لو أننا ضيقنا زاوية النظر إلي حدود تحرك أوباما, لإيجاد حل سلمي يقبله نيتانياهو, من خلال المفاوضات غير المباشرة الجارية الآن, سنجد ان دور السياسات الداخلية في امريكا تجعل أوباما يضع علي قمة أولوياته, إعادة انتخابه لفترة رئاسة ثانية, وان هذه الأولوية تزايدت أهميتها بعد تراجع نسبة القبول بسياساته من الرأي العام, وايضا من جانب قطاع من الذين أعطوه أصواتهم في الانتخابات الأخيرة. ولن نخدع أنفسنا ونغفل عن تضاؤل الاحتمالات في قبول نيتانياهو سلاما يعيد الأرض المحتلة, وسيسمح بقيام الدولة الفلسطينية, فهو يتحرك داخل إطار سياسي أوسع مدي من توجهاته الشخصية, ومن ائتلافه الوزاري اليمني المتطرف الرافض للسلام, وهو الإطار الذي حل محل ما كان ملتزما بقواعد عملية السلام من مدريد1991, وحتي اغتيالهم رئيس وزرائهم اسحق رابين.1995 فمنذ بدء عملية السلام في مدريد, أقرت اسرائيل بأن قبولها اتفاقات مدريد, قد أدخلها مرحلة جديدة في تاريخها أسماها عدد كبير من المفكرين اليهود في اسرائيل, وأوروبا, والولاياتالمتحدة, عصر مابعد الصهيونية, وبعد ان قامت المرحلة السابقة له بكاملها, علي المشروع الصهيوني بأهدافه المعلنة عن التوسع في الأرض, وعدم الانسحاب من أراض احتلت بالقوة, وإنكار حق الفلسطينيين في دولتهم, وأحيانا إنكار وجودهم ذاته علي أرض فلسطين. وحين فاز نيتانياهو برئاسة الحكومة عام1996, قاد انقلابا علي عملية السلام, من أجل العودة إلي المشروع الصهيوني, رافضا الاعتراف بما يسمي عصر مابعد الصهيونية, وجاء في الكتاب الخاص عن عصر مابعد الصهيونية الذي صدر في نيويورك عام1996 لعدد من المفكرين اليهود ان انتخاب نيتانياهو قد دفع بالأماني الوطنية للفلسطينيين الي مرتبة متأخرة جدا. وجاء اغتيال رابين بمثابة دفعة قوية لهذا الانقلاب وظهور تراجع من قادة حزب العمل الذي كان يقوده رابين, عما كانوا قد التزموا به. اي ان حكومة اسرائيل قد أعادت الفكر الاستراتيجي للدولة عمليا إلي مفاهيم المشروع الصهويني, وسايرتها الأحزاب السياسية علي اختلافها, وهو مايدلل عليه الكاتب الاسرائيلي دانييل جورديس المنتمي الي اليمين الاسرائيلي المتعصب, في كتابه إنقاذ اسرائيل من أنه لا يوجد في اسرائيل الآن أي تنظيم أو حركة سياسية تتبني أفكار عصر مابعد الصهيونية. يضاف الي هذا الإطار العام, الذي يحكم حركة نيتانياهو, حساباته الشخصية ومعرفته بأنه سيخسر الائتلاف الذي يضم حكومته, ورئاسته لحزب الليكود, لو أنه وافق علي السلام من خلال المفاوضات غير المباشرة التي دعا اليها أوباما. ومن ناحيته يدرك أوباما ان مشكلة الملف النووي الايراني التي تقع علي قمة التحديات التي تواجه سياسته الخارجية, تحتاج الي حل المشكلة الفلسطينية, علي أساس اقتناعه بأن حلها سيكون سببا في تضييق الخناق علي مساعي ايران لتوسيع نفوذها ووجودها في مناطق عربية خارج حدودها, وتشديد ثقلها في المواجهة السياسية مع الولاياتالمتحدة. وأوباما يعود بذلك الي الفكرة التي كان سلفه جورج بوش قد رفضها, حين قدمها اليه جيمس بيكر ولي هاملتون في تقريرهما المشترك حول تقييم الوضع المتدهور في العراق, وقررا ان المشكلة الفلسطينية هي القضية المركزية في قلب المشاكل والتحديات التي تواجه أمريكا في الشرق الأوسط. وان حلها سيزيح عبئا ثقيلا عن الولاياتالمتحدة, ويسهل لها تخفيف حدة المشاكل الأخري. وهو تفكير كان أوباما قد عبر عنه حين أعلن اكثر من مرة ان عدم حل المشكلة الفلسطينية, يضر بالأمن القومي للولايات المتحدة. أوباما اذن مقبل علي الموازنة بين الدخول في صدام مع نيتانياهو لصالح الأمن القومي لبلاده, وبين ترجيح كفة حساباته في توفير أفضل ظروف لإعادة انتخابه. وللأسف فإن العرب وهم الطرف الأصيل في المشكلة, يميلون دائما للانتظار حتي تنقشع السحب, وتنجلي الصورة, مع أن في يدهم الكثير ليفعلوه لمصلحة شعوبهم, ولصالح الأمن القومي لبلادهم, ونحن في الانتظار!.