من يدرس حياة الرسول صلي الله عليه وسلم يجد فيها منهجا اقتصاديا متكاملا, يشتمل علي حلول سليمة لموضوعات ومسائل وقضايا اقتصادية معاصرة وذلك من المنظور الإسلامي. والتي نحن في أشد الحاجة إليها لإنقاذ البشرية مما تعانيه من بؤس وشقاء وظلم وطغيان واستبداد واستعباد .. بهذه الكلمات استهل الدكتور حسين حسين شحاتة, الأستاذ بجامعة الأزهر, دراسته التي لخص, ملامح من هدي الرسول صلي الله عليه وسلم في الاقتصاد, ومعالم الإعجاز فيها, وأهم تلك الملامح: الإيمان بضمان الله الرزق للمخلوقات: فقال صلي الله عليه وسلم: لن تموت نفس حتي تستكمل رزقها وأجلها, فاتقوا الله وأجملوا في الطلب, خذوا ما حل, ودعوا ما حرم, ولقد حث الرسول صلي الله عليه وسلم الناس علي السعي في طلب الرزق مع تجديد النية والتوكل علي الله. الحض علي العمل الشريف: فقد كان صلي الله عليه وسلم القدوة الحسنة في العمل, وقال لأن يحتطب أحدكم علي ظهره خير له من أن يسأل أحد فيعطيه أو يمنعه, وكان يأكل من كسب يده, وحض الناس علي العمل. الحض علي الكسب الحلال وإتقان العمل, واعتبر ذلك من الواجبات الدينية فقال صلي الله عليه وسلم: إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه, وأعطي نماذج عملية في الإتقان فقال صلي الله عليه وسلم إن الله كتب الإحسان في كل شئ, فإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وليحد أحدكم شفرته, وليرح ذبيحته. ولقد سبق رسول الله صلي الله عليه وسلم علماء الإدارة والاقتصاد في هذا الزمن الذين ينادون بالجودة والرقابة عليها. وجوب الالتزام بالأخلاق الفاضلة في المعاملات: فقال صلي الله عليه وسلم: التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء, وقال أيضا: رحم الله عبدا سمحا إذا باع, سمحا إذا اشتري, سمحا إذا أقتضي. كما نهي رسول الله صلي الله عليه وسلم عن سوء الأخلاق في المعاملات التجارية, فقال إن التجار يبعثون يوم القيامة فجارا إلا من اتقي وبر وصدق. وجوب الاعتدال في الإنفاق: فقال صلي الله عليه وسلم: ما عال من اقتصد, وقال أيضا وفي الاقتصاد نصف المعيشة, كما أمرنا أن يكون الإنفاق في حدود السعة والإمكانية, ولا اقتراض إلا لضرورة. وهذا يؤكد أن أسباب العجز والذي يقود الي الاقتراض أو التسول هو الإسراف والتبذير علي جميع المستويات وهذا منهي عنه في الإسلام. الحض علي استثمار الأموال وتجنب الاكتناز: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: اتجروا في أموال اليتامي حتي لا تأكلها الصدقة كما ندد بالاستثمار الربوي, وحض علي الاستثمار الحلال بالصيغ الاستثمارية الحلال, مثل المضاربة والمشاركة والمزارعة والمساقاه ونحو ذلك, وطبق ذلك عمليا في حياته حيث شارك السيدة خديجة رضي الله عنها في التجارة بنظام المضاربة قبل الإسلام. تحريم التسعير الجبري إلا لضرورة شرعية:لقد رفض رسول الله صلي الله عليه وسلم التسعير الجبري عندما طالبه الصحابة بذلك عندما غلي السعر وقال: إن الله هو القابض الباسط الرازق الميسر, وإني لأرجو أن ألقي الله عز وجل ولا يطلبني أحد بمظلمة ظلمتها إياه في دم ولا مال, وحدد أسس تحديد السعر في السوق الحرة الطاهرة النظيفة عن طريق تفاعل الطلب الرشيد مع العرض الصادق وهذا ما تحاول النظم الاقتصادية المعاصرة التوصل إليه. وعند الضرورة الشرعية أجاز صلي الله عليه وسلم وضع قاعدة عظيمة للمعاملات الاقتصادية قال فيها: لا ضرر ولا ضرار. تحريم الاحتكار:فقد حرم رسول الله صلي الله عليه وسلم الاحتكار, وقال: من احتكر طعاما أربعين يوما فقد برئ من الله وبرئ الله منه. وعن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: من احتكر علي المسلمين طعامهم ضربه الله بالجزام والإفلاس, والعلة في تحريم الاحتكار أنه يقود الي الظلم والكسب بدون جهد واستغلال حاجة الناس ولاسيما في مجال الضروريات والحاجيات.كما حض صلي الله عليه وسلم التجار علي إرخاص الأسعار وعدم المغلاة للتيسير علي الناس, فقال صلي الله عليه وسلم: من دخل في شئ من أسعار المسلمين ليغليه عليهم كان حقا علي الله أن يقعده بعظم من النار يوم القيامة. وجوب التقشف وقت الأزمات: فقد كان من سلوكه الاقتصادي وقت الأزمات التقشف فكان نموذجا للخشونة, ومن أقواله المباركة صلي الله عليه وسلم: اخشوشنوا فإن النعمة لا تدوم. وعن عروة عن عائشة رضي الله عنها كانت تقول: والله يا ابن أختي إنا كنا لننظر إلي الهلال ثم الهلال ثلاثة أهله في شهرين وما أوقد في أبيات رسول صلي الله عليه وسلم نار, وكنا نعيش علي الأسودين( التمر والماء). كما نهي الرسول صلي الله عليه وسلم عن تخزين الطعام وقت الأزمات حتي لا يحدث الغلاء, ولا يسبب ضررا لأحد, ومن الإعجاز الاقتصادي لهدي الرسول صلي الله عليه وسلم لتجنب غلاء الأسعار وقت الأزمات عدم الشراء فوق الحاجة, وعدم التخزين بدون ضرورة, وهذا ما تقوم به بعض النظم الاقتصادية حيث تقوم بتوزيع السلع الضرورية والتي بها عجز عن طريق نظام البطاقات.