولة فرض صوابهم وشريعتهم ودينهم علي السويسريين. وبالرغم من ان عدد المسلمين في سويسرا يبلغ حوالي500 الف اي مايقرب من4% من عدد السكان فإن80% من المسجونين في سويسرا من المسلمين, هذا الرقم يكشف عن وجود مسلمين كثيرين قد انخرطوا في النشاط الاجرامي والخروج علي القانون ومثل هذه القضية لاتزعج الجالية الاسلامية فقط بل تتسبب في ازعاج السلطات السويسرية وتثير المخاوف حول المستقبل.