ما بين فساد في استخراج قرارات العلاج, وانهيار خدمات العلاج المجاني في المستشفيات, وارتفاع تكاليف العلاج في المستشفيات الاستثمارية. يقع المريض في الفخ باحثا عن مخرج للشفاء.قضية الأسبوع اختارت هذه المرة واستضافت د. حاتم الجبلي وزير الصحة في ندوة موسعة للإجابة علي كل التساؤلات الحائرة من الصحفيين أو من الجمهور من خلال التفاعل عبر موقع الأهرام الاليكتروني والإجابة علي كل تساؤلاتهم الحائرة. في البداية رحب الأستاذ أسامة سرايا رئيس التحرير بالدكتور حاتم الجبلي وزير الصحة, مشيرا إلي أن قضايا الصحة من أخطر القضايا التي تشغل بال المواطنين خاصة ما يثار في تلك الأيام عن محاولات تصفية العلاج علي نفقة الدولة, وتأخر إصدار قانون التأمين الصحي, والمشاكل المترتبة علي اقرار قانون زرع الأعضاء ليفتح باب النقاش واسعا بين الصحفيين والجمهور من ناحية ووزير الصحة د. حاتم الجبلي من ناحية أخري, وكانت تلك الندوة الساخنة التي يمكن متابعة جميع تفاصيلها علي موقع الأهرام الاليكترونيw.w.w.ahram.org.eg أو علي صفحة الأهرام علي الفيس بوك. * في البداية نود معرفة ردكم علي ما يقال من أن ما حدث من ضجة بشأن قرارات العلاج علي نفقة الدولة يهدف إلي تصفية نظام العلاج علي نفقة الدولة أو محاولة لتعطيل إصدارها ووقفها أو تحجيمها؟ ** أوضح لكم أن نظام العلاج علي نفقة الدولة أصدره الرئيس الراحل أنور السادات عام1975 وبدأ بعلاج المواطن بالداخل أو الخارج علي نفقة الجهة أو المؤسسة التابع, لها وكانت مهمة وزارة الصحة تنظيمية, والذي وضع الضوابط آنذاك هو الدكتور فؤاد محيي الدين وزير الصحة في ذلك الوقت, وفي عام1987 قرر الدكتور عاطف صدقي رئيس مجلس الوزراء الأسبق تفويض وزير الصحة في إصدار هذه القرارات فيما عدا حالات محددة من اختصاص رئيس مجلس الوزراء دون التزام بالضوابط, وظل استخدام العلاج علي نفقة الدولة محدودا حتي عام1996 عندما توسع فيه الدكتور إسماعيل سلام وزير الصحة الأسبق فبلغ في هذا العام95 مليون جنيه زاد إلي695 مليونا عام2002, بينما لم يتم تدبير التمويل اللازم لتغطية الفرق, وبالإضافة إلي ذلك ظهر الوسيط مثل نواب البرلمان ومع هذا التوسع تقلص حجم مخصصات العلاج علي نفقة الدولة إلي300 مليون جنيه فقط للعلاج المجاني, يتم تقسيمها علي500 مستشفي بواقع60 ألف جنيه شهريا لكل مستشفي وتدريجيا بدأت أموال العلاج علي نفقة الدولة وقراراته تتسرب إلي أيدي فئة قليلة فكان50% من القرارات يصل إلي أيدي هؤلاء الوسطاء, و50% الباقية للمواطنين مباشرة, والمجموعة المسيطرة لا تتجاوز مئات الأفراد يحصلون علي نصف القرارات التي تتكلف3.8 مليار جنيه وفق احصائية العام الماضي,2009 والأخطر أن هذه الفئة المسيطرة أصبحت تضغط علي العاملين في المجالس الطبية المتخصصة التي أصبحت تصدر قرارات دون تغطية مالية, وهذا خطأ يضاف إلي أن الضوابط الموضوعة عام1975 عامة لا تتناسب مع التغير الذي حدث ولم تصلح لاستيعاب التوسع الذي بدأ منذ عام1996. * وماذا فعلت عندما توليت منصبك؟ ولماذا لم توقف المخالفات منذ بداية عهدك؟ وهل المخالفات ظهرت فجأة؟ ** في عام2006 كانت أولوياتي متجهة لتطوير الخدمة العلاجية بالريف وتحديث المستشفيات ومرفق الإسعاف, كما أن نظام العلاج علي نفقة الدولة كان مستقرا ولا أحد يقترب منه علي اعتبار أن الأمور تسير, لكنني في عام2008 اكتشفت أن الأرقام تزيد بطريقة غير عادية, فشكلت لجنة لبحث الأمر بطريقة غير رسمية فوجدت أن المسألة بحاجة إلي مراجعة, وقمت بتشكيل لجنة أخري بطريقة رسمية في فبراير2009 انتهت إلي وضع عدة توصيات في يوليو2009, منها تطبيق نوع من المواءمة وإصدار القرارات علي ورق به علامة مائية لا يمكن تزويرها وأن تكون لدينا قائمة أسعار محددة للتعاقد بها وضع كود, ولكن كان أصعب التوصيات هو المتعلق بنسبة50% التي تصدر لوسطاء معدودين وهو ما يهدد مصادر تمويل نظام العلاج علي نفقة الدولة بالكامل لأنها تصدر بدون تغطية مالية. وعندما وجدت أن الأمور دخلت في مرحلة شديدة الخطورة تناقشت مع المساعدين بالوزارة وتوصلنا إلي قرار ضروري باتخاذ موقف واضح جدا وأن نكشف الخلل الذي حدث سواء عندنا في الوزارة لنتخذ إجراءات تجاه العاملين بها أو بالنسبة للوسطاء, وقد فوجئت أثناء مناقشة مشروع قانون زراعة الأعضاء بأن أحد النواب يتهمنا بأننا حرمنا المواطنين وكان ردي واضحا جدا فقد قلت إن99% من النواب ملتزمون والمشكلة في1% الباقية, مع العلم أن النائب الذي اتهمنا بحرمان المواطنين استخرج بنفسه قرارات قيمتها300 مليون جنيه في3 سنوات وكان يحضر أتوبيسات من دمياط ويقتحم مستشفي الهلال ويتعدي علي مدير المستشفي السابق والعاملين ويدخل المواطنين الذين أحضرهم معه بالقوة ويثير المشكلات وكان مدير المستشفي السابق يتحاشي النائب لكن المدير الجديد تصدي له ومنعه وطرده فاتجه إلي مستشفي آخر ليقوم بنفس العمل, ومرة أخري اتجه إلي مستشفي خاص للرمد وليس للعظام كالهلال في مصر الجديدة. وأضاف: الحقيقة أن المساعدين بالوزارة حذروني عندما ناقشنا المسألة وقالوا لي إنني سأكون أول من يصاب في هذه المعركة, لكن كانت لي وجهة نظر أدافع عنها دون أن أدعي البطولة, فإذا كان ما حدث لي بعد قرارات8 فبراير هو ثمن الاصلاح الذي أريده, فهو ثمن رخيص للغاية, فقد أثارت تلك القرارات البعض ضدي وقاموا بتصرفات لا تليق بمستواهم أو بوضعهم الأدبي والاجتماعي, فقد اقتحموا المجالس الطبية المتخصصة وقاموا بمظاهرة ووبخوا العاملين هناك وهم موظفون وأثاروا ضدي حملة في الصحافة. * هل توافقنا الرأي أن هناك مستشفيات لا تصلح مبانيها لتقديم خدمة علاجية؟ ** اعترف بأن هناك نحو75% من مستشفيات مصر أنشئت مجاملة للبعض, ولهذا فقد أعدت الوزارة كودا هندسيا للمباني الصحية واعتمده وزير الإسكان منذ3 أسابيع وسيتم تطبيق المرحلة الأولي منه بداية من يناير المقبل ولن يستطيع أحد الحصول علي ترخيص إنشاء مستشفي دون مطابقته لهذا الكود. * وهل قراراتك التنظيمية الجديدة ملزمة للجميع؟ أم أنها ضد الغلابة فقط؟ ** هذه القرارات كانت إدارية لكنني حولتها منذ أيام إلي قرار وزاري ملزم لكل الجهات في الوزارة, وهذه القرارات تعطي الأولوية في العلاج علي نفقة الدولة لخمسة أمراض هي: السرطان والقلب والكلي وفيروس سي والعلاج الدوائي الذي كان يستحوذ علي50% من حجم الانفاق السابق, كما أدخلنا مجموعة من الأمراض المرتبطة بالطوارئ مثل المسامير والحوادث والانفصال الشبكي ونزيف المخ وزراعة النخاع, أيضا منعنا تماما التعاقد مع أي مستشفي استثماري سواء كان حكوميا أو قطاعا خاصا أو استثماريا إلا في حالات الغسيل الكلوي الذي تقرر اقتصاره علي المراكز التي تعاقدنا معها مسبقا, وهذه الضوابط أدت إلي ضبط الانفاق, وللعلم فإن الانفاق علي العلاج ليس تقديريا وإنما يصدر بموازنة بقانون وهذا معمول به منذ أربع سنوات, وبالتالي فإن أي خروج علي الموازنة هو خروج علي القانون, والمخالف يقع تحت طائلة القانون. وأضيف هنا أن الضوابط أثمرت, فقد أعيدت إلينا الأسبوع الماضي قرارات علاج قيمتها16 مليون جنيه لم تستخدم خلال مهلة الشهر المحدد لها. * ما حقيقة مديونيات نظام العلاج علي نفقة الدولة؟ ** عندما توليت الوزارة عام2006 وصلت المديونية إلي مليار جنيه, وهي مستحقات لم يتم اسقاطها لأنها مستلزمات طبية وأدوية ومستحقات أطباء وغيرها, والمديونية الآن بلغت2.2 مليار جنيه, وفي المقابل فإن الانفاق السنوي لدينا وصل إلي3.8 مليار جنيه, بينما تخصص الدولة لنا مليار جنيه سنويا للانفاق وتدفع لنا400 مليون جنيه لسداد جزء من المديونية, لكننا بالطبع كنا نوجه المبلغ بالكامل للانفاق وتظل المديونية كما هي دون سداد ولهذا تحدثت مع رئيس مجلس الوزراء وشرحت له الموضوع بالكامل, ثم طرحته في المجلس, وتناقشت مع الدكتور يوسف بطرس غالي وزير المالية الذي أبدي تفهما كبيرا وتوصلنا إلي فرض ضريبة10% علي الأسمنت اعتبارا من أول يوليو المقبل وفق قانون الموازنة, وايرادها سيحقق لنا دخلا إضافيا مليار جنيه ليتوفر لدينا2.5 مليار جنيه للانفاق علي العلاج علي نفقة الدولة الذي وضعنا له برنامجا محددا لضبط الانفاق بما لا يتجاوز1.5 مليار جنيه خلال العامين المقبلين, وبذلك سنتمكن خلال تلك الفترة من سداد ملياري جنيه من مديونياتنا المتراكمة لنبدأ بعد ذلك التوسع في خدمات العلاج علي نفقة الدولة. * وهل التزمت المستشفيات بالضوابط الجديدة للانفاق؟! ** هناك40% منها ملتزم والباقي نتابع معهم حتي يلتزموا, وقد استطعنا تحديد إجمالي الانفاق اليومي علي قرارات العلاج بما لا يتجاوز5 ملايين جنيه, وبالفعل لم يتجاوز ما أنفقناه خلال الفترة من فبراير حتي مايو الماضي600 مليون جنيه, بينما كانت قيمة القرارات الصادرة في الأشهر الأربعة السابقة علي تلك الفترة1.6 مليار جنيه, كما أن91% فقط عن طريق وسطاء محدودين للغاية مثل النواب وغيرهم كما أن قرار العلاج يصدر فور صدور قرار اللجنة الثلاثية في المستشفيات. تقارير المخالفين * ولماذا لم تعلن أسماء المخالفين حتي الآن؟! ** لدينا قائمة بالمخالفين لكننا لا نستطيع الكشف عنهم لأن الموضوع الآن في يد مجلس الشعب, ورئيس المجلس لديه تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات وتقرير الرقابة الإدارية وفي الطريق إليه تقرير الأموال العامة. * وهل ستحرم المخالفين من استصدار قرارات علاج؟! ** لا, بل سنصرف ولكن في حدود المعقول مادام لا يوجد الآن سبب قانوني يجعلني أحرمه, وأعتقد أن الضوابط سيتم الالتزام بها والوساطات ستتوقف لاحقا. الوسيط ضرورة أحيانا! * ألا تري أن المواطن يلجأ للوسيط ليحصل علي قرار العلاج بشكل محترم بدلا من التردد علي المجالس والمكاتب لعدة أيام وقد يحصل علي القرار أو لا يحصل عليه؟ ** من قال إن المواطن مضطر للتردد علي المكاتب؟ إنه يذهب لكشف في العيادة الخارجية بالمستشفي وإذا وجد الأطباء أنه في حاجة للعرض علي اللجنة الثلاثية فإنها تصدر القرار ويتم تنفيذه دون مشقة أو إرهاق للمواطن, لكن إذا قررت اللجنة علاجه في جهة وأراد هو أن يكون العلاج في جهة أخري فإنه سيتابع العملية وينتظر دوره خلال4 أو5 أيام فقط. تعطيل القرارات * يبقي لنا أن نسأل عن ردكم علي ما يتردد عن محاولة تعطيل قرارات العلاج علي نفقة الدولة ومحاولة وقفها؟ ** هذا اتهام خطير ولو صح فلماذا سعينا إلي تدبير ميزانية مضاعفة وسداد المديونية والتوسع في الانفاق بشرط الالتزام بقانون الميزانية؟ إننا فقط نضع ضوابط وأولويات, كما أننا أدخلنا حالات طوارئ لا نستطيع انتظار انتهاء الإجراءات, والضوابط تمنع التلاعب أو حصول غير المستحق علي قرار غيره أولي به. علاج المسئولين * هناك حالة احتقان تجاه قرارات علاج بعض المسئولين في الخارج علي نفقة الدولة.. ما ردك؟ ** أود أن أوضح أن العلاج في الخارج علي نفقة الدولة لا تتجاوز قيمته مليوني يورو أي15 مليون جنيه سنويا تقريبا, لا يتجاوز حجم الانفاق من علي بعض المسئولين200 ألف يورو ويتبقي1.8 مليون يورو للمواطنين المستحقين.. وللعلم فإن قيمة العلاج في الخارج علي نفقة الدولة في عام لا تتجاوز قيمة العلاج بالإنترفيرون لمدة35 يوما فقط, فمن المستفيد إذن؟ ثم إن هناك ضوابط تطبق علي المسئولين وكبار الموظفين أيضا, والقرار يصدره رئيس مجلس الوزراء وفق سلطة تقديرية ممنوحة له ويمكنه إصدار القرار بدون تقارير طبية.. ثم إن الذين سافروا للعلاج في الخارج خلال السنوات الماضية معظمهم أطفال تجري لهم جراحات دقيقة في القلب بإيطاليا, ولا يتجاوز عدد الذين يسافرون سنويا للعلاج خارج مصر115 فردا. قانون التأمين الصحي * ننتقل إلي مشروع قانون التأمين الصحي الذي كان قاب قوسين أو أدني من مناقشته بمجلس الشعب فماذا حدث بشأنه؟! ** هذا المشروع انتهت الوزارة من صياغته في يونيو2007 ثم طرحته للنقاش العام في النقابات والحزب الوطني وأحزاب المعارضة والأطباء وكل من يهمهم الأمر حتي سبتمبر2007 ثم أعدنا صياغة المشروع وفق ملاحظاتهم, ثم قال وزير المالية إنه يجب عمل دراسة اكتوارية تحدد تكلفة النظام خلال الأعوام العشرين المقبلة واستمرت الدراسة عامين حتي نوفمبر2009 وانتهت إلي نفس ما انتهينا إليه في الوزارة عام2007 وهو أننا نحتاج إلي17 مليار جنيه تزيد إلي36 مليارا لنوفر الخدمات الصحية للنظام الذي وضعناه ويعطي المواطن الحق في الاختيار بين العلاج في مستشفي حكومي أو قطاع خاص, وأن يسجل نفسه لدي الطبيب الذي يري أنه مؤهل لذلك وتري الوزارة أنه تنطبق عليه شروط الجودة.. وأود أن أشير إلي أن القيادة السياسية لديها تصميم علي مناقشة مشروع القانون في الدورة البرلمانية القادمة التي ستبدأ في ديسمبر المقبل. * وكيف سيتم تدبير17 مليار جنيه المطلوبة للنظام الجديد للتأمين الصحي؟ ** هناك بدائل كثيرة منها تطبيقه خلال10 أو12 عاما بدلا من7 سنوات, ورفع قيمة شرائح الاشتراكات فمن يكسب أكثر يزيد اشتراكه, وعملية الاجبار في دفع الاشتراك جوهرية! المؤسسات والجهات * كيف تجبر جهة أو مؤسسة لديها نظام علاج خاص ممتاز علي أن تشترك في التأمين الصحي؟ ** إذا لم تكن تريد الاشتراك في النظام فعليها أن تدفع نسبة4% المطلوبة وليس1% فما تدفعه سننفق منه علي28 مليون مواطن منهم8 ملايين مشتركون في التأمين الصحي و20 مليونا مجانا, والاشتراك الذي تدفعه هذه الجهات نوع من التكافل الاجتماعي.. وإذا أرادت جهة أو مؤسسة عدم الاستفادة من التأمين الصحي فلن يحق لها أن تطلب زرع كبد علي نفقة الدولة لأن نظامها الخاص يشمل العاملين فيها حتي آخر يوم في حياتهم, كما يحدث في الدول الأخري, أما إذا قبلت الاشتراك معنا بطريقة تصاعدية فإن ذلك يسمح لها باختيار الطبيب والمستشفي والمستوي التأميني للعلاج. 20 مليونا بالمجان * وكيف تحددون ال20 مليون مواطن الذين سيعالجون مجانا؟! ** هم الذين ينطبق عليهم قانون التضامن الاجتماعي الذي سيصدر خلال أيام والذي وضع9 شروط لا يمكن التلاعب فيها. * وهل هناك مصادر أخري للتمويل غير الاشتراكات الاجبارية؟ ** ندرس الآن بدائل كثيرة منها فرض رسوم علي المحمول, وزيادة الضريبة علي الأسمنت والتبغ. شارك فى الندوة: حسن فتحي أسامة عبدالعزيز عزت عبدالمنعم ماري يعقوب عبير الضمراني حنان حجاج أحمد فرغلي شريف عبدالباقي أعدها للنشر: طارق مهدي من وزارة الصحة د. عبدالرحمن شاهين المتحدث الرسمي بإسم وزارة الصحة