ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم علي بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن واسألوا الله من فضله إن الله كان بكل شيء عليما]. هذه الآية القرآنية الكريمة جاءت في الخمس الأول من سورة النساء, مما يشير إلي أنهن المقصودات أساسا بالتوجيه الإلهي الذي جاء فيها, وإن كان النص يشمل كلا من النساء والرجال. والآية تخاطب عباد الله المؤمنين قائلة لهم: لا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم علي بعض, لأن الله- تعالي- جعل لكل من الرجل والمرأة دوره الخاص به في هذه الحياة الدنيا, في تكامل لا تفاضل فيه, لذلك لا تجوز هذه الأماني الباطلة, بل ليسأل كل منكم الله من فضله, لأن كلا منكم ميسر لما خلق له. والإسلام يساوي بين الرجل والمرأة في غالبية التكاليف الشرعية, ويمايز بينهما في عدد منها نظرا لوجود بعض الخصوصيات المميزة لكل واحد منهما, والمكملة لرسالته في هذه الحياة. ومن ذلك التكوين البدني والنفسي, والرسالة المكلف بها كل منهما وذلك لا يجعل أحدهما أعلي شأنا من الآخر, ولكن مكملا له ومتمما لرسالته. وانطلاقا من ذلك فإن الخطاب الشرعي جاء واحدا لكل من الرجل والمرأة في التكاليف, والأوامر والنواهي, والحلال والحرام, والثواب والعقاب, والواجبات العامة, مع إثبات الخصوصيات لكل منهما, والمحافظة علي كرامته الإنسانية, وفي ذلك يقول المصطفي( صلي الله عليه وسلم): النساء شقائق الرجال, أي أن كلا منهما مكمل للآخر, ومتمم لرسالته في هذه الحياة. فالمرأة بتكوينها الفطري جعلها خالقها مصدرا للاستقرار النفسي, والعاطفي, والاجتماعي لكل من زوجها وأبنائهما, كما جعلها مهيأة لتحمل مشاق الحمل والولادة, وقادرة علي القيام بدور الأمومة ومسئولياته العديدة. وفي المقابل فإن الرجل بتكوينه الجسدي المميز, وقوته البدنية الظاهرة جعله خالقه قادرا علي الكدح من أجل تحصيل الرزق, ومؤهلا لرعاية أسرته وحمايتها. فالزوج هو المكلف بالنفقة علي أسرته, والزوجه غير مكلفة بذلك حتي لو كانت لديها ثروتها الخاصة بها, إلا أن تتطوع بذلك عن طيب نفس. ولذلك قال رسول الله(صلي الله عليه وسلم) في إحدي خطبه في حجة الوداع... ولهن عليكم رزقهن, وكسوتهن بالمعروف.... ومن الثابت علميا أن الأنثي البالغة من بنات حواء هي- بصفة عامة- أصغر حجما من نظيرها من الذكور, وأقل قدرة بدنية ونفسية علي احتمال الشدائد. كما يختلفان في العديد من الصفات الجسدية والتشريحية ومعدلات النمو وسن كل من البلوغ والشيخوخة. وإنه لمن صميم العدل, ومن مقتضيات تحقيق المصالح الخاصة والعامة مراعاة هذه الخصائص الفطرية بين الذكر والأنثي في كل من الحياة العامة والخاصة, أي في خارج الحياة الزوجية وفي داخلها. فقبل الزواج لا يجوز أن تحمل الأنثي إلا ما تطيق حسب ما فطرها الله( تعالي) عليه, وبعد الزواج لا بد من توزيع الأدوار والمسئوليات بين كل من الزوج والزوجة حسب قدرات كل منهما بحيث يكمل كل منهما الآخر, مع التساوي التام في الحقوق والواجبات. وقد اعترفت المجموعات الإنسانية عبر التاريخ بالفوارق البدنية والنفسية لكل من الذكر والأنثي, ولكن الحضارة المادية المعاصرة تحاول تجاهلها بدعوي المساواة المطلقة بين كل من الإناث والذكور, وبحجة أن الأدوار المنوطة بكل منهما هي من صنع المجتمع وثقافته التي يمكن تغييرها حتي تقوم المرأة بدور الرجل, ويقوم