لو أن اعتي القوي العالمية كراهية لمصر ورفضا لحلمها في مستقبل تنافس فيه بين الأمم حاولت أن تعرقل مشروع الطاقة النووية المصري الأول , لما تمكنت من حشد هذه العصبيات الغاشمة الممولة من أذناب الماضي البغيض والتي نجحت في ظل الفوضي الشاملة التي تشهدها البلاد في اقتحام موقع الحلم المصري في الضبعة وتدمير منشآته الأولية وتحويل المنطقة الي مرتع للمواشي والأغنام. يحدث هذا في مناسبة مرور عام كامل علي انطلاق شرارة الثورة المصرية المجيدة التي اسقطت نظام مبارك البائد في18 يوما ثم تحالفت القوي المضادة للثورة ممن تنتمي الي النظام السابق, بقصد أو بدون قصد مع فصائل عدة ممن اتخذت من الثورة البيضاء الطاهرة فرصة للانقضاض علي الدولة المصرية واصابتها بالشلل التام والوصول بها الي الفوضي الشاملة التي يمكن أن تعرقل مشروع بناء الدولة الجديدة الديمقراطية القوية النافذة التي قامت من أجلها الثورة.. ونجحت هذه القوي في نزع الصلاحية عن الحكومات المؤقتة التي شاء حظها العاثر أن تتولي المسئولية في هذه التوقيت الحرج, وفي ظل المجلس العسكري الذي تحمل في لحظة لم يخترها عبء حماية الثورة وعبء ادارة شئون أكبر دولة محملة بأعباء البيروقراطية وفسادها الاداري فضلا عن الفساد السياسي والانهيار الأخلاقي والمجتمعي الذي ضرب أركان البلاد بقسوة.. والنتيجة أن أصبحت السلطة التنفيذية في مصر بلا حول ولا قوة مما اغري القوي المضادة بالمزيد من الفوضي والتحدي لسلطة الدولة وحدث ما يحدث يوميا من اضرابات واعتصامات وقطع للطرق والسكك الحديدية واحتلال الموانئ. ومن هنا تأتي أهمية اليوم23 يناير الذي يشهد التئام المجلس البرلماني الأول في مصر الثورة والذي يأتي تشكيله كثمرة أولي من ثمار الثورة والحرية التي حرمت علي الشعب المصري طوال60 عاما.. ومن هنا تأتي الأهمية القصوي لهذا البرلمان المنتخب في البدء علي الفور في مناقشة القضايا الخطيرة التي تمر بها البلاد والتي تنذر بعواقب وخيمة اذا لم يتم تداركها فورا بالقوة الشرعية الواجبة ومنها هذه المهزلة التي وقعت في ارض الضبعة حلم المحطة النووية الأولي. ربما ضاعت من الأذهان أهمية هذا اليوم23 يناير لكونه يوما يمثل عيدا للديمقراطية البرلمانية المصرية تنطلق فيه فعاليات أول برلمان منتخب بشكل جاد وحقيقي, بسبب هذه الفوضي وذلك الصخب وهذا الخوف والرعب الذي يصاحب الذكري الأولي للثورة حتي أن بعض الأصوات تحرض علي حرق مؤسسات الدولة واسقاط كامل لكل اركان الدولة المصرية, والمؤسف أن يصدر عن الحركات الثورية اعتراض علي تشكيلة مجلس الشعب الجديد رغم انه المرة الأولي التي يتشكل فيها مثل هذه التركيبة علي مدي عمر البرلمان المصري حيث يمثل المصريون فيه15 حزبا اضافة الي25 نائبا مستقلا, وذلك في تناقض غريب مع مبادئ وأهداف الثورة المصرية التي كانت في مقدمتها تحقيق الديمقراطية وتنفيذ ارادة الجماهير في اختيار ممثليهم بالبرلمان. كان ظن الحركات الشبابية الثورية انها وحدها