أشرف أبوالهول كشف المؤتمر الدولي لمكافحة ظاهرة عمل الأطفال الذي انهي أعماله يوم الأربعاء الماضي في مدينة لاهاي الهولندية عن ان215 مليون طفل مازالوا يمارسون أشكالا مختلفة من العمل. في مقابل222 مليونا في2004 و245 مليونا في عام2000 . وهو مايكشف بوضوح أن نتائج الجهود المبذولة للقضاء علي هذه الظاهرة غير الإنسانية محدودة للغاية, خاصة أن الأرقام تشير الي إن115 مليون طفل ما زالوا يمارسون مايعرف بمصطلح' أسوأ أشكال العمل' مما يعرض صحتهم وسلامتهم للخطربالرغم من مرور أحد عشر عاما علي وضع هذا المصطلح. وطبقا للمادة الثالثة في الاتفاقية الدولية رقم182 لسنة1999 فإن مصطلح' أسوأ أشكال العمل' يشمل: جميع اشكال الرق أو الممارسات الشبيهة بالرق, كبيع الأطفال والاتجار بهم وعبودية الديون والعمل القسري أو الاجباري للاطفال لاستخدامهم في النزاعات المسلحة..واستخدام طفل أو تشغيله أو عرضه لأغراض الدعارة, أو لإنتاج أعمال إباحية أو أداء عروض إباحية. استخدام طفل أو تشغيله أو عرضه لمزاولة أنشطة غير مشروعة, وترويج إنتاج المخدرات بالشكل الذي حدد في المعاهدات الدولية ذات الصلة, أو الاتجار بها. الأعمال التي يرجح أن تؤدي بفعل طبيعتها أو بفعل الظروف التي تزاول فيها إلي الإضرار بصحة الاطفال أو سلامتهم أو سلوكهم الاخلاقي. وكانت منظمة العمل الدولية قد حددت في عام2006 هدفا لها هو القضاء علي أسوأ أنواع العمل بالنسبة للأطفال بحلول عام2016, لكن وطبقا لاعتراف الأمين العام لمكتب العمل الدولي خوان سومافيا فإن' الخطوات المنجزة( في هذا المجال) محدودة وغير منتظمة, فهي ليست سريعة بما يكفي, كما أنها ليست واسعة بما يكفي لبلوغ الأهداف التي حددت'. ومازالت منطقة' آسيا المحيط الهاديء' تعد المكان الذي يوجد به أكبر عدد من الأطفال العاملين(7.113 مليون) بالرغم من التقدم المسجل أخيرا. وفي إفريقيا, وتحديدا في بعض الدول مثل مالي, فان' أكثر من نصف الأطفال يعملون', كما أوضح فرامك هاجمان مسئول من البرنامج الدولي للقضاء عمل الأطفال, في مكتب العمل الدولي. وتبقي الزراعة القطاع الذي يعمل به أكبر عدد من الاطفال(60%) وكذلك قطاع الخدمات(25.6%) ثم بنسبة أقل الصناعة(7.0%). لكن العمال الصغار لا يتقاضون ثمن عملهم في معظم الأحيان, إذ أن80% من الأطفال العاملين في العالم لا يتقاضون أجرا بحسب مكتب العمل الدولي. وعلي المستوي العربي يبلغ نصيب الدول العربية من عمالة الأطفال10 ملايين طفل, طبقا لدراسة أعدتها الدكتورة ناهد رمزي عن ظاهرة عمالة الأطفال في الدول العربية, والتي أشارت من خلالها إلي أن بعض الدول العربية تضم ملايين الأطفال يعملون في قطاعات مختلفة قبل بلوغ سن العمل القانونية, إذ تصل النسبة في العراق إلي10.33%, وفي سوريا تصل إلي5.12% وفي اليمن إلي23.30%. وإذا نظرنا إلي تقرير المجلس العربي للطفولة والتنمية الذي يرأسه الأمير طلال بن عبدالعزيز حول ظاهرة عمل الأطفال في البلدان العربية نجده يظهر صورة قاتمة لوضع الأطفال في هذه الدول, حيث انتشار ظاهرة عمل أبناء الفقراء وحرمانهم من حقوقهم, وهو ما يؤدي إلي إهدار طاقات مبدعة وخلاقة, وبالتالي تكريس التخلف. وقد قام المجلس بالتعاون مع منظمة العمل الدولية بإجراء دراسة مسحية تحليلية شاملة لظاهرة عمالة الأطفال في تسعة بلدان عربية هي: مصر والمغرب والأردن وتونس وفلسطين وسوريا والبحرين والسودان ولبنان, وذلك للتعرف علي حجم الظاهرة