لقد كان الطريق للعدالة بين المرأة والرجل شاقا وطويلا عبر عنه التاريخ في مسيرة كفاح المرأة وفي المحاولات الجادة والمساعي الحثيثة التي بذلتها حركات تحرير المرأة منذ قرون وحتي الآن, تحقيق: وفاء البرادعي تطورت خلالها مناهج وسياسات التنمية تجاه المرأة وسعت مفاهيم جديدة للتعامل مع قضايا ومشكلات المرأة ليس في مصر فقط, بل في مجتمعات كثيرة من أجل تحقيق مبدأ المساواة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية وأيضا الحياة المدنية. ومن هنا يمكن القول, إن قضايا الحقوق والمشاركة والاعتراف تمثل المحاور الأساسية لقضايا المرأة بما يجيز التطرق الي خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية في مصر حول تلك الحقوق للمراجعة والتعرف علي مدي تحقيقها للمساواة والعدالة والقضاء علي جميع أشكال التمييز ضد المرأة. ومن المجالات التي اتضح فيها الفجوة النوعية بين المرأة والرجل في مصر هو التعليم والصحة مع سوق العمل والمشاركة السياسية, ويلقي هذا التحقيق الضوء علي أحد هذه المجالات والتعليم وسوق العمل, تتجسد فيهما حقوقها والتمكين الاقتصادي لها في عمليات التنمية, بتقديم إطار عام للوضع الراهن, الي جانب السياسات المطلوبة للدعم وزيادة الفاعلية. في البداية تقول الدكتورة فرخندة حسن الأمين العام للمجلس القومي للمرأة, إنه برغم أهمية المرأة في المجتمع إلا أنه لا ينظر إليها عادة كشريك فعلي للرجل بل يأتي التركيز دائما علي الرجال ودورهم في إحداث التنمية. وفي هذا السياق, فقد بدأ إعداد خطة للنهوض بالمرأة المصرية وادماجها في الخطط الخمسية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية للدولة, وذلك منذ عام2000 والتي ركزت مع مستهل القرن ال21 علي التنمية البشرية بصفة عامة وتنمية المرأة بصفة خاصة, مع زيادة نسبة ما يخصص من الانفاق العام والاستثمارات الاجتماعية للمشروعات ذات الأولوية المخصصة للمرأة. ولأهمية التوزيع الجغرافي للاستثمارات المخصصة للمرأة, ونظرا لاختلاف احتياجات ومشكلات المرأة من محافظة لأخري, ومن إقليم لآخر, فقد جاءت الخطة الخمسية السادسة2012/2007 مما يتيح التوزيع الإقليمي للاستثمارات في إطار التغلب علي مشكلة التلاشي التدريجي لوجود المرأة علي مستوي المحافظات مع تحديد حجم المطلوب في المستقبل, ومسايرا لتطبيق لامركزية التخطيط في المرحلة المقبلة, وأن تكون عملية التخطيط من المستوي الأدني الي الأعلي, وادماجها في الخطط الخمسية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية علي المستوي القومي والتي عرفت بالموازنة المستجيبة للنوع الاجتماعي. ومن جانبها, تقول الدكتورة مني البرادعي أستاذ الاقتصاد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة, ان مشاركة المرأة المصرية الضعيفة في قوة العمل من أكثر المؤشرات التي كان لها تأثير مباشر علي تراجع كفاءة وتنافسية سوق العمل في مصر واتخاذها المركز قبل الأخير من بين(131) دولة تضمنها المؤشر العالمي للقدرة التنافسية الصادر عن المنتدي الاقتصادي العالمي. وتضيف أن المرأة في مصر تعاني من تدني نسبة مشاركتها في سوق العمل الرسمية التي بلغت في المتوسط أقل من الخمس أي19% من إجمالي