عامان مرا علي الثورة المصرية, شهدت خلالهما تحولات كبيرة تستحق التوقف عندها والرجوع بالذاكرة لاستحضار دروسها. ففي الأشهر القليلة التي تلت الثورة المصرية تصدرت الساحتين الإعلامية والسياسية شخصيات ادعت المشاركة في الثورة بل ولعب دور فعال في مجرياتها. برغم أن بعضهم وقف ضد الثورة في بداياتها, ودافع عن استمرار مبارك ونظامه. شهدت تلك الفترة أيضا تشكل ائتلافات واتحادات حمل معظمها مسمي الثورة. بينما لم يكن لها أو لأعضائها أي دور فيها. وامتلأت الساحة المصرية بكيانات مجهولة الأصل غامضة التوجهات. اتضح فيما بعد أن وراء تلك التنظيمات المصطنعة هدف التشويش علي القوي الثورية الحقيقية تمهيدا لتشويه صورتها وعزلها عن الشعب واتهامها بالعمالة. وبرغم أن المطالب الأساسية( القصاص والقضاء علي الفساد ومحاسبة رموز ورجال نظام مبارك) لم تتحقق, مرت الذكري الأولي للثورة, والمصريون منهمكون في الانتخابات البرلمانية, ولم يتوقف أحد عند تقييم العام الأول علي خلفية أن المتطلبات الأساسية اللازمة للبدء في تحقيق أهداف الثورة لم تتوافر بعد, وهي بناء المؤسسات وإرساء أسس الديمقراطية, وإنهاء المرحلة الانتقالية. ولم تكن آمال المصريين في ذلك قد تلاشت أو تضاءلت كما حدث لاحقا. سمة أخري بارزة ميزت الذكري الأولي للثورة المصرية, وهي أن مصر كانت تحت قبضة حكم عسكري يملك القوة المادية المباشرة والسيطرة علي مفاصل السلطة, ما كان كافيا لحفظ الاستقرار, وتوفير حد أدني من الأمن, إلي حد سمح بإقامة احتفالات شعبية ورسمية بذكري الثورة. الذكري الثانية جاءت كاشفة لتطورات وحقائق تقف علي طرف النقيض تماما من الذكري الأولي, فبعد أن كان بناء المؤسسات عبر الانتخابات الملمح الأبرز وخطوة جوهرية إيجابية. إذا بالجو العام المصاحب هو التشكيك في جدوي ونزاهة الانتخابات والاستهانة بشرعية صندوق الاقتراع بل والانقلاب عليها. وأصبحت شرعية المؤسسات السياسية المنتخبة محلا للتنازع والجدل بين قوي سياسية كانت تلهث وراء تلك الشرعية, بل جمعها معا تحالفات انتخابية واحدة. في الوقت ذاته, اختلف أداء مؤسسات الدولة بشكل جذري, فقبل عام واحد وتحت الحكم العسكري كانت الأجهزة الأمنية والبيروقراطية تحكم السيطرة علي البلاد والمؤسسات عندما يراد ذلك, فأجري استفتاء التعديلات الدستورية, ثم الانتخابات البرلمانية بمراحلها بكفاءة عالية في التأمين والتنظيم. أما الآن فلا سيطرة حقيقية كاملة للقيادة المدنية المنتخبة علي أجهزة ومؤسسات الدولة التي تؤدي بالحد الأدني وتقوم بواجباتها انتقائيا. ويبدو الأمر كأن الجسد الإداري والتنفيذي للدولة بمكوناته الأمنية والحكومية بل والإعلامية, يستكمل الحرب بين نظام مبارك والثورة, بعد أن خسر النظام معركته الأولي في ضربة مفاجئة تلقاها قبل عامين. ثم خضع لهدنة استمرت عاما ونصف العام, عاد بعدها ليطل برأسه ويشن حربا شاملة علي الثورة, ازدادت شراسة واتساعا مع الذكري الثانية. فعاد الانفلات الأمني وتزايدت الجرائم الجنائية بل أضيفت إليها السياسية, وتتعرض المنشآت الرسمية للاعتداء والحرق, ويستعيد الفساد في الأجهزة الحكومية والخدمية نشاطه وسطوته. الخطير أن تلك الحرب مدعومة بغطاء إعلامي يصورها كمعارضة بل وثورة جديدة علي أداء السلطة. التي تتمتع بالشرعية لكنها ضعيفة لا تملك أدوات الحكم, ولا تجيد مهارات الإعلام السياسي. إذن هي حرب علي الثورة الأصلية وليست معارضة لسلطة. هذه هي معضلة الثورة المصرية بعد عامين; فأهم ما حققته هو إزاحة مبارك ورجاله من السلطة, وتشكيل مؤسسات حكم منتخبة. وبينما يخرج رجاله من السجون تباعا, فإن ما يجري من صراع سياسي وتدهور أمني, يهدد بهدم تلك المؤسسات. وبعدها لا يتبقي سوي أن يعود مبارك ورجاله إلي السلطة لكن في شخوص أخري. المزيد من مقالات سامح راشد