مالكة الثورة المصرية وانهم من هذا المنطلق فان لهم وحدهم الحق في تمثيل الشعب المصري.. ولكن الحقيقة ان هؤلاء الشباب وان كانوا قد تقدموا الصفوف وضحوا بأرواحهم في سبيل الحرية, إلا أن الحقيقة الأخري المؤكدة هي أن الشعب المصري كله بجميع طوائفه وتياراته واعماره من الشباب الي الشيوخ هم الذين ناصروا الثورة بالمشاركة الفعالة علي مدي18 يوما كاملة في جميع ميادين مصر.. والحقيقة ايضا أن القوي السياسية القديمة التي تعرضت لأفظع الانتهاكات خلال العهد السابق وفي المقدمة جماعة الاخوان المسلمين كانت لها مشاركة ومساهمة اكيدة.. بل أن جماعات السلفيين الذين كانوا يقاطعون العمل السياسي ويظهرون نوعا من الولاء للحكام, بادروا الي حماية الثورة وكان لهم دور بارز في جماعات اللجان الشعبية تحمي الأحياء من شرور المجرمين والبلطجية.. وقد لمس المواطنون جميعهم هذا الدور سواء من جانب الاخوان أو السلفيين, ولعل ذلك قد ساعد كثيرا في تقدمهم المذهل في الانتخابات البرلمانية.. ولا ننسي التجربة السياسية الطويلة للاخوان المسلمين الممتدة علي مدي نحو80 عاما واكسبتهم خبرة طويلة في العمل السياسي. المهم أن تعي الحركات الشبابية انهم ليسوا وحدهم علي الساحة السياسية.. والمهم ايضا أن يترجم هؤلاء الشباب تصريحاتهم عن سلمية المظاهرات التي ستنطلق يوم الاربعاء في يوم عيد الثورة الي افعال حقيقية تمنع الفوضي المتوقعة حيث لن يغفر الشعب المصري أية مظاهر عنف قد تقوم بها تلك المجموعات, خاصة أن مجموعات الشباب الليبراليين يدركون جيدا أن مجموعات التخريب والهدم سوف تندس في أوساطهم, واذا نجحوا لا قدر الله في مخططاتهم الشيطانية, فسوف يفقد الليبراليون شرعيتهم وسط جماهيرهم العريضة ولدي كل المصريين. ماذا يريد الشباب الآن ؟.. هل يريدون الغاء نتائج انتخابات مجلس الشعب لأنهم لم يحصلوا علي ما كانوا يتوقعونه من مقاعد؟.. ألا يعترفون بأن الانتخابات كانت هي الوحيدة النزيهة والعادلة منذ أكثر من60 عاما ؟.. هل كانت أهداف الشباب عندما بدأوا شرارة الثورة أن يعتلوا كراسي الحكم ويستولوا علي السلطة ؟.. أم أنهم كانوا علي قلب رجل واحد يقفون ضد الظلم والطغيان الذي عاني منه المصريون جميعهم؟؟.. هل كانوا طامعين في سلطة وجاه وسلطان, أم انهم كانوا ملائكة أطهارا وجهتهم هي الحق والعدل والمساواة ؟.. ثم هل يريد الشباب المصري أن تنتهي التجربة الديمقراطية المصرية الي نفس نهاية تجربة الجزائر في أوائل تسعينات القرن الماضي عندما تحولت المجموعات الفائزة في البرلمان الي قوة للارهاب أدخلت البلاد في دوامة العنف المتبادل علي مدي عقدين من الزمان ؟!. اليوم نحتفل بأول برلمان ديمقراطي حر علي أرض المحروسة عليه أن يبدأ علي الفور في استعراض القضايا الساخنة التي فرضت نفسها علي الساحة.. وبعد غد نحتفل بالعيد الأول للثورة المجيدة في أجواء نأمل أن تكون امتدادا للحالة الحضارية التي كنا عليها في العام الماضي. المزيد من مقالات محمد السعدنى