التشغيل خلال الفترة2007/2001 فضلا عن تدني هذه النسبة في القطاع الخاص علي وجه الخصوص حيث بلغت16% مقابل26% في القطاعين الأعمال العام والحكومي في نفس الفترة. كما أن هناك تمييزا ضدها في معدلات الأجر وعلي الأخص في القطاع الخاص علي الرغم من تركز النساء في المهن التي تقع في أسفل السلم الوظيفي مما قد يبرر حصولها علي أجور تقل عن تلك التي يحصل عليها الرجال, فالمرأة المصرية تحصل علي ما يعادل70% فقط في المتوسط مما يحصل عليه الرجل الذي يتمتع بنفس خصائصها. ومن ناحية أخري, يتركز عمل المرأة في مصر في مهن معينة تأتي الزراعة في مقدمتها بنسبة66%, والأعمال الكتابية39%, والفنية34% مع تواضع مساهمتها في أعمال الإدارة حيث لا تتعدي16% مقارنة ب84% للرجال, كما أن75% من العاملات يعملن بصورة غير رسمية مما يحرم المرأة من الحماية التعاقدية وحقوق العمل والمزايا الخاصة, فضلا عن تأثير العبء المزدوج علي نوعية حياة المرأة وكفاءتها في العمل, وأن هناك مؤشرات تشير الي أن الطلب المستقبلي من جانب القطاع المنظم علي عمل المرأة سوف يكون متواضعا حيث بلغ نصيب المرأة10% فقط عام2005 وهو ما أفاد به د. سمير رضوان الخبير بمنظمة العمل الدولية. ويشير الباحثون في دراسات مركز البحوث الاجتماعية بالجامعة الأمريكيةبالقاهرة, الي أن أهم المؤشرات السلبية التي تجلت فيها عدم المساواة والفجوة بين الإناث والذكور وجود فوارق واضحة في معدل التعليم بين المحافظات المختلفة وفي زيادة معدل عدم التحاق الإناث عن المتوسط العام في محافظات الوجه القبلي ويرتفع معدل التسرب من التعليم لأكثر من الضعف في المحافظات الحدودية كمطروح وجنوب سيناء, فنجد النساء اللاتي يجدن القراءة والكتابة( عام2002) نحو43,6% مقابل67,2% للرجال منوهين الي أهمية البعد الاقتصادي في عمل المرأة المثقلة بأعباء المنزل بمفردها مما يشغلها عن عملها الخارجي. وفيما يخص مجال تمكين المرأة اقتصاديا تضيف الدكتورة مني البرادعي انه لايزال يمارس التمييز ضدها في الأحياء الحضارية الفقيرة وفي الريف وفي الوجه القبلي خصوصا. وفي هذا الصدد, توضح الدكتورة دينا مندور أستاذ الاقتصاد بكلية الاقتصاد جامعة القاهرة, ان قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات يمثل مجالا واسعا وواعدا يمكن أن تنافس فيه المرأة المصرية, إلا أن نسبة مشاركتها ضعيفة لا تتعدي10% فقط عام2006 متدنية بذلك عن مستوياتها السائدة علي مستوي الاقتصاد ككل والتي وصلت الي15% في نفس العام. وتطالب الدكتورة هبة نصار نائب رئيس جامعة القاهرة بضرورة إعادة المنظومة التعليمية بما يتناسب مع مؤشرات سوق العمل ودعم التحاق الفتيات بمستويات التعليم العام بأشكاله ودرجاته, وتأكيد حقها في العمل لإيجاد مناخ متكافئ وتشجيع الأسر علي مواصلة الفتيات للتعليم بكل مراحله واستخدام التجارة الالكترونية في المشروعات الصغيرة والتي تناسبها, فضلا عن إدخال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في النظام التعليمي للمرأة أسوة بالرجل وتوسيع الخيارات أمام أنماط العمل غير التقليدية حتي لا تترك المرأة العمل تحت وطأة أية ظروف أخري واعادة التوزيع الجغرافي للاستثمارات التي تخدم المرأة.