هل تخرج أفريقيا من العزلة والاهمال.. من جانب القوي الغربية الكبري التي كثيرا ما استنزفت ثرواتها.. ولاتزال؟! نطرح هذا التساؤل الآن لأن اليوم تعقد قمة فرنسا أفريقيا التي تستضيفها مدينة نيس بالريفيرا الفرنسية علي الساحل الشمالي للمتوسط. لمدة يومين. وهي قمة كان من المفترض أن تستضيفها شرم الشيخ في فبراير الماضي.. ولكن نظرا لاعتبارات سياسية.. اتفقت الدبلوماسيتان المصرية والفرنسية علي تأجيلها.. ونقلها من جنوب المتوسط إلي شماله. هذه القمة الخامسة والعشرون من المنتظر ان تجمع رئيس فرنسا مع كل أو معظم رؤساء دول القارة الأفريقية.. وفي المقدمة الرئيس حسني مبارك.. أولا علي اعتبار أن مصر كانت هي الدولة المختارة لرئاسة القمة.. وثانيا أيضا لاعتبارات سياسية ليس أقلها شأنا أن تكون مصر حاضرة مع الأشقاء الأفارقة وهم يتناولون مع رئيس فرنسا اهتمامات وأولويات وتحديات وأيضا هموم هذه القارة المنسية.. في وقت تشعر فيه مصر بوضوح بأهمية هذه القارة الحيوية والمصيرية لمصر.. وبأهمية التفاعل معها علي الساحتين الأفريقية والدولية الدكتور بطرس غالي الأمين العام السابق لمنظمة الأممالمتحدة ينتقد من ناحية تناسي المجتمع الدولي واهماله لهذه القارة.. ومن ناحية أخري عدم وجود سياسة خارجية مشتركة لدول القارة تجعل صوتها مسموعا في المحافل الدولية.. فالرأي العام الدولي والمؤسسات الدولية.. لا تهتم بأفريقيا.. والمجتمع الدولي لم يبد أي اهتمام بالقارة إلا بعد ظهور القرصنة بالقرب من السواحل الصومالية.. لدرجة أن دولة أفريقية هي الصومال قد اختفت منذ عشرين عاما.. منذ عام1990.. دون أن تعبأ بالأمر القوي الكبري والمنظمات الدولية بما في ذلك الأممالمتحدة.. وفق الدكتور غالي. الأمين العام السابق للأمم المتحدة بطرس غالي يدعو ويؤكد في الندوة التي نظمتها رابطة خريجي معهد العلوم السياسية بجامعة السوربون.. حول الطموحات الأفريقية للقرن الحادي والعشرين.. بمناسبة احتفال فرنسا بمرور50 عاما علي حصول الدول الأفريقية علي استقلالها.. ضرورة عدم انطواء الفرنسيين والأوروبيين علي مشاكلهم الخاصة.. وضرورة اهتمام الرأي العام الفرنسي والأوروبي.. بالقارة الأفريقية وبالشئون الدولية.. لأن جانبا كبيرا من المشكلات الوطنية الداخلية.. في السنوات القادمة.. لن يمكن حله علي الصعيد الداخلي وحده.. وانما سيتم حله علي الصعيد الدولي.. الدكتور غالي يتساءل علي الجانب الآخر.. عما يجب عمله من جانب أفريقيا.. لكي تعود للعب دور علي الصعيد الدولي.. ويجيب بأن: أفريقيا يجب أن تكون لها سياسة خارجية مشتركة علي صعيد القارة حتي تثبت وجودها.. ويشير إلي أن أفريقيا كانت موجودة من خلال تضامنها للحصول علي الاستقلال.. والنضال من أجل التحرير.. وحركة عدم الانحياز التي وحدت الافارقة وفي الحرب الباردة كلها شكلت في الماضي سياسة خارجية مشتركة.. وكل ذلك انتهي ولم يعد لأفريقيا صوت علي الصعيد الدولي.. والسياسة المشتركة ليست بالضرورة سياسة شاملة ومواقف موحدة حول كل القضايا.. وانما علي الأقل حول