حوض نهر النيل هو حوض صرف مائي ضخم تبلغ مساحته2.9 مليون كيلو متر مربع طبقا للتحديد الجيولوجي الطبيعي والذي يشتمل علي منابعه ومناطق عبور ومصب . كما تبلغ مساحته8.8 ألف كيلو متر مربع طبقا للتحديد السياسي الذي يشمل مجموع مساحة كل دولة ويعني ذلك انه طبقا للتحديد الجيولوجي أو السياسي فان حوض نهر النيل تشارك فيه عشر دول وهي كما نعرف من الشمال إلي الجنوب مصر( دولة المصب) السودان( دولة عبور ومنابع) واثيوبيا( دولة منابع) وإريتريا ليس بها سوي رافد واحد لا يحقق لها مزايا مائية( رافد نهر القاش الموسمي) وأوغندا وتنزانيا وكينيا( دول منابع رئيسية) ورواندا بوروندي والكونغو( دول منابع ثانوية). وبالرغم من الرابط المائي بين هذه الدول من حيث إن حوض الصرف بطبيعته وحدة هيدرولوجية واحدة تشمل مناطق منابع ومناطق سريان ومناطق تصريف وان كل منطقة تحتاج إلي الاخري وتتكامل معها وتحكمها جميعا قواعد هيدرولوجية تحتم علي دول الحوض التعاون والتكامل تحقيقا لاقصي استفادة إلا ان مواقف الدول متناقضة تناقضا تاريخيا يعكس اوضاعها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والطبيعة, يعيقها جميعا عن التعاون وتحقيق اهداف التنمية. وتتفاوت مواقف الدول في ضوء ما ذكرنا, ففي الوقت الذي تدفع فيه مصر بحتمية تطوير منابع نهر النيل والتحكم في ضبط مياهه سواء في دول المنابع أو في السودان أو في الجزء المصري تحقيقا لصالح جميع الدول, فإن ذلك لم يمنع دول المنابع من اتخاذ مواقف يقصد منها الاضرار اكثر من قصد الاستفادة رغم المبادرات والهياكل والنظم علي طريق التعاون تاريخيا( التكونيل الهيدروميت الإندرومو مجموعة النيل الشرقي مجموعة النيل الجنوبي مبادرة حوض النيل) ويتضح ذلك من خلال: 1 إن كل دولة مستمرة في خططها الذاتية دون اعتبار رأي الدول الأخري, فعلي سبيل المثال تقوم الدول بالمشروعات التالية: رفض الاعتراف بمعاهدات اتفاقيات ووعود موثقة بخصوص حقوق مصر والسودان التاريخية. والخطط الإثيوبية لتنفيذ مشروعات الري وتوليد الكهرباء واقامة السدود واحيانا دون اخطار مسبق. وبطء إجراءات التنفيذ الفعلي للمشروعات المشتركة, واستغلال المياه في حوض النيل الأزرق بالسودان. وتوقيع الاطار القانوني لمبادرة دول حوض نهر النيل دون موافقة مصر والسودان. 2 تفاوت الرؤي بين الوفود المتفاوضة تاريخيا بل وتناقضها. 3 نقص الوعي المائي بدول الحوض, وعدم ترابط المعلومات الفنية وعلاقتها بأهداف تعظيم الاستفادة من المياه. إلي جانب التغلب علي مشكلة الافتقار إلي الاستقرار السياسي في أغلب دول حوض النهر. هناك مشاكل بيئية, وأخري سياسية تواجه التعاون بين الدول أو حتي تعيق تنفيذ المشروعات داخل بعض هذه الدول منها: نقل المياه من حوض إلي حوض داخل القطر الواحد خاصة إثيوبيا التي تمتلك عددا كبيرا من الأحواض الصغيرة وصعوبة الربط بينها للطبيعة الطوبوغرافية والجيولوجية لإثيوبيا. فضلا عن الاختلاف حول تقسيم المياه هل يكون علي أساس عدد السكان كفاءة استخدام المياه مساحة الحوض داخل كل دولة مدي المساهمة في حصة مياه النهر الساقطة علي الدولة الحقوق التاريخية مشروعات التنمية القائمة, والمنطق ان ذلك التقسيم يجب ان يعتمد علي نسبة الاعتماد والاحتفاظ بالحقوق المكتسبة ووجود مصادر تمويله. تري بعض دول حوض النهر ان من حقها بيع المياه لمن يرغب, وتري مصر ان المياه ليست للبيع, حيث إن المياه ليست سلعة استراتيجية عادية ولا ينطبق عليها مبدأ البيع. أما بيع المياه وتسعيرها داخل كل دولة فشأن داخلي يدخل تحت كيفية ادارة المياه وصيانة مرافقها. لا شك أن موضوع مياه نهر النيل يرتبط أساسا بالنواحي السياسية في إفريقيا والشرق الأوسط لذلك ربما يربط البعض بين حل مشكلة الصراع العربي الإسرائيلي وإمدادها بمياه النيل والواقع ان هذا الربط غير منطقي من منطلق ان ذلك مستحيل فنيا وسياسيا ولكن المؤكد ان هناك مشاكل ناتجة عن تدخل اسرائيل في الشئون المائية لبعض دول الحوض بقصد الضغط علي مصر. مما سبق يتضح أن حصر الخلاف القائم حاليا في التوقيع علي الإطار القانوني لمبادرة حوض النيل المطروحة منذ عام1999, في كون الموافقة بالإجماع أو الأغلبية أو عدم الاتفاق حول الإخطار المسبق تحسبا للخطر في حالة القيام بمشروعات منفردة أو ثنائية أو لعدة دول دون موافقة الدول الأخري وإغفال الحقوق التاريخية لمصر والسودان, هو خلاف يلحق الضرر بالجميع من يوقع ومن لم يوقع وذلك للأسباب الآتية: إن التوقيع والالتزام بالإطار القانوني بالإجماع يصب في صالح الجميع إذ أن عدم الالتزام من دولة واحدة فقط سوف يؤثر علي باقي الدول لاحقا حتي تلك التي تتضامن في مواجهة مصر والسودان حاليا, حيث سيتحول ذلك إلي قاعدة تعمل كل دولة فيها لحسابها الخاص ضد صالح باقي الدول عند الحاجة, وهذا واقع تؤكده الظروف الهيدرولوجية لمنطقة بحيرة فيكتوريا مثلا. إن هناك تأثيرات ضارة محتملة مستقبلا ومنها التغيرات المناخية أو الجفاف أو الفيضان, والتي تتطلب تعاون الجميع, ولن يجدي في مواجهتها عدم التعاون, ولا جدوي لأي اتفاق لا يرضي عنه الجميع. إن مقياس الضرر نسبي, ومن ثم فإنه في ظل الصراعات العرقية, واحتمالات التقسيم إلي مناطق وأقاليم في دول حوض نهر النيل أمر وارد سوف يؤدي إلي إيجاد كيانات سياسية جديدة, وعندها سوف تعاني الدول التي لا توافق علي الإجماع أو الإخطار المسبق حاليا من قاعدة الاغلبية التي يحاولون في دول المنابع إرساءها حاليا وسوف تدفع هذه الدول ثمنها مستقبلا.