ومدي انتشارها. وأكدت الدراسة التي قام بها الدكتور نادر فرجاني أن معدل مشاركة الأطفال في النشاط الاقتصادي أعلي بكثير في الريف عنه في الحضر, خصوصا بين الإناث, وأن هناك6 ملايين صبي و3 ملايين بنت ما بين6 14 سنة يعملون في البلدان العربية. وبينت الدراسة ازدياد نسبة الأطفال العاملين مع التقدم في العمر, وتعرض الصبية للعمل أكثر من البنات, كما بينت أن الالتحاق بالتعليم يقلل جذريا من احتمال العمل, وأن تدهور المستوي التعليمي للأسرة يزيد من احتمال عمل الطفل. وأكدت الدراسة فعالية التشريعات والإجراءات التي تحظر عمالة الأطفال, وضعف قدرة الحكومات علي مراقبة وتنفيذ النصوص عن طريق التفتيش والضبط مما يؤدي إلي وجود فجوة هائلة بين نصوص القوانين والواقع المعيش, وذلك رغم خطورة هذه الظاهرة وأثرها في المجتمع بأسره. ويعتبر الفقر هو السبب الرئيسي لظاهرة عمالة الأطفال فمعظم الأطفال الذين يدخلون سوق العمل سنويا يكونون مدفوعين بحاجة أسرهم ومعاناتها من الفقر أو عدم وجود عائل لتلك الأسر, وهو أمر شائع في دول العالم الثالث نتيجة الفقر أو موت الذكور في الحروب أو عجز الآباء والأمهات عن العمل بسبب المرض علاوة علي وجود نظام تأميني يوفر المعاش اللائق للأسر, فكثير من الدول تعطي العمال معاشا تقاعديا بسبب العجز أو بلوع سن المعاش لايكفي لشراء الخبز. وينظر الكثيرون في الدول النامية إلي عمالة الأطفال علي أنها شيء طبيعي, وهي السبيل الوحيد للإبقاء علي حياة الأبناء والأسرة معا ولاينظرون لإخراج الأطفال من المدرسة للعمل علي أنه شيء غير قانوني, بل إن بعض الآباء الحرفيين غير المتعلمين يعتبرون أن عمل الطفل دليل رجولة مبكرة, ويشجعونه علي ذلك باعتبار أنه يتحول إلي شخص منتج, والنتيجة هي جيش من الأميين غير الواعين بحقوقهم التي يسيء أصحاب الأعمال استغلالها, فأصحاب الأعمال يفضلون الأطفال علي البالغين, حيث يتميز الأطفال بالذكاء والخفة والطاعة, وهم أضعف من أن يعلنوا شكواهم. إضافة إلي أنهم يقنعون بالأجر الضئيل الذي يدفعه صاحب العمل في مقابل الربح الكبير الذي يحصل عليه. والتصدي لظاهرة عمل الأطفال إنما يفترض التصدي بالأساس لمشكلة الفقر والتخلف, وهو ما تقره, واقعيا, حتي أكثر الجهات عناية بظاهرة عمل الأطفال, مثل منظمة العمل الدولية, حيث أكد خبراؤها أن القضاء الفعلي علي عمل الأطفال يحتاج إلي زمن طويل, وأن عمل الأطفال مشكلة من مشكلات التخلف, علي ذلك تقف المنظمة إزاء الظاهرة علي ساقين, أولاهما: الاحتفاظ بالقضاء علي عمل الأطفال كهدف, وثانيتهما تحسين ظروف الأطفال العاملين من خلال بعض إجراءات تحسين ظروف العمل وجعلها أكثر انسانية, وهو ما أوجزه قبل فترة أحد مديري منظمة العمل الدولية بقوله: لابد من بذل جهد خاص لضمان أن الأطفال لا يتم تشغيلهم في ظل شروط تشمل استخدام مواد أو عناصر أو عمليات خطيرة, أو رفع أحمال ثقيلة أو العمل تحت سطح الأرض, ولابد من اهتمام خاص بإعطائهم أجرا عادلا وضمانا بذلك, والتحديد الدقيق لساعات العمل اليومي والأسبوعي ومنع العمل الإضافي, وتوفير فترة متصلة من12 ساعة علي الأقل للراحة الليلية وأيام راحة أسبوعية اعتيادية, ومنح إجازة سنوية مدفوعة مدتها3 أسابيع ولا تقل بأي حال عما هو ممنوح لعمل البالغين, وتوفير غطاء الضمان الاجتماعي, بما في ذلك البدلات عن إصابات العمل والمرض والرعاية الصحية, والحفاظ علي مستوي ملائم من الأمن الصناعي والشروط الصحية.