كشفت حوادث انهيارات العقارات, وتصادم القطارات, عن الحالة المأساوية التي تعانيها المستشفيات المصرية, هذه الحالة وصلت إلي الجفاف في كل شيء, فلا أطباء, ولا مستلزمات, ولا دم متوافر, والأخطر من ذلك أن المصاب الذي ينجو من الموت بهذه الأحداث يموت بالإهمال في المستشفيات, بل يتحسب الموت بسبب سوء الطرق من ناحية, وضحالة الإمكانات في المستشفيات من ناحية أخري. ومنذ شهور قليلة وبالتحديد في سبتمبر الماضي بشرتنا وزارة الصحة بأن مصر دخلت عصر الإسعاف الطائر, ومن يومها وحوادث أسيوط والبدرشين والإسكندرية كلفتنا ما يقرب من مائة قتيل ومئات المصابين ولم نسمع عن الإسعاف الطائر أو حتي الماشي فضلا عن ضعف الإمكانات في المستشفيات مما أضطر إلي نقل بعضهم إلي مستشفيات كبيرة تبعد كثيرا عن مكان الحادث. والسؤال الآن: هل من حل للأزمة المستعصية منذ سنوات, وهل الحل في قانون التأمين الصحي كما يروج له حاليا, وهل الصحة خدمة أم سلعة, وهل ميزانية وزارة الصحة الهزيلة ستبقي علي حالها؟ الدكتور محمد حسن خليل منسق لجنة الدفاع عن الحق في الصحة أشار في حديثه إلي أزمات المستشفيات أن المسألة الصحية في مصر منذ الستينيات وحتي الآن مرت بثلاثة أجيال, فالجيل الأول قام ببناء شبكة من الخدمات الصحية الممتازة, حيث اعتبرتها الأممالمتحدة ثورة في العالم الثالث, وعلق البنك الدولي عن البنية التحتية للمستشفيات بأن95% من المواطنين أقرب مركز طبي لهم لا يبعد سوي5 كيلو مترات, وقد غطت الخطة وقتها المحافظات ال25 والمراكز ال125, حيث تم بناء مستشفي عام بكل عاصمة محافظة بقوة300 سرير, ومستشفي مركزي بكل مركز بقوة100 سرير, وتم إنجاز الخطة بالكامل, وأصبحت الخطة هي العمود الفقري لأي تحديث أو تطوير. أما الجيل الثاني كما يقول د. حسن خليل فكان من1974 إلي أواخر التسعينيات وكان إنجازه إهدار هذا الهيكل, حيث كان توصيف صندوق النقد الدولي عن هذه الفترة: الهيكل الطبي ممتاز من ناحية التركيب, وسييء من الناحية الفاعلية, وسبب التدهور هو تقليص الميزانيات, حيث وصل في إحدي السنوات إلي1.7% من إجمالي الإنفاق الحكومي, حيث ارتبطت الميزانية بمعدل التضخم المتصاعد من السبعينيات, بحيث جعل الأمور لا تكفي متطلبات الحياة, ففي حين زادت الأجور في القطاع العام والمنتج من ضعف إلي ثلاثة أضعاف, علي حين أن القطاع الخدمي ظل علي أساسي الأجور دون إضافات, وبالتالي أصبحت أجور الأطباء والفريق الطبي لا تفي بمتطلبات الحياة, ومن ثم حدثت هجرة الأطباء, حيث وصلت في بعض التقديرات إلي أن عدد الأطباء المصريين في الخليج يساوي عدد الأطباء في مصر, وتدعي الوزارة بالباطل أن هناك وفرة في الأطباء بينما لدينا عجز بالمطلق, فنحن لدينا7,0% طبيب لكل ألف من السكان, بينما الدول المتقدمة لديها3 أطباء لكل ألف من السكان, وهذا يدل علي النقص الشديد في الأطباء. ويشير د. حسن خليل إلي أن هناك دعاوي بأن النقص سببه سوء توزيع, وهذا يدفعنا إلي سؤال: ما الذي يجبر طبيبا أن يذهب إلي مكان ناء في ظل مرتبات متدنية علي حين أنه في العاصمة يعمل في مكانين وثلاثة لتحسين دخله, فبحسب إحصائيات أخيرة تقول: إن87% من الأطباء يعملون في مكانين, و68% يعملون في ثلاثة, فالطبيب الذي يرفض الذهاب إلي منطقة نائية من حقه لعدم وجود أجر كاف وانعدام فرصة العمل الإضافي. ويذهب د. حسن إلي أن الجيل الثالث الذي ظهر في أواخر