اذا كان هناك ثمة ما يمكن استنتاجه من نتائج زيارة الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف لدمشق وتبعها بزيارة تركيا التي رعت مفاوضات سورية إسرائيلية غير مباشرة. فهو أن روسيا قد شرعت بالتعاون مع الأطراف المعنية بالتسوية في الشرق الأوسط في التحرك باتجاه الولاياتالمتحدة وإسرائيل أيضا من أجل تحريك عملية المفاوضات والسلام, وتهيئة الأجواء لذلك, ليس فقط بوصفها عضوا دائما في مجلس الأمن وأحد أطراف اللجنة الرباعية الدولية, ولكن أيضا في إطار سعيها منذ عصر الرئيس السابق فلاديمير بوتين نحو استعادة روحها السوفيتية. فمن بين أبرز ما ترشح خلال الزيارة يستند الي تأكيد الرئيس السوري بشار الأسد, أن هناك طرفا عربيا مستعدا للسلام ينتظر أن يتحرك الراعي الأمريكي في غياب شريك إسرائيلي, وأن الحلول الوسط يمكن أن تكون في موضوعات العلاقات( مع إسرائيل) والترتيبات الأمنية وتفاصيل أخري ماعدا الحقوق التي يجب أن تسترد كاملة, وكذلك تأكيد ميدفيديف أن روسيا ستتحرك لأن الوضع سلبي للغاية. وقبل خمسة أيام من زيارة ميدفيديف لدمشق, كان الرئيس الأمريكي أوباما قد أصدر قرارا بتجديد العقوبات الاقتصادية المفروضة من قبل الولاياتالمتحدة علي سوريا, مبررا ذلك بدعم سوريا لمنظمات إرهابية( في إشارة الي حزب الله), مستخدما مصطلح( الإرهاب) الذي غاب من لغة خطابه منذ انتخابه رئيسا والذي اعتمد فيه مصطلح العنف في تراجع جديد عن تعهداته في خطابه بجامعة القاهرة العام الماضي بفتح صفحة جديدة مع العالم العربي والإسلامي وبإعمال الحوار والحوافز بدلا من الصدام والأساليب العقابية. وتزامن هذا التراجع مع نجاح إسرائيل ورئيس حكومتها نيتانياهو في جر إدارة أوباما الي الانضمام لحملته الإعلامية ضد سوريا منذ ديسمبر الماضي وتهديدها ولبنان بالحرب والعدوان وحتي مايو الحالي, بترويج أكذوبة نقل سوريا صواريخ سكود الي حزب الله ضمن حملة الضغوط علي سوريا لحملها علي فك ارتباطها الاستراتيجي الأمني مع إيران وحزب الله. ومن ثم شكلت زيارة ميدفيديف لسوريا في هذا التوقيت رسالة دعم روسية لدمشق, في مواجهة هذه الحملات والضغوط, وردا مباشرا علي الأكاذيب التي تروجها الولاياتالمتحدة وإسرائيل حول صواريخ سكود, التي وصفها رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري بأنها تماثل أكذوبة إدارة بوش بحيازة العراق أسلحة دمار شامل. آفاق التحرك الروسي تعد روسيا بالمعايير الموضوعية طرفا محايدا, فهي لديها علاقات جيدة مع سوريا والأطراف العربية ومع إسرائيل والولاياتالمتحدة, ولغتها واحدة, ومن ثم تتمتع بمصداقية أكبر لدي الجانب العربي والسوري وتتمسك بالمرجعيات الدولية كأساس للتسوية النهائية والعادلة. كما أن روسيا تشكل جسرا بمعني من المعاني بين سوريا وإسرائيل, فقد حمل الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز ميدفيديف رسالة الي سوريا, وهنا يلفت باحثون سوريون الانتباه الي أن مصر تعرضت لحملة إسرائيلية أمريكية مماثلة عام1996 في عهد نيتانياهو رئيسا لحكومة إسرائيل( أيضا) آنذاك وكلينتون رئيسا للولايات المتحدة حيث تم ترويج أكاذيب بحصول مصر علي صواريخ سكود من كوريا الشمالية ضمن حملة ضغوط علي مصر بسبب دعوة الرئيس حسني مبارك في شهر يونيو من ذلك العام الي عقد قمة عربية استثنائية بالقاهرة لتوحيد الموقف العربي وبحث سبل التعامل مع تهرب نيتانياهو من استحقاقات عملية السلام, ولم يتراجع مبارك, وعقدت القمة التي اتخذت قرارا بربط العلاقات مع إسرائيل( التطبيع) بالتقدم في عملية السلام, وتبين لاحقا أن ما تم ترويجه ضد مصر أكاذيب ضمن حملة ضغوط عليها كان مصيرها الفشل آنذاك. جدول أعمال روسيا في هذا التحرك يتضمن تحديد العراقيل والصعاب التي تواجه العملية السلمية وطرق تجاوزها, وانطلاقا من ادراكها أن الأمر يحتاج الي بذل جهود استثنائية في هذه الفترة, ولذا جددت الدعوة لعقد مؤتمر للسلام في الشرق الأوسط في موسكو والذي وافقت واشنطن في مؤتمر أنابوليس علي عقده. أما أدوات روسيا في السعي لتحريك العملية فتتضمن كل الوسائل الممكنة علي حد قول ميدفيديف.