أحداث كثيرة شهدتها مصر في الأسبوعين الماضيين, كشفت عن أن المواقف التي تتبناها بعض القوي السياسية ليست ثابتة, وتتغير بتغير الأحوال والأوضاع.. وأحيانا دون تغير أي وضع أو حال. ولابد بداية من التذكير بأن السياسة بطبيعتها لا تعرف الثبات إلا في المبادئ الأساسية والقيم الحاكمة, أما السلوكيات التطبيقية والتكتيكات المرحلية فهي بطبيعتها قابلة للتغير والتطور حسب مقتضي الحال, بما لا يتعارض مع الأصول والقواعد المبدئية. لكن ما يجري في مصر قلما يندرج في هذا النطاق الضيق من المرونة المقبولة. فالتحولات في المواقف تكاد تكون شاملة ويذهب أصحابها إلي أقصي مدي في الدفاع عن موقف جديد مناقض تماما لمبدأ أو موقف سبق الدفاع عنه باستماتة, رغم تشابه المعطيات بل التفاصيل أيضا. وقد وصل الأمر في الأيام الأخيرة إلي الانقلاب الكامل في المواقف دون مبرر واضح أو تفسير مقنع, ثم العودة سريعا إلي الموقف الأول نفسه( انقلاب علي الانقلاب) مرة أخري وأيضا دون مبرر ولا تفسير. والمثال الحاضر الصارخ هنا هو الرفض شبه المطلق من جانب بعض قيادات المعارضة المصرية التي تطلق علي نفسها اسم جبهة الإنقاذ أي حوار أو تواصل مع السلطة الحاكمة. بدءا من أزمة الإعلان الدستوري قبل شهرين حتي ذكري25 يناير. ثم فجأة ودون مبرر واضح يدعو الأب الروحي للجبهة إلي الحوار ثم يوقع قادتها جميعا علي وثيقة الأزهر, رغم عدم تلبية الشروط التعجيزية التي أكدت الجبهة التمسك بها قبل انقلاب موقفها بيوم واحد. والأكثر غرابة أن أحد قيادات الجبهة ارتد إلي الموقف الأول في اليوم التالي مباشرة لتوقيع وثيقة الأزهر. ثم قررت الجبهة ككل الامتناع( مجددا) عن أي حوار مع السلطة بسبب أحداث الاتحادية الأخيرة. ورغم أن شروط الجبهة سياسية لا صلة مباشرة لها بالأحداث ولا بمطالب المواطنين; إلا أنها تتحدث دائما نيابة عن الشارع الذي لم يفوضها في مواقفها المتعنتة ولا في التراجع عنها. مقابل تلك المواقف غير المفهومة والتحولات غير المبررة من جانب المعارضة, لم تكف السلطة عن ازدواج المعايير وتناقض المواقف. فقبل أشهر شن حزب الحرية والعدالة هجوما ضاريا علي حكومة الجنزوري بسبب غياب الرؤية وضعف أدائها وتشكيلتها التي لا تعبر عن الثورة ولا تلبي طموحات المصريين. ولا تزال حاضرة في الأذهان جلسات مجلس الشعب الشهيرة التي تم خلالها استجواب وزير الداخلية محمد إبراهيم بسبب أحداث مجلس الوزراء وكاد البرلمان بعدها يسحب الثقة من حكومة الجنزوري, لولا رفض المجلس العسكري القاطع. وبعد تولي رئيس الحزب رئاسة الدولة, شكل حكومة ثم عدل تشكيلها أخيرا. ورغم أن أداءها محل انتقاد شديد حتي من حزب الحرية والعدالة نفسه, فإن الرئاسة تدافع بشدة عن الحكومة وأدائها, وكأن التاريخ يعيد نفسه مع تبدل الأطراف وانقلاب المواقف رغم تشابه الأحداث والمعطيات. وينطبق الأمر ذاته علي الموقف من قروض صندوق النقد, فقد كانت في الماضي ربوية, أما الآن فلا ربا ولا ريبة فيها!. كما سكتت السلطة الحاكمة( رئاسة وحكومة) عن حصار المحكمة الدستورية العليا وحصار مدينة الإنتاج الإعلامي وقيام ألتراس الأهلي بتعطيل المترو وقطع كوبري أكتوبر ومحاصرة البورصة. بل لم تعلن إدانتها أو حتي رفضها تلك السلوكيات. وهي السلطة نفسها التي أدانت بشدة الاعتداء علي القصر الرئاسي قبل أيام. السلطة والمعارضة في مصر تكيلان بمكيالين وربما أكثر. المواقع تتبدل والمواقف تتغير والخطاب يتناقض.. والثابت الوحيد هو التحجج بأن الشعب يريد. المزيد من مقالات سامح راشد