أتابع بكل شغف وألم ما يجري علي أرض مصر من عنف وشغب وتوتر وقلق هنا وهناك, ويعتصر قلبي ألما كلما تأملت حجم الدماء التي أريقت خلال الأيام القليلة الماضية ما بين جرحي وشهداء سقطوا صرعي بلا ذنب. ولا جريرة وسط حالة من الارتباك وجدت نفسي أمامها أتساءل.. الي أين نحن متجهون؟ ومن أين المخرج؟ وكيف يمكن لنا ونحن نعاني كل هذه الفوضي أن نصل الي بر الأمان ؟ ولأننا نؤمن ونعتقد عقيدة راسخة أن الله تعالي لم يفرط في الكتاب من شيء, و أن السنة النبوية المطهرة والسيرة النبوية العطرة جاءت بما فيها من مواقف وأحداث, وأقوال وأفعال, وأحاديث وسنن تفسيرا لآيات القرآن الكريم وأحكامه نجد دائما أنه لا ملجأ ولا سبيل إلا العودة الخالصة المخلصة الي كتاب الله تعالي وسنة حبيبه المصطفي, صلي الله عليه وسلم, إذ يقول الله تعالي في محكم آياته: واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا, و كم هي كثيرة تلك الأحاديث النبوية الشريفة التي تحث علي الاعتصام بالله وبرسوله, صلي الله عليه وسلم, وكم هي كثيرة تلك المواقف التي آثر فيها حبيبنا المصطفي, صلي الله عليه وسلم, لين الجانب والوحدة والمرحمة علي الملحمة والانتقام, ولم يخير رسولنا الحبيب بين أمرين إلا واختار ايسرهما, وكم هي كثيرة تلك الأحاديث والمواقف التي تؤكد حرمة الدم المسلم بل أكد رسولنا الكريم صلي الله عليه وسلم أن حرمة الدم المسلم أشد عند الله تعالي من حرمة الكعبة نفسها, وكذا كم هي كثيرة تلك المواقف التي آثر النبي الكريم فيها السلم علي الحرب, والحلم علي الغضب, والصبر علي التململ والأرق. فيا شعب مصر الأبي الزكي الطيب الأمين القوي الرشيد تمسك بسنة الحبيب وليعد الجميع الي المائدة المحمدية العامرة بما يهدئ النفوس ويروي ظمأها, ويلبي حاجة كل قاصد ومحتاج, ويعالج كل ما اعوج وفسد, ويقوم أمورنا, ويفتح علينا بركات من السموات والأرض, ويهيئ لنا بيئة صالحة للتعايش السلمي والألفة والمحبة والرشاد والفلاح. يا أهل مصر أناشدكم بالله وبالدين والشريعة والوطن, وبكل ما تحمل تلك الكلمات من معان وثوابت أصيلة ما غابت ولن تغيب عن المشهد المصري أن نغلب المرحمة علي الملحمة فلا الزمان ولا المكان ولا الظروف الحالية تسمح باستمرار تلك الحالة من الانقسام والتنافر وضيق الأفق, ولتكن لنا في نبينا الكريم الأسوة والقدوة الحسنة فهو القائل في حديثه الشريف: كفي بالمرء إثما أن يضيع من يعول وفي ذلك نجد قادة القوي السياسية ورؤساء الأحزاب وقادة الرأي فضلا عن الرئيس الذي هو ولي الأمر, ولو أدركنا جميعا حكاما ومحكومين, وشركاء في الحكم من رموز سياسية وقادة رأي لشعرنا بحجم ما هو ملقي علي عاتقنا جميعا من مسئولية أمام الله ورسوله والمؤمنين. إن المسئولية في هذه المرحلة الحساسة والخطيرة والمفصلية من تاريخ أمتنا كبيرة وشديدة الحساسية, وعلينا جميعا أن ننزه أنفسنا عن الأغراض, ولندرك كم هو مهم ألا نفقد ثقة ذوينا فينا, لأن الناس في الشارع ملت من المشهد بجملته, ولا قدر الله إن لم نتحرك جميعا بتجرد لله واخلاص للوطن وتنزه عن الأغراض والهوي لسقطنا جميعا في هاوية من الانفلات والتبجح التي لا يسمع فيها لأحد. ويا حكماء الأمة ودعاتها ومخلصيها الصادقين تعالوا جميعا الي كلمة سواء نوحد شعبنا ونلملم جراحه ونرشد ونحقن هذا الحجم الهائل من الدماء التي تراق وأريقت بلا ذنب ولا جريرة, والتي ستتعلق في رقابنا جميعا أمام الله, ولن يغني أحد منا عن أحد في حجته أمام الله, وبالله عليكم كيف وأنتم أيها الحكماء مسموعو الكلمة محفوظو المقام ستواجهون حججكم وسط صمتكم وكل هذه الدماء تراق وتستباح؟ ويا شعب مصر كم هي المسئولية كبيرة عليكم جميعا أن تشاركوا حكامكم المسئولية كل فيما يعول, وأن نتخلي عن الأنامالية, وألا ننجر خلف الشائعات والمتاجرين بالآلام, وليستفت كل منا قلبه, وسيفته بما يمليه عليه ضميره, وليوجه كل منا أبناءه وذويه, فكلكم راع ومسئول وسيحاسب عن مسئوليته. وقي الله مصر الفتن ما ظهر منها وما بطن, وسدد الخطي لما فيه رضاه, وجنبنا جميعا ويلات هذه الأيام, وان شاء الله سيهيئ الله لأمتنا من أمرها رشدا وصلاحا لأنه بعزة مصر تعز الأمة, وبعلو هامتها تقوم قامة العالم الاسلامي كله.