إن المجزرة التي نفذها كوماندوز اسرائيلي علي اسطول الحرية تمثل إنتهاكا لقواعد القانون الدولي وعدوانا صارخا علي القيم الإنسانية التي يحميها هنا مجموعة من القواعد التي استقر العالم. علي إلزاميتها وضروريتها بحسن سير العلاقات الدولية.إننا أمام واقعة محددة, السفن كانت في عرض البحار الدولية أي منطقة غير خاضعة لسيادة أية دولة من الدول بما في ذلك إسرائيل بالطبع, والسفن تمارس حق الملاحة الحرة حيث لم تقم بعدوان علي أحد ولا تحمل أية مواد تضر بالبحر العالي, وبالتالي فليس من حق أحد أن يهاجمها علي الإطلاق, لذا تمثل الجريمة في البداية انتهاكا للقانون الدولي للبحر ومخالفة صارخة لحرية الملاحة في البحار العالية, حيث هاجمت قوات دولية سفنا مدنية وليست عسكرية تمارس حرية الملاحة فهذه هي الجريمة الدولية الأولي, ومن ناحية ثانية فقد قتلت قوات الكوماندوز الإسرائيلية في عرض البحر العالي مجموعة من المدنيين الذين كانوا يقصدون إيصال معونات لسكان غزة المحاصرين منذ أمد طويل, تريد أن تمدهم بمعونات غذائية وطبية يحتاجون إليها بعد أن منع الحصار الإسرائيلي حصولهم علي ضروريات الحياة. وهذا في حد ذاته جريمة عدوان دولية يطبق عليها تعريف الجمعية العامة للعدوان الذي أصدرته منذ سبعينيات القرن الماضي. ونريد هنا أن نفند مزاعم إسرائيل بقيامها بالدفاع عن النفس, فالدفاع يفترض عدوانا مسلحا لا سبيل لدفعه إلا بارتكاب الفعل العدواني, فواضح أن أحدا لم يدع حتي إسرائيل نفسها أن هؤلاء الأشخاص يمارسون عدوانا وليس بيدهم أي أسلحة للعدوان ربما وفقا لرواية إسرائيلية حاولوا أن يهاجموا العدوان المسلح عليهم من قبل القوات الإسرائيلية بسكاكين المطبخ فهو حالة مقاومة للعدوان أي ممارسة حق الدفاع الشرعي عن النفس وليس العكس. وهذه الجرائم من الجرائم الدولية التي تختص بالمحاكمة عليها المحكمة الجنائية الدولية وفقا لنظامها الأساسي علي أن حق تحريك الدعوي أمام هذه المحكمة لا يثبت إلا للدول الأعضاء للنظام في اتفاقية روما, أو مجلس الأمن, لذا نبادر الي حث مجلس الأمن علي ممارسة حقه القانوني في إحالة الجريمة الي المحكمة الجنائية الدولية, وستقوم هي بالطبع بالتحقيق في الجريمة قبل أن تحيل أحدا الي المحاكمة, أما الجرائم الدولية الأخري في هذه المجزرة فهي جرائم ضد الإنسانية واعتداءات علي القانون الدولي الإنساني الذي يجد مصادر هذا في اتفاقيات جنيف المبرمة عام1949 م وملحقها المبرم عام1977 م, فالحصار علي غزة يخالف النصوص الصريحة لاتفاقية جنيف الرابعة حيث تحرم منع الإمدادات عن السكان المدنيين الخاضعين لقانون الاحتلال الحربي, وهذه الاتفاقية تحرم العدوان علي السفن التي تعمل لأغراض إنسانية وتمنع صراحة التصدي لمثل هذه السفن من جانب سلطات الاحتلال, والواقع أنها مناسبة لفتح ملف الحصار المفرض علي غزة والذي يحرم شعبا يبلغ عدده حوالي المليونين ونصف المليون من السكان من وسائل الحياة ويعرضهم للموت والفناء سريعا بشكل بطيء وهو ما يلزمه اتفاقية منع إبادة الجنس والمحاكمة عن هذه الجريمة تدخل صراحة في اختصاص المحكمة الجنائية الدولية. ينبغي أن نقول: إن مجلس الأمن وهو الجهاز التنفيذي الرئيسي للأمم المتحدة عليه صلاحيات واسعة يمارسها وفقا للباب السابع فيه ضد الدول التي تمارس عدوانا علي دولة أخري يملك اتخاذ تدابيرعسكرية وغير عسكرية وفقا لمنهج الأمن الجماعي ولا طالما مارسه المجلس ضد دول عربية وإسلامية, ومازال يمارسه ضد غيرنا منذ فترة كتدابير مقاطعة اقتصادية دون جريمة واضحة ارتكبتها إيران, ومارسه ضد العراق في حرب الخليج ومارسه في السودان وسوريا: وهكذا, ولم ترتكب هذه الدول جرائم ضد كافة القوانين كما فعلت إسرائيل قامت بعدوان مسلح عن طريق قوات تابعة لها ضد سفن مدنية, متي يتحرك مجلس الأمن ويتخذ التدابير المناسبة في إطار الأمن الجماعي الدولي لكبح جماح المعتدي ورده عن عدوانه؟ متي يتحرك مجلس الأمن لفك الحصار الظالم علي شعب أعزل تستهدف إسرائيل إبادته, حتي يتحرك مجلس الأمن لمنعها من مواصلة ما تقوم به كل يوم من عمليات قتل وإبادة وتجويع وهدم منازل وتغيير ديموجرافي تقوم به في غزة وفي القدس وفي مختلف الأراضي الفلسطينية؟ إن الشروط القانونية للتدخل متوافرة هنا إذ أن عنوان الفصل السابع من الميثاق ينص علي التدابير التي تتخذ في حالة وقوع أفعال تهدد السلم أو تخل به أو وقوع أفعال عدوان, لذا نستحثه ونستحث الأمن العام أن يتولي مسئوليته لتولي هذا العدوان. إن المجتمع الدولي قد ثار بشدة لما حدث, وأدان الفعل الإجرامي وطالب بإخلاء سبيل الضحايا الذين اعتقلتهم إسرائيل كما واجهت بعد الموقف سريعا بفتح معبر رفح لمدة غير محددة لمواجهة الكارثة الإنسانية كما أعلنت تركيا الدولة التي ينتمي الي جنسيتها معظم الضحايا أنها ستواجه العدوان بالوسائل السياسية والقانونية وهذه ردود طيبة لا تواجه العدوان بمثله وينبغي أن تكون أدوات التحرك القانوني سريعة وفعالة. إن المجتمع الدولي مطالب بالوقوف ضد هذه الجرائم البشعة التي ترتكبها إسرائيل كل يوم التي سبق أن أدانها تقرير( جولد ستون) القاضي اليهودي وأثبت أنها ارتكبت جرائم ضد الإنسانية وضد السلام في حرب غزة الأخيرة وها هي اليوم ترتكب جريمة نكراء أخري فهل يتحرك المجتمع الدولي ومنظماته هذه المرة لمواجهة ما تقوم به هذه الدولة من جرائم أم ستظل أمريكا واقفة مع الباطل والظالم مانعة أي مساس به أو توقيع عقوبة عليه مهما فعل؟ سننتظر ونرجو ألا ننتظر طويلا حتي يتحرك المجتمع الدولي لمواجهة العدوان والظلم.