وسط أجواء الغيوم التي تملأ سماء حياتنا من حين لآخر, ووسط مناخ قاتم يفتقد قواعد الحوار والمنطق, وسماع صوت العقل, تلمع في الأفق, فجأة نجمة مشرقة, تبدد ظلمة الليل وتعطينا الأمل في غد مشرق لتعلن أن الظلام. لن يدوم, وفي النهاية ستكون الغلبة للحق والعدل والحرية والإبداع, أي للحياة ولكل ما تحمله من معان إنسانية تستحق أن نعيشها وندافع عنها, بالأمس القريب طوي السيد المستشار عبد المجيد محمود, النائب العام صفحة سوداء أراد البعض أن يدسها في كتاب الثقافة المصرية والإنسانية, وأضاف بقرار سيحفظه ويسجله التاريخ له وللنيابة والقضاء المصري, صفحة مشرفة جديدة في سجل ناصع طويل ينحاز بالقانون للحق والعدل والإبداع. لقد حاول البعض إعادتنا لعصر مصادرة الإبداع وحرق الكتب وحصار العقول وتفتيش الضمائر, فجاء قرار النائب العام المحترم, المستشار عبد المجيد محمود, ممثلا حقيقيا لضمير المجتمع, حين قرر بوعي وإدراك قانوني, حفظ جميع البلاغات المقدمة ضد كتاب ألف ليلة وليلة, وقال في قرار الحفظ: إن الكتاب خليق بأن يكون موضوعا صالحا للبحث المنتج والدرس الخصب لكونه من قبيل الأدب الشعبي ومكونا أصيلا من مكونات الثقافة العامة, وإنه كان مصدرا من الأعمال الفنية الرائعة, واستقي منه كبار الأدباء. مصدرا لروائعهم, وقال إن اتهام الكتاب بالاحتواء علي العديد من العبارات التي من شأنها ازدراء الدين الإسلامي وخدش الحياء العام والدعوة إلي الفجور والفسق واشاعة الفاحشية, جرائم لم تتوافر أركانها, وأن المؤلف التراثي محل البلاغ صدر منذ ما يقرب من قرنين من الزمان, وأيدت طباعته مرارا, وظل يتداول ولم تعترض عليه الرقابة بحسبانه من كتب التراث, ويبعد كل البعد عن فكرة انتهاك حرمة الأخلاق ومظنة إثارة الشهوات, بل إنه ينبيء عن طرائق قدماء الأدباء في التأليف والنظم الأدبية, ولم تتوافر لدي كاتبه وطابعه نية خدش الحياء. قرار المستشار عبد المجيد محمود ليس مجرد قرار قضائي اقتصر علي احقاق الحق وإقامة العدل, بل هو أيضا وثيقة ثقافية وفكرية تنصف الإبداع وتحميه وتصون التراث الثقافي الإنساني, وينهي القرار المستنير بعبارات واضحة محاولات البعض للتفتيش في النوايا والضمائر. والقرار أيضا هو انحياز لقيمة العقل والانفتاح وهو استكمال لقرارات تاريخية انحازت لثقافة الدولة المدنية ولتراث الفكر والإبداع المصري والعالمي عندما رفضت مصادرة كتاب في الشعر الجاهلي للدكتور طه حسين أو كتاب الإسلام وأصول الحكم للشيخ علي عبد الرازق, أو رواية أولاد حارتنا لنجيب محفوظ. والسؤال الأهم, من يملك التحدث باسم الخالق وباسم الدين وهل هناك من يحتكر الايمان وتوزيع صكوك الغفران علي عباد الله؟ أسئلة فرضتها قضية ألف ليلة وليلة وتثيرها هذه الأجواء الغائمة وهذا المناخ القاتم الذي بقدر ما احتاج لنجمة مضيئة تلمع وتحفظ البلاغات المقدمة ضد ألف ليلة وليلة, بقدر ما يحتاج لأشعة شمس قوية تشرق في سماء الوطن لتبدد هذا الظلام وتجيب عن كل هذه الأسئلة. ونحن في النهاية نثق في قدرة المستشار عبدالمجيد محمود, ونعرف أن الذي يستطيع أن يضيء نجمة, قادر علي اشعال ألف شمعة وإضاءة ألف نجمة وفتح النوافذ, لتدخل شمس الحقيقة والحرية من كل النوافذ, لتطرد طيور الظلام والمصادرة والتكفير, فأيها النائب العام المحترم, المستشار عبدالمجيد محمود, شكرا علي ما فعلت, وسوف نشكرك أكثر علي ما ستفعله في المستقبل, ونحن معك, ودمتم للقانون وللعدل ولصوت العقل. المزيد من مقالات مجدي الدقاق