بعد اغتيال اسحق رابين برصاص إسرائيلي, وفي اليوم التالي لأول انتخابات تجري عقب هذا الحادث, والتي هزم فيها شيمون بيريز خليفة رابين, صدرت صحيفة إسرائيلية يحمل عنوانها الرئيسي هذه الكلمات إيجال عمير يدلي بصوته مرتين. والمعني الذي قصدته الصحيفة ان التصويت الأول لعمير كان إطلاق الرصاص علي رابين, وان تصويته الثاني تم من داخل زنزانته في السجن, فهو قد صوت ضد بيريز, وحيث يسمح القانون الإسرائيلي للمسجونين بالتصويت. وحتي عندما جرت انتخابات في تاريخ لاحق وفاز فيها إيهود باراك زعيم حزب العمل حزب رابين, فإنه ابتعد عن المسار الذي كان رابين قد سار فيه, وتراجع خطوات ليقف عند الخط القريب من الليكود, مثلما فعل بيريز نفسه فيها بعد, وتم تفريغ حزب العمل من التوجه الذي عرف به منذ إعلانه انه يفضل السلام علي التمسك بالأرض, وانه يقبل بالدولة الفلسطينية المستقلة. وكان موقفه هذا يمثل تغييرا في سياساته انعكس في توقيعه اتفاقية اوسلو عام1993, التي اعترف فيها بالحقوق الوطنية المشروعة للفلسطينيين. هذا بصرف النظر عن شكوك في نيات غير معلنة من جانب حزب العمل. لكن الانقلاب علي ما اعتبره اليمين الاسرائيلي, خروجا من رابين علي المشروع الصهيوني, قد حدث مع فوز نيتانياهو في انتخابات عام1996, وهو الفوز الذي وصفه الكاتب اليهودي الأمريكي البروفيسور إيجال شليفر الاستاد بجامعة نيويورك, بأنه كان يمثل رجوعا الي الماضي. والماضي, هو المشروع الصهيوني الطامح في التوسع في الأراضي, وليس الانسحاب منها, وإنكار الحقوق المشروعة للفلسطينيين في أرضهم, بما فيها حقهم في تقرير المصير وإقامة الدولة. .. وأذكر حين حضر نيتانياهو عقب انتخابه عام96, المؤتمر السنوي للوبي اليهودي إيباك في واشنطن وكنت حاضرا المؤتمر وتعرض لوصف الشرق الأوسط الجديد, الذي كان شيمون بيريز قد جعله عنوانا لكتابه الصادر عام1993, ورفع نيتانياهو عقيرته صائحا لا يوجد شرق أوسط جديد, فالشرق الأوسط هو الشرق الأوسط. وكان بذلك يؤكد رفضه كل ما جد من التعهدات التي التزمت فيها حكومة رابين/ بيريز, بقبول السلام, علي أساس الانسحاب والدولة. ويتصل بهذا الشرح الذي قدمه سيمحا دينيتز سفير إسرائيل الأسبق في الولاياتالمتحدة. في المؤتمر الذي نظمه معهد واشنطن للشرق الأوسط عام1998, لتقييم حقيقة ما جري في حرب1973, بعد مرور25 عاما عليها, وكنت مشاركا كمراقب, يومها قال دينيتز ان عملية السلام قد نقلت الصراع بين اسرائيل والفلسطينيين, من صراع وجود الي صراع حدود. وهو بهذا يعترف أن قضية المشروع الصهيوني هي إلغاء الوجود الفلسطيني أساسا. وبالطبع فإن ما فعله نيتانياهو أنه أعاد السياسة الإسرائيلية الي مفهوم صراع الوجود. وهو علي النقيض تماما من إقرار السلام, وكل ذلك شهدناه في تصريحاته ومواقفه العملية منذ مجيئه للمرة الثانية الي الحكم عام2009. هذا هو المناخ الذي تجري فيه مساعي الرئيس أوباما, والذي تدور فيه المفاوضات,غير المباشرة, التي تتولاها الولاياتالمتحدة. وليس بجديد ما يقال عن ان أوباما قد جهز خطة تحدد الموقف الذي ستلتزم به إدارته حيال المشاكل الجوهرية, أو ما عرف بمشاكل الوضع النهائي وهي القدس, واللاجئين, والحدود غيرها والتي استبقها نيتانياهو بإجراءات علي الأرض, وبيانات مستفزة يعلق فيها انه هو الذي يقرر مصير هذه المشاكل وليس اي طرف آخر. من المسائل المعروفة حاليا ان أوباما يريد التوصل إلي حل نهائي للمشكلة الفلسطينية, قبل انتهاء فترة ولايته الحالية, وانه يجد تأييدا لفرض خطته من جيمس جونز مستشاره للأمن القومي, وبقية الذين شغلوا هذا المنصب في عهود رؤساء سابقين خاصة برنت سكوكرفت مستشار الأمن القومي للرئيس بوش الأب, وبريجنسكي مستشار الأمن القومي للرئيس كارتر, بالاضافة إلي عدد كبير من الخبراء والمساعدين الذين عهد اليهم رؤساء سابقون بمسئولية إدارة المفاوضات الاسرائيلية الفلسطينية. معني ذلك ان التحرك الدبلوماسي الأمريكي سواء حسب المفاوضات غير المباشرة الجارية الآن, أو طبقا للخطة المتوقعة لأوباما, إنما ينتظره حائط صد من جانب حكومة اسرائيل. وأيا كانت النتيجة فإن عدم اتخاذ أوباما خطوة حاسمة إزاء هذا الموقف الاسرائيلي, خاصة بعد إعلانه أن التسوية حسب التصور الأمريكي, هي مصلحة أمن قومي للولايات المتحدة, قد تلحق ضررا كبيرا بمصداقية أمريكا في المنطقة وفي العالم.. فماذا سيفعل؟.