هو بدورها. وهذه الدعوي الباطلة هي من الظلم البين لكل من الرجل والمرأة, لأن المساواة المطلقة بينهما في كل شئ- مع اختلاف الأدوار الفطرية المنوطة بكل منهما- يعتبر مخالفة فجة للفطرة التي فطر الله( تعالي) كلا من الذكر والأنثي عليها, ومنافاة كاملة لقدرات كل منهما. ومن هنا فإن كلا من دعوات وحدة الجنس( أي توحيد كل من الذكر والأنثي في جنس واحد), وتذويبهما فيما يطلق عليه زورا تعبير النوع الإجتماعي هو تهرب من الحقيقة الواقعة للتمييز بين الجنسين, ومحاولة لهدم مؤسسة الأسرة, وتغيير الفطرة التي فطر الله الخلق عليها. وفي ذلك تدمير للمجتمعات الإنسانية بإجبارها علي مخالفة الفطرة. وكل شئ في الوجود خلقه الله( تعالي) في زوجية كاملة( من اللبنات الأولية للمادة إلي الإنسان), وذلك لتستقيم أمور الكون إلي ما شاء الله, وحتي يتفرد هذا الخالق العظيم بالوحدانية المطلقة فوق جميع خلقه. فلولا وجود كل من الذكر والأنثي لانقطع النسل, وما استمرت عمارة الأرض بمختلف صور الحياة. ولولا تجاذب الشحنات الموجبة والسالبة لانهار بناء هذا الكون, ولذلك قال( تعالي), ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون]( الذاريات:49). وهذا التمايز في الخلق هو تمايز للتكامل, وليس تمايزا للتفضيل أو التضاد, لأن المساواة تامة بين كل من الزوجين في كل أصل, كما يقتضيه العدل الإلهي. ومحاولات شياطين الإنس لهدم نظام الأسرة, واستبداله بأي من المساكنة أو الشذوذ الجنسي هي خروج عن الفطرة السوية التي فطر الله( تعالي) جميع خلقه عليها, ومخالفة صارخة لأوامر الخالق( سبحانه وتعالي) ولركائز دينه, وفيها تدمير كامل للمجتمعات الإنسانية ولجميع القيم النبيلة. ومما يؤسف له أن قوي الشر في العالم تحاول إشاعة هذه الفوضي تحت مظلة الأممالمتحدة, وتحت سيف قراراتها التي جاءت بصيغة الإلزام في عدد من المؤتمرات الدولية من مثل المؤتمر الدولي للسكان والتنمية الذي عقد في مدينة القاهرة سنة1994 م, ومؤتمر المرأة الذي عقد في بكين( الصين) سنة1995 م. وكل من هذين المؤتمرين نادي بضرورة هدم مؤسسة الأسرة, وإعطاء الحرية للمرأة في إنشاء أسرة بمفردها يحكمها الزني المحرم مع من تشاء من أجل الإنجاب الحرام, وإعطاء نفس هذا الحق للرجل. من هذا الاستعراض يتضح أن دعوي المساواة المطلقة بين الرجل والمرأة في كل شئ فيها ظلم بين للطرفين, وفساد مدمر للمجتمعات الإنسانية التي يجب أن تقوم علي أساس من الاعتراف بالخصائص الفطرية لكل من الجنسين, وعلي مراعاة تلك الخصائص في توزيع جميع المسئوليات والتبعات في جميع أنشطة تلك المجتمعات. علما بأن ذلك لا يتنافي مع المساواة بين الجنسين في الحقوق والواجبات العامة لأن كلا منهما يكمل الآخر في منظومة الأسرة المتعددة الوظائف تكاملا لا تضاد فيه ولا تنافس. لذلك قال رسول الله( صلي الله عليه وسلم): لعن الله المتشبهات من النساء بالرجال, والمتشبهين من الرجال بالنساء. وقال( تعالي):, ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم علي بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن واسألوا الله من فضله إن الله كان بكل شيء عليما]( النساء:32). ,... والله يقول الحق وهو يهدي السبيل]( الأحزاب:4). وصلي الله وسلم وبارك علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه ومن تبع هداه ودعا بدعوته إلي يوم الدين.