تجربة التفاهم بين الإسلاميين والقوميين في العقدين الأخيرين تستحق إستحضارها في هذه الظروف التي تمر بها مصر بعد إزدياد وتيرة الاستقطاب السياسي ومحاولة شق الجماعة الوطنية ودخول القوميين في صراع عنيف مع أركان الحكم في مصر. وهو ما يلقي بظلاله ليس فقط علي النظام الحاكم وإنما سيؤثر علي مشروع الدولة ويهدد بنية الدولة السياسية والإقتصادية والإجتماعية. الأمر الذي دفعني لتقديم هذه المبادرة أو هذه النصيحة أو سمها ماشئت وأنا أدرك أن حوارا يجري الآن بين الإسلاميين والقوميين بالتأكيد سيكون لمصلحة مصر وأنا أعرف أن هذا الأمر ليس أمرا هينا في ظل الأجواء المسكونة بالريبة وتآكل الثقة بين الجانبين ولأنني أدرك أيضا أن المشتركات بين الجانبين كثيرة خاصة القضايا المركزية مثل القضية الفلسطينية والموقف من التغلغل الأمريكي في المنطقة وهذه القضايا كانت محلا لاتفاق الطرفين وكانت تجربة المؤتمر القومي الإسلامي الذي دشن في بيروت وكذلك التنسيق في الإنتخابات والمواقف الوطنية المختلفة التي جمعت الطرفين نموذجا جيدا لمثل هذا النوع من التعايش بين أهم تيارين في العالم العربي بعد خصومة بدأت منتصف القرن الماضي واستمرت عدة عقود خاصة بعد إندلاع الصراع بين ثورة يوليو وجماعة الإخوان المسلمين وإتهام التيار الإسلامي بإعادة عقارب الساعة للوراء والعودة الي منعطف التخلف الذي يؤدي الي انحطاط الأمة ونشر الإرهاب الي غير ذلك من الاتهامات المتعددة التي وجهت أنذاك للتيار الإسلامي وكان رد التيار الإسلامي عليها إتهام ثورة يوليو والتيار القومي بوجه عام بالعداء للدين والعداء للتيار الإسلامي وإقتلاع الدين من نفوس الناس ومن ثم تأثيم الإنتماء القومي باعتباره مخالفا للشرع الي غير ذلك من الاتهامات المتعددة التي خلقت أجواء من التوتر بين الجانبين بل ازداد الطين بله أن بعض القوميين إنحازوا الي اليسار الماركسي الذي لم يتوقف عند الجوانب الإنسانية والإجتماعية بل تعداها للأسف الشديد الي جعل الإلحاد ركنا من أركان النهضة والتقدم. وقد انعكس الأمر بدوره علي بعض الإسلاميين الذين انحاز بعضهم الي رأس المصائب وهو الغرب الرأسمالي المتوحش الذي لا يراعي في البشرية إلا ولا ذمة مبررين ذلك بأن الغرب المسيحي ينتمي الي أهل الكتاب دونما فهم للبنية الأيدلوجية والفكرية التي تأسس عليها الغرب الرأسمالي الذي يحافظ علي آليات السوق بوسائل غير أخلاقية لا تنتمي الي كتاب مقدس أو غير مقدس فتلقي بجبال من الزبد والقمح واللبن وغيرها في المحيطات حتي تحافظ علي الأسعار بعيدا عن الجوانب الإنسانية والأخلاقية وكذلك ايضا سيطر الفكر الحداثي الغربي المعادي للدين علي بعض الرؤي القومية. ومن ثم تبني هذه الرؤي كل هذه المعطيات خلقت أجواء الخصومة بين الجانبين وأحيانا الاشتباك العنيف الذي لم تراع فيه قواعد إدارة الصراع داخل الجماعة الوطنية الذي ظل مستمرا لسنوات طويلة إمتدت الي نهاية القرن الماضي حتي جاء نفر من العقلاء من الطرفين وأستطاعوا من خلال المؤتمر القومي الإسلامي تقليل حدة التوتر بينهما وإذابة الجليد الذي تراكم علي مدي عقود متعددة, بل إن الطرفين نجحا في التنسيق بينهما في إدارة الصراع ضد القوي الاستكبارية في العالم وضد توحش الرأسمالية الدولية بل ومواجهة الهجوم الشرس للعولمة في كثير من الميادين بل أن التجربة أثبتت اقتراب القوميين من الإسلاميين كان أكثر من اقتراب أي منهما للوجهة الليبرالية التي صاغت علاقة خاصة مع الغرب علي حساب بعض القضايا المحورية وعلي رأسها بطبيعة الحال القضية الفلسطينية. بالتالي نحن أمام خبرة تاريخية تجعلنا نتجرأ ونطلب من الطرفين إعادة اكتشاف المشتركات من جديد والخروج من دائرة الاحتراب الحزبي الضيقة الي رحابة الانتصار لمصلحة الوطن وكفانا الصراع المجنون لتحريك كل طرف للشارع فانتقل الصراع من دائرة الحوار السياسي الي مواجهة الشارع بالشارع في دائرة مجنونة ترتب عليها تزايد نزيف الدماء المصرية وارتفاع وتيرة الاستقطاب وارتفاع منسوب الخصومة والكيدية. وفي ظني لسلامة هذا الحوار المأمول يجب أن يدرك الطرفان خاصة التيار القومي أن عملية استنساخ الإطاحة بمبارك ونقلها الي مرسي أو التغيير عبر الميادين سيفتح أبواب جهنم علي مصر فلو تصورنا أن جبهة الإنقاذ نجحت في الإطاحة بالرئيس المنتخب من خلال تحريك الشارع؟ فهل لو جاء رئيس من الجبهة سيجد قبولا ورضاء من التيار الإسلامي الأكثر خبرة وتنظيما في تحريك الشارع أتصور أننا سندخل في دائرة جهنمية لا نملك ترف ليس الدخول فيها وإنما مجرد التفكير فيها لهذا يجب علي الجميع إحترام قواعد اللعبة والإحتكام الي الصناديق فما زالت حتي هذه اللحظة هي أفضل وسيلة للتعبير عن إرادة الشعب والشعب في الديمقراطية هو الحكم. وبالنسبة لي فأنا لست مفوضا من أي طرف بتوجيه هذه الدعوة للحوار والتعايش وإنما أتحرك من منطلق الواجب الديني والوطني والأخلاقي لأنني أنا وكثيرا غيري نستشعر خطرا محدقا يجب تداركه لأنه سيقضي علي الأخضر واليابس.