تقول خبرة التاريخ المصري عبرعصوره المختلفة إن الجغرافيا المصرية غير قابلة للحياة, دون أن يكون لها امتداد أو تأثير إقليمي وإذا تعطل ذلك, فإن مصر تصبح حينئذ في مرمي الاستهداف الخارجي، أو الاستعمار, تلك الحالة بدت هما كبيرا أمام صانع توجهات السياسة الخارجية المصرية في مرحلة ما بعد ثورة25 يناير, والتي أطلقت آمالا حول إعادة الاعتبار للدور الخارجي لمصر في المحيطين الإقليمي والدولي, اللذين ينتظران سياسة خارجية مصرية واضحة الملامح والتوجهات خاصة تجاه منطقة الخليج. وهناك عدة ضرورات تفرض في الوقت الراهن علي مصر دعوة دول الخليج للدخول في حواراستراتيجي مع مصر. ومن أولي هذه الضرورات أهمية استعادة ما تبدد أوتآكل من مكانة مصر إقليميا وعربيا وذلك عبرتنويع وزيادة الصلات السياسية والاقتصادية مع دول العالم وإبرام اتفاقيات اقتصادية وسياسية لدفع عجلة النمو واسترجاع القوة الدبلوماسية التي كانت تتمتع بها مصر مع كل دول العالم وخاصة مع دول الخليج العربي وثانيها ضرورة التغلب علي حالة فقدان الثقة والغموض التي تسود الموقف الراهن بين مصرودول الخليج خاصة الأزمة الحالية بين مصروبعض هذه الدول وتعكس الحالة الاماراتية والكويتية ذلك بوضوح, وهذا الحوار لابد وأن يتطرق الي سبل تعزيز العلاقات الاستراتيجية وإزالة التخوفات المتبادلة وخاصة تخوفات دول الخليج من تبني مصر لسياسة نشر الثورة في تلك البلدان ودعم الجماعات والتنظيمات الاسلامية بها للانقلاب علي الحكم وتخوفات مصر من دعم بعض هذه الدول لفلول النظام السابق للقيام بثورة مضادة. وثالث هذه الضرورات تتمثل في مخاوف بعض دول الخليج من تغير السياسة الخارجية المصرية وتغيرأولوياتها بما يهدد ثوابت العلاقات بين الجانبين التي شهدت توافقا كبيرا خلال العقود الماضية ازاء معظم القضايا الاقليمية والعالمية خاصة أليات تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة ومكافحة الارهاب والعلاقات مع الغرب, وتخشي هذه الدول من عودة حالة الصراع الأيديولوجي والإقليمي مع مصر مابعد ثورة25 يناير كما كان الوضع عليه في عهد مصر الناصرية خاصة وأن دول الخليج تري أن هناك حالة من الغموض تسود السياسة المصرية الجديدة تجاههاورابعها هناك تخوفات لدي دول الخليج من أن يأتي التقارب المصري الايراني علي حساب أمن واستقرار دول الخليج خاصة وأن هناك تخوفا من تبني الدولتين لمفهوم المقاصة السياسية علي حساب المصالح الخليجية واقامة تحالف بينهما علي الأسس المشتركة كنظامين اسلاميين يتبنيان مبدأ نشرالثورة الاسلامية, كما أن دول الخليج تقع حاليا تحت ضغوط سياسية واستراتيجية وأمنية كبيرة تمارسها ايران عليها في الوقت الحالي خاصة مع سيادة حالة من الاستقطاب الاقليمي المبني علي أسس طائفية وعرقية ودينية بين الدول العربية وإيران, ومن ثم فالعلاقات المصرية الإيرانية ستواجه بتحديات رئيسية خاصة في ظل عدم ترحيب المملكة العربية السعودية وبقية دول الخليج العربية ناهيك عن القوي الكبري بهذا التطور في علاقات مصر وايران لأنها تعتبر ايران مصدرا للتهديد وخطرا علي أمن واستقرار المنطقة, ولديها أحلاما توسعية ونوازع للهيمنة علي منطقة الخليج العربي اعتمادا علي اختلال توازن القوي بين الطرفين, وبالذات بعد هيمنة الأطراف العراقية الموالية لإيران, علي مقاليد السلطة والنفوذ في بغداد. ومن ثم فمساعي مصر حاليا للتقارب مع طهران قد يتسبب في الكثير من المشاكل والأزمات الدولية والاقليمية لمصر, خاصة مع دول الخليج, وعليه فإن مصلحة مصرتقتضي في الوقت الراهن رسم مسار خاص للعلاقات مع ايران يتضمن تلافي المخاوف الخليجية, والالتزام بأمن واستقلال وسيادة هذه الدول ضد أي تهديد إيراني, والعمل علي وقف التغلغل الإيراني وتدخلها في شئون بعض الدول العربية وبث الفرقة والتناحر بين أبناء الوطن الواحد. في ضوء ذلك تبدو الحاجة ملحة للدعوة لحوار استراتيجي بين الجانبين ينطلق من ثوابت هذه العلاقات التي استقرت طويلا ومن بينها, أولا أن أمن الخليج ركن أساسي في الأمن القومي المصري الذي هو ركن مكمل للأمن القومي العربي, وهذا معناه أن تهديد أمن واستقرار أي من دول الخليج هو تهديد لأمن واستقرارمصر, وثانيها التوافق الي حد كبير ازاء العديد من القضايا العربية والاسلامية وخاصة ازاء الصراع العربي الاسرائيلي وأليات التسوية, وثالثا هناك مصالح اقتصادية متبادلة بين الجانبين سواء تعلقت بالاستثمارات الخليجية في مصروالتي تصب في مصالح الجانبين خاصة وأن مصر منطقة جاذبة للاستثمار لما يتميز به السوق المصرية من ميزات الجذب كأكبر سوق في المنطقة والعمالة الرخيصة والموقع الاستراتيجي وأمان الاستثمارات من المخاطر, فالدول الخليجية من أكبر المستثمرين الأجانب في الاقتصاد المصري فمن بين حوالي57 مليار دولار, التي هي حجم الاستثمارات الأجنبية في مصر خلال عام2011 كان حجم الاستثمارات الخليجية في مصر حوالي15 مليار دولار,كما أن هناك مصالح تجارية متبادلة, اضافة للعمالة المصرية بالخليج التي تقترب من3 ملايين تخدم مجالات التنمية المختلفة في هذه الدول وهذه الأمور تجعل التقارب والحوار بين الطرفين ضرورة ملحة, حتي في أحلك الظروف والاختلافات السياسية [email protected].