وسط صخب مفتعل وحراك سياسي زائف وصراخ فضائيات مبتذل وزعامات متورطة في بطولات من ورق وصعيد منسي وشارع يجري وراء الرايجة واناس يخلعون علي انفسهم هالات الفكر وهم ضحالي.. تسقط قيم وتنتحر مبادئ وتصاب الأصول بالعفن. القضية أن نواصل( الفرجة علي الشو) ولا ننتبه الي ما يسقط ويتساقط منا, فنمضي غير عابئين, فالوقت لص والتأمل عقاب. والمايسترو عاجز عن ضبط الايقاع والنشاز في كل الارجاء. وربما اختنقت الكلمة الأمينة داخل حلوق المخلصين, فربما كان قطع الرزق ثمنا. نجلاء التي هاتفتني, كانت كلماتها الجادة كالنسمة في نهار حار. كانت تتساءل لماذا المصري مبدع ويتألق خارج حدود مصر؟ هل في ماء نيلنا معادلة تصيب المصريين بالسقم؟ هل في هوائنا ما يعطل الطموح؟ وتسألني نجلاء هل ما ابوح به لك هو ما اصطلحتم علي تسميته انتم معشر الكتاب بجلد الذات؟ واذ لم نجلد ذاتنا لنتطهر فكيف نسمح للعقل المصري ان يتجلي؟ عندما استخدمت نجلاء في حديثها المطول عبرالتليفون الثابت كلمة( التجلي), هزت الكلمة أوراق شجرتي ولعبت علي أوتاري, نعم, صار التجلي في الأقدام وليس في العقول. فالتجلي, حالة تفرد في مجالات الذهن وليس في الملاعب واستديوهات التحليل الرياضية! ولفت محدثتي نجلاء موضوع يخصها ولكنه حالة الوطن في التحجر والجمود.قالت ان مؤتمرا اقيم في الشركة البترولية التابعة لقيادة سامح فهمي الذي جاء يسمع أفكار فرسان البترول للتطوير. قامت نجلاء وطلبت الكلمة. دخلت في الموضوع وقالت: عندي تصور هيكلي للادارة, فالادارة الحديثة ما عادت رهينة القلم الكوبيا ودفتر الحضور والانصراف. والتصورهو كيت وكيت. شرحت نجلاء تصورها وكان الوزير سامح فهمي يصغي له ولم يقاطعها ولم يسفه وجهة نظرها ولم يسخر منها بقفشة ولم يقلل من اهمية التصور ولم يعتبره انتقاصا من الأداء الاداري بل اخذ يدون بعض النقاط. هكذا سماحة عقل( سامح فهمي) أرصدها منذ زمن ولا اقارب أو عقارب معينون في احدي شركاته ولا برنامج لي برعاية وزارة البترول! قالت نجلاء ما عندها ومضي الوزير وواجهت نجلاء فريقين. أحدهما أعلن انبساطه وتأييده لتصورها الإداري الذي وجد صدرا رحبا من سامح فهمي وقالوا لن تتطور هذه البلد اذا ظل شعارها( ليس في الإمكان أبداع مما كان), ولن تحقق اصلاحا والخوف يلجم الألسنة. اما الفريق الثاني, فاعلن عن ابتئاسه وكيف أن نجلاء تخطت الخطوط الحمراء والزرقاء وكشفت عن عيوب الإدارة الحالية وما كان يجب طرح التصور قبل عرضه علي المهندس رئيس الشركة. وقد فوجئت نجلاء برئيس الشركة يبحث عنها في كل الطوابق حتي عثر عليها وكانت الملاحظة الرئيسية هي كيف جرؤت وتجرأت علي نقد الهيكل الاداري في الشركة؟ كنت أتصور العكس لو كان لدينا ثقافة الاستماع لرأي آخر ربما كان اكثر نضجا أو ربما يثير نقطة ما غابت عن الاذهان. نجلاء تجرأت علي ماذا؟ علي الكلام عن بيع الغاز لإسرائيل؟! علي الكلام عن ندرة وجود مسئولين أقباط في مواقع مهمة بالدولة رغم مبدأ المواطنة؟! الكلام علي الفرق بين السب والنقد في الخلاف بين حمدي قنديل ووزير الخارجية أحمد أبو الغيط؟! نجلاء تجرأت علي ماذا؟ الكلام عن خطورة اعتصام الشعب المصري علي شط النيل اذا كانت الاعتصامات تدر عائدا ماديا؟ لم تجرؤ نجلاء علي الكلام في هذه الموضوعات الفخ فالصدور تتسع احيانا بعرض الأفق وتضيق كثقب ابرة وسقف الحرية يصعد بطول برج القاهرة وينزل بقامة سور مجلس الوزراء! نجلاء تجرأت في طرح تصور هيكلي للادارة داخل الشركة التي تعمل فيها ولم يقاطعها الوزير المختص ولم يقل لها( اقعدي ياست ووفري عبقريتك). إننا نغتال معنويا من يفكر لهذا الوطن. نعتبره عدوا ينتقص من قدرتنا وبتهمنا بالعجز! إننا نرتاح لمن لا يفكرون أو يتمردون أو.. يتصورون! إننا نكافئ الصامتين علي صمتهم ونعاقب المشاغبين يتطاولون علي الرغبة في الاصلاح أو التطوير! إننا مازلنا أسري لنظرية( الولاء قبل الكفاءة), وفي المحافل الرسمية نختار من يتكلمون أمام القيادات بعناية فائقة وفقا لسيناريو مرسوم لا يحيدون عنه ويغيب دائما أصحاب الآراء خارج سياق السيناريوهات! ونجلاء الموظفةر بشركة البترول لم تجاهر بآراء علي شفتي كل مصري مثل حالة( الكمون العربي) في مواجهة العربدة الإسرائيلية والكفاح محلك سر! إنها فقط تصورت أي افرزت قريحتها صورة ادارية بهدف الكمال, ولكن خطأ نجلاء انها لم تبلغ معلوماتها المخبوءة في عقلها لرئيس الشركة وقالته للوزير في مؤتمر عام. تفكير مباحثيلم نتخلص منه بعد! وتطالبون بتعليم أولادنا كيف يفكرون وكيف يعبرون ثم نقمعهم إذا تصوروا؟! وتطالبون بتربية سياسية لأولادنا وبناتنا ثم نطاردهم اذا فتحوا افواههم؟! اننا نرقد فوق تل من المتناقضات هي سر جمودنا وتجحرنا, ولهذ فان قريجة التجلي مرفوعة من الخدمة في العقل المصري لوقت آخر. لابد من الاعتراف اني طلبت من نجلاء بعد حديثها المتدفق عبر التليفون الأرضي صورة بالفاكس للتصور الذي اقترحته امام سامح فهي وزيرالبترول ولكنها لم ترسله ولم تعاود الاتصال, اغلب الظن ان بعض العقلاء(!) نصحوا نجلاء بالصمت والبعد عن الجرايد وامتثلت الشابة واغلقت فمها بالضبة والمفتاح. الحدوتة المحزنة تصلح فيلما سينمائيا يفضح قمع المرأة في مواقع العمل وربما تصلح الفنانة نجلاء فتحي لتجسيد الشخصية.