يقدم الأخ العزيز الأستاذ طه خليل نموذجا فريدا لاتساق النفس وبالذات ما يتعلق بمصالحة الإنسان مع نفسه, أو ما يسمي ب التوازن النفسي المقرون بالاستقامة في الأخلاق والسلوك معا. فالأستاذ طه خليل مر بتجارب حياتية ثلاث مميزة. الأولي عندما كان طالبا في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية, والثانية عندما التحق برئاسة الجمهورية عقب تخرجه مباشرة مع عدد مميز من أبناء دفعته المميزة, حيث أكمل عمله الوظيفي بجهاز الأمن القومي وتركه وهو وكيل للجهاز, والثالثة بدأت مباشرة بعد انتهاء عمله الوظيفي والانتقال إلي المرحلة الصعبة التي تعرف عادة ب التقاعد. في المراحل الثلاث كان طه خليل مبادرا ونشيطا وبقدر ما كان خلاقا ومبدعا كان خلوقا. ففي المرحلة الأولي الطلابية أدرك بوعي الخلاق أنه كطالب في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية لابد أن يجمع بين كونه دارسا وباحثا وبين توظيف ما يحصل عليه من وعي سياسي علمي في العمل العام الطلابي. لم يقنع أن يكون طالبا متلقيا للعلم فقط, رغم أهمية ذلك وأهمية التفوق في هذا المجال, لكنه كان مقنعا أكثر أن يكون نشيطا سياسيا داخل كليته وجامعته, فأصبح أول رئيس لاتحاد طلاب كلية الاقتصاد والعلوم السياسي, ومن ثم من أنشط أعضاء اتحاد طلاب جامعة القاهرة, وأصبح من الجيل المؤسس للاتحاد العام لطلاب الجمهورية. و في هذه المرحلة زامل طه خليل أبرز ابناء كلية الاقتصاد والعلوم السياسية من أبناء الدفعة الأولي وما تلاها فمن ذهبوا معه إلي العمل في رئاسة الجمهورية ومن عملوا في مجالات أخري لا تقل أهمية سواء في وزارة الخارجية أو الجامعة. فهؤلاء الصفوة المميزة من الدفعات الأولي هم من رسموا لنا معالم كليتنا الجميلة وأجيالها المتعاقبة. أما مرحلة العمل الوظيفي فكانت مرحلة اختيار القدرات لجيل جديد من الشباب المصري التحق للعمل بالأمن القومي وأثبت جدارته وتفوقه جنبا إلي جنب مع جيل آخر من العسكريين المميزين الذين صنعوا معا واحدة من أنبل وأعظم مؤسسات العمل الوطني في مصر, والذين استطاعوا ان يجعلوا من هذه المؤسسة درعا صلبة لحماية الأمن الوطني وإذكاء مشاعر العزة والكرامة ليس فقط في نفس المصريين بل ونفوس كل العرب. وبعد انتهاء العمل الوظيفي لم يتوقف طه خليل عن العطاء فقط قدر أن يعود من حيث بدأ إلي كلية الاقتصاد والعلوم السياسية وأن يعيد الحياة إلي جمعية الخريجين, وأن يحولها إلي منارة افتخار, ويربط كل الأجيال, وكم كان غياب طه خليل عن احتفالات العيد الخمسين لكلية الاقتصاد مؤثرا وحزينا, وكان المئات ممن شاركوا في ذلك الاحتفال مشغولين بالدعاء له بالشفاء والعودة لقيادة ركب سفينة نجح في أن يجريها في أعماق العطاء الوطني الذي لا ينقطع ملتزما بحدود لا نهاية له من الأخلاق والمبادئ والقيم التي كان يجسدها في كل عطاءاته طالبا ومسئولا بارزا, ومرجعية لأجيال متصلة ومتواصلة من أبناء مهنته وتخصصه وجامعته وكليته التي أعلي شأنها وافتخرت به بقدر ما افتخر بها في كل مراحله الحياتية. المزيد من مقالات د. محمد السعيد إدريس