كان صباحا جميلا, وقد استقل سيارته الي عمله مبكرا لتفادي ازدحام خانق, نسمة الربيع الحانية تهز أوراق الشجر علي جانبي الطريق وتداعب وجهه مربتة ومنشطة, النيل علي يمينه وشماله في أحلي بقعة عند كوبري قصر النيل: ينساب وديعا, جبارا, جميلا, متوحشا, يفتح الراديو: عبد الوهاب يغني النيل نجاشي حليوة واسمر يستمر في طريقه وهو في حال من النشوة والسعادة( فجأة) عاجله خبر في الاذاعة يقول إن مفاوضات دول المنبع والمصب لهذا الحليوة الاسمر لم يصبها النجاح!!! اي مفاوضات هذه ؟! النيل يجري قبل هيرودوت بملايين السنين فماذا حدث( فجأة!!) حتي اتت أمور تهدد مسيرته, وحياتنا؟ لكن الحدث لم يكن مفاجأة.. ولكنه أخذ سنين طويلة من التخطيط والفكر حتي وصلنا الي حال اصبح فيه شريان حياتنا مهددا بالجفاف. كانت لنا علاقات افريقية وطيدة علي مدي التاريخ المكتوب ووجود سياسي وثقافي ومائي واسع: لم نحسن استثماره بل اهدرناه بسوء التصرف والنظرة الاستعلائية حتي وصل الامر في السودان الي الرقصة الشهيرة لصلاح سالم.. ثم استفتاء الانفصال الذي وافق عليه حتي الحزب الاتحادي الذي كان من أشد المطالبين بالوحدة مع مصر: وهكذا( فجأة) انفصل السودان وبعدها بفترات بدأت المناوشات بين شمال السودان وجنوبه لتصل الي حرب أهلية دامية ولم تتحرك حتي وصل الامر الي الاستفتاء في يناير القادم.. وسوف ينفصل الجنوب عن الشمال( هكذا.. فجأة!!) وبذلك يصبح مجري النيل السوداني في أيد علي الاقل ليست صديقة لمصر.. ثم إن إثيوبيا, كانت لنا بها علاقة عميقة الجذور جدا ويكفي ان الكنيسة الارثوذكسية تابعة لبابا الاسكندرية وهذا رباط أكبر بكثير من رابطة السياسة والمصالح.( وفجأة) انفصلت الكنيسة الاثيوبية عن المصرية وفقدنا صلة وثيقة كانت لاشك ستصبح ذات فائدة قصوي في أيامنا هذه المكفهرة. وفي بداية الخمسينيات والستينيات كانت لنا علاقات قوية جدا بدول إفريقيا وساعدنا كثيرا منها علي التحرر وكان زعماؤهم في زيارات متكررة ومستمرة الي مصر ونذكر منهم نيكروما وسيكوتوري وغيرهما, وكانت شركة النصر للتصدير والاستيراد دولة داخل دول افريقية عديدة, ثم تضاءل الاهتمام بعد ذلك بالرغم من تحذيرات الدكتور بطرس غالي حتي حدث( فجأة) أن وجدنا سبع دول افريقية تتحفز علينا وتنظر الي ما لدينا من ماء مصدره منابعهم وهي تري جزءا كبيرا منه يتدفق الي مياه البحر الابيض المتوسط. ما علينا.. يجب أن يكون تعاملنا مع هذا الموقف الجديد هادئا واقعيا, فبروتوكولات المياه من أوائل القرن العشرين كانت بين دول الاحتلال, والامور الآن قد تغيرت واحتياجات الإخوة الافارقة زادت مع النمو السكاني ولنبدأ بمشاريع التحلية وتقليل المهدر الضخم من مياهنا في البحر أو في زراعات الغمر ومنتجعات الجولف. د. خليل مصطفي الديواني