التسعينيات وحتي الآن سعي لحل الأزمة الصحية من خلال الخصخصة. ويضيف د. حسن أن الأزمة الحالية التي تشهدها المستشفيات في طول البلاد وعرضها هدفها دفع الناس إلي القبول بنظام التأمين الصحي الجديد ونقل ملكية وسائل تقديم الخدمة بالمستشفيات والعيادات إلي القطاع الخاص أو هيئات اقتصادية تقدم علاجا بأجر, أي دفع الناس بقبول الخصخصة بالأمر الواقع نتيجة تزييف التشخيص وتزييف العلاج, حيث ادعي وزراء الصحة منذ أواخر التسعينيات أن المشكلة هي نقص الجودة وحلها يكون عن طريق المنافسة( الخصخصة) وبالتالي كانت تصريحات الجبلي الواضحة في هذا الشأن هو تحويل كل مستشفي إلي شركة وكل هيئة طبية إلي شركة قابضة. وحلا للأزمة التي تشهدها وتعانيها مصر هو وجود هيكل صحي له ميزانية كافية نحو15% من الإنفاق الحكومي وعدد كاف من الأطباء والتمريض وأجور عادلة, ولكن ما نراه حاليا يشير د. حسن بعد الثورة أيضا مع الأسف إلي أن هناك ثلاثة تعديلات علي مشروع قانون التأمين الصحي برغم أنها تجاوزت عددا من العيوب البارزة فإنها حافظت علي جوهر الخصخصة لقانون الجبلي, مع أننا نشهد المعارك القائمة الآن حول أجور الأطباء وميزانية الصحة ومشروع التأمين الصحي, وبرغم ذلك يسعي مجلس الشوري بكل ما أوتي من قوة لتمرير المشروع دون الانتظار لانعقاد مجلس الشعب. ويري د. محمد عوض تاج الدين وزير الصحة الأسبق أن أزمة المستشفيات الحالية تعود إلي عدم التنسيق, فنحن لدينا ثلاثة مستويات من الرعاية, الأولي وهي الرعاية الأولية, ولابد من توافرها في حدود5 كليو مترات لأقرب مواطن, وهي تشكل75% من المناطق, وهي ما تسمي بوحدة طبيب الأسرة ودورها يقتصر علي الرعاية الأولية من تقديم إسعافات أولية فقط, والمستوي الثاني وهي الرعاية الثانوية وهي التي تقوم بالعمليات العادية مثل الزائدة الدودية وغيرها وهي تشكل15% من الرعاية, أم ال10% الباقية في تتمثل في المستوي الثالث من الرعاية وهو يحتاج نوعا معينا من الخبرات والإمكانات. ويري د. عوض أن التأمين الصحي الجديد قد يشكل حلا للأزمة خاصة مع التدخلات الطبية الحديثة وارتفاع أسعار تقديم الخدمة والأجهزة الطبية المكلفة ومستلزماتها, إذ في هذه الحالة لابد من وجود نظام صحي متكامل يغطي الناس تأمينيا, فالعالم كله يعمل من خلال هذا النظام, وهو أولوية لكل الناس, شرط أن يتم فصل الخدمة عن التمويل, فالجهة الممولة دورها يكون من خلال تنظيم وتنسيق ومراقبة الجودة والأداء. وإذا تم تطبيق نظام التأمين الصحي فلابد الأخذ في الحسبان إرضاء المنتفع ومقدم الخدمة, فالفريق الطبي لابد من تحسين أجوره ورفعها ووجود حوافز تدفعه إلي العمل في أماكن بعيدة عن عواصم ومراكز المحافظات. ويقول د. أحمد صديق وكيل الصحة للطب الوقائي بوزارة الصحة: إن هناك بالفعل خطة لتجديد وإحلال المستشفيات التي تم حصرها, وبناء علي هذا تم وضع خطة حتي عام2017 يتم من خلالها تجديد نحو40 مستشفي تبدأ من السنة المالية2013/7/1 حتي2014/6/1, حيث تم تطوير شامل ل11 قسم استقبال وطوارئ, وسيتم الانتهاء من تجديد20 مستشفي قريبا, وذلك بعد جولتنا بالمستشفيات, فقد فوجئنا أنها تحتاج إلي الكثير من العناية والتجهيزات, وهناك أمر أيضا مهم, وهو العامل الثاني للتجديد, وهو العنصر البشري, ففي بعض المستشفيات الحكومية بالمحافظات وجدنا أن هناك تكدسا في العنصر البشري في بعضها علي عكس المستشفيات الأخري,.