مشاكل معينة.. لتكون هناك كتلة أفريقية يحسب حسابها.. كما لابد من اقامة نظام اقتصادي أفريقي جديد.. في رأي الدكتور غالي.. فأفريقيا التي لديها ثروات طبيعية ضخمة لم تستطع حتي الآن اقامة سوق أفريقية مشتركة وكان من المفترض أن تولد في عام2000 ولابد من ترسيخ الديمقراطية وحقوق الإنسان في القارة.. ويدعو الأمين العام السابق للأمم المتحدة إلي ضرورة اقامة نظام دولي جديد.. والإعداد للجيل الثالث من المنظمات الدولية.. بعد عصبة الأمم.. والأممالمتحدة.. والأمر لا يتعلق بمقعد هنا.. ومقعد هناك.. بل لابد من اعطاء دور لفاعلين آخرين غير الدول.. لابد من دمقرطة الأممالمتحدة. الدكتور بطرس غالي يرحب ويسعد باهتمام فرنسا ساركوزي بالقارة الأفريقية.. ويقول اننا نرحب بأي اهتمام يصدر من أي دولة أوروبية بالنسبة للقضايا الأفريقية.. فالمشكلة الأساسية هي أن الدول الأفريقية معزولة.. لأن الرأي العام الدولي غير مهتم بالقضايا الأفريقية.. والدليل علي ذلك ما يحدث في السودان وما يحدث في رواندا وما حدث في المواجهات التي وقعت بين اثيوبيا واريتريا أو الخلاف الذي جري بين تشاد وليبيا.. أو الخلاف بين المغرب والجزائر.. ونري أن هذا الاهتمام الأجنبي يساعد أفريقيا علي أن تخرج من عزلتها. من هذا المتطلق فان قمة فرنسا أفريقيا.. لابد أن تحظي باهتمام كبير.. برغم أصوات البعض التي انطلقت مطالبة بإلغائها.. باعتبارها من بقايا الاستعمار.. ولكن البعض الآخر.. يري أن هذه القمم تدفع بالأجندة السياسية والاقتصادية لفرنسا وأفريقيا إلي الأمام.. قمة نيس تتأسس وفق المصادر علي عدد من المحاور.. جلسات رؤساء الدول والحكومات والتي تناقش في المقام الأول القضايا السياسية وأفريقيا والحوكمة, والأمن والسلام, والقضايا الاقتصادية والبيئية الدولية. والسمة المميزة لقمة نيس انها تواكبها قمة مشروعات وشركات ورجال أعمال حيث يشارك أكثر من مائين من رؤساء الشركات ورجال الأعمال من فرنسا ومن أفريقيا(80 من فرنسا و150 من أفريقيا مدعوين للمشاركة) وهو لقاء اقتصادي مهم يشارك فيه وزراء الاقتصاد ويجري بالتوازي مع الجلسات السياسية. قمة فرنسا أفريقيا.. التي تجتمع مرة كل عامين.. مرة في فرنسا.. ومرة في أفريقيا.. تمثل لحظة مهمة وأساسية في سياسة فرنسا الأفريقية.. من سائر وجوهها.. السياسية.. والاقتصادية.. وأيضا العسكرية.. وهي سياسة تبدو متواضعة في السنوات الأخيرة.. حيث تضاءل الاهتمام الفرنسي بالقارة.. ووجودها فيها.. وحلت محله اهتمامات قوي أخري ليس أقلها شأنا.. الصين.. وأيضا إسرائيل.. التي عززت تواجدها وتغلغلها في القارة السمراء.. وأيضا تلاعباتها فيها.. أليست هي التي إلي حد كبير وراء أزمة مياه النيل المفتعلة؟! قمة إفريقيا فرنسا هي بداية لمناسبات فرنسية أخري سوف تكون خلالها إفريقيا محط الاهتمام. وهذه القمة تؤكد وجود إرادة فرنسية واضحة.. أو لنقل أيضا ارادة ساركوزية واضحة للاهتمام بأفريقيا وأوضاعها.. بمآسيها ومعاناتها.. تستحق من البلدان الأفريقية أن تستجيب لها وأن تتمسك بها وتنميها.