حسنا فعل بعض الناصريين حين أعلنوا براءتهم من زيارة الحزب الناصري ودعمه لطاغية دمشق, بينما دماء الشعب السوري الشقيق تنزف بغزارة, ومناظر التعذيب الوحشي لأبنائه تفوق ما يفعله النازيون! كنت أتمني ألا يقتصر الأمر علي البراءة من الوفد الناصري, وأن يمتد الأمر إلي الإدانة الصريحة القاطعة, فالأمور لم تعد تحتمل إمساك العصا من الوسط, ولا تحتمل أن يكون هناك غطاء سياسي أو إعلامي لجريمة واضحة لا تقبل التأويل أو التبرير. إنه لأمر مشين ومخز بكل المقاييس أن يذهب وفد ناصري يساري إلي دمشق, ومعه وفد من الأردن وآخر من العراق باسم القومية العربية لدعم ما يسمي المقاومة والممانعة, في الوقت الذي لم تطلق فيه رصاصة واحدة ضد العدو, وتعلن الإحصائيات عن سقوط تسعين ألف قتيل, وتدمير معظم القري والمدن في أغلب محافظات سوريا, ووصول عدد النازحين واللاجئين إلي ما يقرب من ثلاثة ملايين سوري, وبعضهم صار يتسول في الدول العربية وغزة. إن الوفد الذي ألبس الطاغية عباءة سوداء باسم العروبة يرتديها شيخ العشيرة.. زعيم الأمة.. يرتديها الرائد الذي يصدق قومه كما قال أحدهم; لهو شريك في دم السوريين الأبرياء الباحثين عن حريتهم وكرامتهم, وحقهم في الحياة الإنسانية الطيبة. بعض الناصريين يحاول أن يقنعنا زورا وبهتانا أن الثورة السورية مصنوعة عبر أموال الخليج, وأن مقاولي الحرب يتوجهون إلي سوريا, وأن كثيرا من العمال والمزارعين العاطلين يقاتلون بوصفهم مرتزقة.. لقد ظلت الثورة السورية تقاوم سلميا لمدة ثمانية أشهر بينما النظام البعثي الفاشي مستمر في القتل والذبح, ثم إن السوريين ليسوا مرتزقة ولا يبيعون دماءهم بسعر بخس تدفعه هذه الدولة أو تلك. الشعب السوري لم يجد مفرا من المواجهة بدلا من الموت المجاني. الغريب أن يتهم بعضهم المصريين الرافضين جرائم الطاغية بأنهم ينفذون أجندة أمريكية, كما يستنكر أن تطالب مصر بمحاكمة السفاح القاتل, ومعلوم للدنيا أن الضحايا الذين وصل عددهم تسعين ألفا ليسوا من الصراصير أو الضفادع, ولكنهم بشر من لحم ودم وآباء وأمهات وأطفال. المزيد من أعمدة د.حلمى محمد القاعود